نهض الرئيسان، السادات والقذافى، وجلسا إلى مكتب صغير تحت مجموعة من أشجار البرتقال فى الحديقة الصغيرة بمنزل الرئيس السادات فى قرية «ميت أبوالكوم» بمحافظة المنوفية، يوم 29 أغسطس، مثل هذا اليوم، 1973، وأمسك السادات بالقلم، وقال: بسم الله، ووقع بإمضائه، وأخرج القذافى قلمه ووقع، وهو يقول: على بركة الله، وبعد التوقيع عاد الرئيسان إلى مجلسهما فى الشرفة، وطلب القذافى قراءة الفاتحة لتأكيد ما تم الاتفاق عليه بقيام دولة الوحدة بين مصر وليبيا، حسبما تذكر جريدة «الأهرام» فى عددها يوم 30 أغسطس 1973.
تذكر «الأهرام» أن اجتماع «29 أغسطس»، كان ختاما لمحادثات استمرت من يوم 27 أغسطس 1973، بعد جولة خارجية قام بها الرئيس السادات إلى السعودية وقطر وسوريا، وقصد ميت أبو الكوم ليستريح من إرهاق السفر، إلا أن القذافى حضر إلى القاهرة فى نفس يوم وصول السادات ومعه عبدالسلام جلود، وعبدالمنعم الهونى، وعمر المحيشى، أعضاء مجلس قيادة الثورة الليبية.
تؤكد الأهرام أن وثائق دولة الوحدة كانت جاهزة، واستعرضها الرئيسان مع مراجعة النصوص مراجعة أخيرة، وكانت هناك تعديلات طفيفة فى بعض النصوص، وتضيف أنه بينما كانت النسخة النهائية من الاتفاق التاريخى يجرى إعدادها وفقًا لآخر التعديلات، جلس الرئيسان ومعهما بقية المشتركين إلى مائدة الغذاء، وكان الحديث عن نظام العمل فى دولة الوحدة، وبعد الغذاء استمر الحديث فى شرفة حديقة البيت، ثم جرى التوقيع على أساس أن تبدأ دولة الوحدة من 1 سبتمبر 1973، وهو اليوم الذى يوافق قيام الثورة الليبية عام 1969.
نص قرار الرئيسين وفقًا للأهرام على: تتحمل القيادة السياسية الموحدة المشكلة من رئيس جمهورية مصر، ورئيس مجلس الثورة الليبى مسؤوليتها عن قيام دولة الوحدة وتمارس اختصاصها حتى إتمام بناء الدولة، ويتم فى الفاتح من سبتمبر تكوين جمعية تأسيسية تضم 100 عضو، 50 من أعضاء مجلس الشعب بمصر، و50 يمثلون اللجان الشعبية فى ليبيا، تتولى الجمعية التأسيسية مهمتين، وضع دستور دولة الوحدة وترشيح رئيس الجمهورية، يجرى بعد ذلك الاستفتاء فى كل من البلدين على الدستور ورئيس الجمهورية وتنتهى مهمة الجمعية التأسيسية بإعلان نتيجة الاستفتاء، يذاع فى الفاتح من سبتمبر قرار القيادة الموحدة بإصدار الدينار العربى «الحسابى».. يصدر فى الفاتح من سبتمبر قرار إنشاء منطقة اقتصادية حرة على جانبى الحدود فى كل من البلدين.. ويتم فى الفاتح من سبتمبر تبادل وزيرين مقيمين، أحدهما فى القاهرة، والآخر فى طرابلس لمتابعة قيام الوحدة.. يشكل فى الفاتح من سبتمبر مجلس أعلى للتخطيط على رأسه رئيسا الحكومتين فى القاهرة وطرابلس.. مشروعات القوانين التى أعدتها لجنة الوحدة تحال إلى القيادة السياسية، وتنتهى أعمال لجان الوحدة الحالية، وتحل محلها أمانة مؤقتة لمعاونة المجلس الأعلى للتخطيط والجمعية التأسيسية فى مهامها.
يكشف الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل، أسرار هذه الخطوة فى مقاله «حوارات مع القذافى» بمجلة «وجهات نظر، مايو 1999»، مشيرًا إلى أن زيارة القذافى كانت مفاجأة، وأن «هيكل» اتصل بالسادات فى ميت أبوالكوم ليبلغه بوجوده، فرد أنه «لم يعد يستطيع أن يعرف كيف يتصرف مع معمر؟.. وكشف لهيكل: «معمر اتصل به هنا فى ميت أبوالكوم، وقلت لهم أن يبلغوه أننى نائم».
يؤكد هيكل أن السادات فوضه أن يتصرف، فاقترح عليه أن يصدر إعلانا على نحو ما يؤكد الأهداف المشتركة للبلدين مع إشارة لاتفاقيات سبقت فى محاولة تحقيق نوع من الوحدة بينهما.. يذكر هيكل: «انصافا للحق فإنه تفضل وقبل اقتراحى، وعدت إلى المشروعات القديمة، وأضفت إليها إعلانا جديدا سميته «ميثاق ميت أبوالكوم»، وقرأته عليه فى التليفون وأقره، ثم اتصلت بالقذافى أعرض عليه أن نذهب جميعًا إلى «ميت أبوالكوم»، وكان غاضبًا يقول: «إن الرئيس أنور لا يريد أن يرد على تليفونى فكيف أذهب إليه؟».
يذكر هيكل: «قضينا جميعًا يوم 29 أغسطس فى «ميت أبوالكوم»، وجرى أمام الميكروفونات والعدسات احتفال توقيع وثيقة «إعلان ميت أبوالكوم»، وقرر القذافى أن يعود إلى ليبيا من أقرب مطار إلى ميت أبوالكوم، وكان مطار «قويسنا العسكرى».. يؤكد «هيكل» أنه كان مع السادات فى السيارة عائدًا إلى ميت أبوالكوم بعد سفر القذافى، وجرى بينهما حوار، حول ما جرى، أهم ما فيه قول السادات: «لقد وقعنا اتفاقا وانتهى الأمر، ولعل أعصابه «القذافى» تهدأ حتى تجىء المعركة ويذهب كل منا إلى طريقه».. يضيف: «صباح اليوم التالى 30 أغسطس خرجت الجرائد المصرية كلها عناوينها الرئيسية سوداء وحمراء بعرض الصفحات تعلن للناس أن ميثاقًا للوحدة بين مصر وليبيا تم توقيعه فى ميت أبوالكوم، لكننى ومع الأسف كنت أعرف أكثر من غيرى أنه حبر على ورق».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة