في زمن ما .. كان الراديو صوت بلدنا ، و أحد أهم أسلحتنا الإعلامية في أكبر انتصاراتنا الوطنية ، ذلك الصندوق السحري الذي استطاع أن يكون جزءً لا يتجزأ من الروتين اليومي للأسرة المصرية ، وكانت الإذاعة المصرية دائمً استثنائية لأن أوضاع منطقتنا استثنائية أيضاً ، و إن كان خيال المستمع يصل إلي نصف الحقيقة ، فالنصف الآخر كنا قد وصلنا إليه في أكبر إنجازاتنا في العصر الحديث حال نصر أكتوبر المجيدة من خلال مذيع مخضرم ، نقل إلينا علي وقع نغمات الأثير بصدق و إخلاص أيام و ليالي من علي خط النار من الضفة الشرقية .
هو القدير حمدي الكنيسي (فارس الإذاعة العربية ) ، مراسلنا من الضفة الشرقية الذي قدم يوميات مراسل حربي ، و صوت المعركة وقت أن كان لا صوت يعلوا فوق صوت المعركة ، هو أحد أبطال نصر أكتوبر الذي لم يكن صوته أقل تأثيراً من دوي أصوات القنابل و المدافع التي تدك حصون العدو ، هو المصري الشجاع الذي قالت عنه الصحف العبرية " إن تأثيره تخطي كل الحدود " ، و عندما شكلت الحكومة الإسرائيلية لجنة لبحث أسباب الهزيمة ، كان من لجانها الفرعية بحث أسباب انتشار البرنامج المصري ذائع الصيت " صوت المعركة " .
كان ونستون تشرشل رئيس وزراء الحرب في بريطانيا العظمي يقول " أن هناك من يمتلك الكثير ليتواضع به " ، وهو ما وجدته في شخص الأستاذ حمدي عندما تواصلت معه لعقد حوار تليفزيوني لبرنامجي ابن مصر و توثيقاً لرحلته إذاعياً و أديباً و نقيباً و مشجعاً أهلاوياً كبيراً ، حدثته عن رغبتي في تقديمه سيرة و مسيرة لأنه يستحق أن نقدمه كقدوة لشباب الإعلاميين من زملائي و لأبناء مصر عموماً ، و قد وجدت فيه تواضع الكبار و حكمة العظماء .
وفي حواري مع الأستاذ حمدي الكنيسي بالصدفة البحتة علمت أنه من قرية شبرا النملة بمحافظة الغربية وهي ذات القرية التي ولد فيها شيخ القراء الشيخ محمود الحصري ، وكان محوراً لسؤالي عن طبيعة القرية التي تصدر نجوماً بهذا الحجم ، وعندما سألته عن زوجته الراحلة انهمر بالبكاء كطفلٍ صغير فقد أمه ، و قد حدثني عن دور هذه السيدة العظيمة في حياته .
وداعاً حمدي الكنيسي ذلك الإعلامي القدير الذي ينتمي إلي جيل خرج من حرب الإعلام و شكّل بوطنية شديدة إعلام الحرب ، وداعاً لإذاعي كبير يتوطن بداخله أديب عظيم ، عشق الإذاعة المصرية فعشقته حتي صار رئيساً لها، وداعاً لمؤسس نقابة الإعلاميين و أول رئيس لها ، و في النهاية إنه ليطيب لي أن أتوجه بخالص الشكر و عظيم الامتنان لفخامة السيد الرئيس عبدالفتاح السيسي علي ما أولى به أستاذنا وقدوتنا في فترة مرضه الأخيره من العناية ، وعلي ما شمله به من الرعاية ، فهذا دائماً عهدنا بفخامته تجاه أبناء مصر .
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة