ليس لدى شك أن إذاعة “صوت العرب " العريقة قد حققت طفرة في أعداد مستمعيها منذ مساء الخميس الماضي وعقب عرض أول فيلم وثائقي لإدارة الوثائقيات الجديدة بشبكة قنوات DMC والذي انتجته الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية
الفيلم الذي يستحق كافة القائمين عليه التحية والاشادة والتقدير يعد بمثابة توثيق مهم للغاية لمحطة إذاعية كان لها دور سياسي ووطني بارز في حركات التحرر العربي ومقاومة الاستعمار والتخلف والرجعية في خمسينيات وستينيات القرن الماضي وبدعم شخصى ومعنوي ومادي من الزعيم جمال عبد الناصر شخصيا.
الفيلم يعيد من جديد الوعى للذاكرة العربية والمصرية بإذاعة كانت تقود عبر الآثير أمة كاملة من المحيط الى الخليج وكان أكثر من 100 مليون عربي-عدد سكان الوطن العربي في ذلك الوقت- ينتظرون إشارة البث من صوت العرب لمعرفة آخر الأخبار بل كانت عبارة في أحيانا كثيرة " كلمات السر" لحركات التحرر والحركات الثورية في الدول العربية للتحرك ضد المحتل والقيام بعمليات فدائية. وكان صوت الإعلامي القدير المرحوم أحمد سعيد يحمل للعرب كل بشرى وأمل في النصر والحرية من القاهرة.
الاجادة والمهنية والاحترافية التي عرض بها فيلم" صوت العرب" بمناسبة الذكرى الـ68 لتأسيس الإذاعة يؤكد القدرة على الاستمرارية في انتاج مثل هذه النوعية من الأفلام التي تساهم في إعادة وتشكيل الوعي وخاصة للأجيال الجديدة بما حدث في الماضي ومازالت له تأثيرات في الحاضر. ولذلك وجب توجيه الشكر الى القائمين عليه من فريق الاعداد والمدير التنفيذي والإخراج والتصوير. وتوجيه التحية الى الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية والصديق المبدع محمود مسلم رئيس شبكة قنوات dmc
نحن بحاجة الى أفلام وثائقية كثيرة جدا في كافة المجالات في السياسة والثقافة والفن والاعلام والرياضة والتراث، ولدينا المادة الفيلمية التي ظهر جزءا منها ف فيلم" صوت العرب" ولدينا الأرشيف ولدينا الكفاءات والكوادر الإعلامية القادرة على تأسيس قناة وثائقية مصرية شاملة وليس مجرد فيلم فقط. والأهداف كثيرة انطلاقا من دور مصر ومكانتها وإعادة الروح والوعي لتاريخها وتراثها في كافة الاتجاهات والحفاظ على هذا التاريخ وتوثيقه بكفاءة عالية.
" صوت العرب" بداية قوية وناجحة للشركة المتحدة وDMC ولفريق العمل الجديد وقدم عملا متميزا تحدث فيه شخصيات مهمة من رواد صوت العرب وخبراء الاعلام والسياسة وكان مثار اعجاب ملايين المشاهدين.
فقد جاءت فكرة انشاء الإذاعة التي يعتبرها البعض مشروع الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، لبث خطابات ورسائل حول الوحدة العربية ومناهضة الإستعمار الأجنبي للبلدان العربية. ر وأصبحت الإذاعة هي صوت ناصر الى الشعوب العربية ضد الاستعمار في ذلك الوقت وتحديدا في الخمسينات والستينات
وكان صاحب فكرة تأسيس إذاعة صوت العرب الدكتور محمد عبد القادر حاتم الذي تولّى فيما بعد منصب وزير الاعلام. أما الدعم الأساسي للمشروع جاء من قبل الرئيس جمال عبد الناصر.
وفي الساعة السادسة من مساء يوم السبت 4 يوليو عام 1953 انطلق صوت الإعلامي أحمد سعيد مدويا وقويا وهادرا ليعلن ميلاد إذاعة صوت العرب.. صوت العرب من القاهرة
وخلال الفترة من 53 وحتى عام 67 وعقب هزيمة يونيو تولى رئاسة الإذاعة أحمد سعيد الذى اصبح اسما مرادفا للإذاعة وتحول الى المذيع الأشهر والاسم المعروف لدى الشعوب العربية من المحيط الى الخليج
تقرر أن تبدأ الإذاعة بالبث لمدة نصف ساعة بكلمة الإذاعة قثم كلمة رئيس الجمهورية ثم كلمة أمين عام جامعة الدول العربية وبرنامج الفن في خدمة العروبة.
مع نجاح الفكرة بدأ زيادة بث الإذاعة الى ساعة يوميا في أكتوبر من نفس العام ثم الى ساعتين في يناير 54 وقى يوليو أصبح الارسال 7 ساعات يوميا وزاد حتى أصبح 22 ساعة في عام 62 وزادت قوة أجهزة الارسال التي ربطت بين أجزاء الوطن العربي
كانت صوت العرب هي صوت مجاهدي الجزائر والمغرب وتونس. وكان يذيع رسائل مشفرة لجبهة تحرير الجزائر والمقاومة الفلسطينية وكذلك جبهات التحرير بأفريقيا وكذلك كانت هي القوة الإعلامية في ثورة اليمن وداعمة لحركة التحرير في جنوب اليمن. شاركت صوت العرب في تحرير دول الخليج العربية واستقلالها. وعبر مسيرة أكثر من نصف قرن وسط الأحداث العربية، يصفها مؤيدوها بأنها كانت صوت المناضلين العرب وحصن العروبة الإعلامي والمدافع عن القضايا العربية.
وفى حديث له قال السلطان محمد الخامس بان إذاعة صوت العرب من القاهرة كانت البشير له وهو في المنفى بالانتصار وأنها وقفت الى جانب شعب المغرب ضد الاستعمار الفرنسي
وحاولت فرنسا إخماد صوت العرب بتوزيع أجهزة راديو مجاناً لا تلتقط صوت العرب علي الجزائريين للتعتيم وإبطال تأثير الإذاعة.
كانت المعركة الأشهر فى تاريخ إذاعة صوت العرب هى معركة العدوان الثلاثى على مصر، فبعد أن دمر العدوان محطات إرسال أبو زعبل فى سنة 1956 لم يتوقف إرسال صوت العرب، بل أذهل الجميع بأن انطلق نداء صوت العرب مرة أخرى من دمشق بصوت المذيع صلاح عويس- أحد رواد الإذاعة العريقة أطال الله في عمره- وفى اليوم نفسه انطلق النداء من تونس، ثم من عمان، ومن بيروت ومن طرابلس الغرب، وذلك فى معزوفة رائعة عكست وحدة الأمة العربية الحقيقية.
واعتبرت وسائل الاعلام العالمية إذاعة صوت العرب المحرض الرئيسي ضد القوات الإنجليزية والفرنسية في المنطقة وتعبئة الشعور القومى ضدها. وحاولت تلك الدول بكل ما تملك من وسائل للتشويش على صوت العرب بصفارات الإنذار وأجهزة التشويش اللاسلكي على موجاتها وإذاعة ثلاث أغاني في وقت واحد لجعل الاستماع اليها مستحيلا لكن تلك المحاولات فشلت . واعتبرت وكالة الاستخبارات الاميريكية سي أي ايه صوت العرب أخطر وأكبر تأثيرا من إذاعة صوت أميركا
الكونجرس الأميركي نفسه رصد 40 مليون دولار لتقوية إذاعة صوت أميركا سنة 59 في مواجهه صوت العرب قى الشرق الأوسط وأفريقيا بل أن الولايات المتحدة الأميريكية ربطت صادراتها الى القاهرة بوقف الحملات التي تشنها ضدها إذاعة صوت العرب.
بعد هزيمة يونيو تعرضت الإذاعة لانتقادات عنيفة بسبب سياسة الصوت العالى وتوظيفها للهجوم على الأنظمة العربية لكنها نجحت في تحقيق أهداف النظام السياسي في ذلك الوقت الذي تبني أفكار القومية العربية ومحاربة الاستعمار وتحرر الشعوب العربية والأفريقية
وربما حتى الأن ليست لدينا دراسة واقعية ووافية عن دور صوت العرب وما لها وما عليها ولم يهتم الكثير في مصر وفى الوطن العربي عن اجراء دراسات خاصة عن الإذاعة رغم أن جامعة بريستون الأميركية قدمت في الستينات ثلاث دراسات في معهد دراسات الشرق الأوسط عن الإذاعة تناولت فيها عمق تأثيرها في المنطقة العربية والأفريقية.