قبل نحو عامين تقريباً بدأت حملة كبيرة في وسائل الإعلام حول ارتفاع أسعار الكشف في عيادات الأطباء، أو ما يعرف بـ "الفيزيتا"، التي وصلت لأرقام فلكية لدى البعض، نتيجة ظهورهم في برامج عبر شاشات الفضائيات، والشهرة الواسعة التي حققوها من خلالها، حتى صارت أسماؤهم يعرفها الجميع، دون أن تكون هذه الشهرة دليل على المهارة أو الكفاءة العلمية، فالمريض لا يمكنه بأى حال تقييم الطبيب، بل فقط يتعلق به نفسيا، لدرجة أن هناك عبارة دارجه يقولها المصريون وصفاً لأطبائهم: "أرتاح عنده"، وهذا بالطبع لا يمكن أن يكون معياراً للحكم على كفاءة الطبيب.
أسعار الأطباء لا تحكمها معايير، فترتفع بمعدلات غير مسبوقة، ولو أن طبيباً سعر الكشف لديه 200 جنيه، من الممكن أن تجدها تضاعفت بنسبة 100% خلال عام أو عامين على أقصى تقدير، حتى أصبحت الأسعار خيالية، ووصلت الفيزيتا إلى معدلات غير مسبوقة لدى الأطباء المشاهير، لتبدأ من 600 جنيه، حتى 3 آلاف جنيه في الكشف الواحد، مع طابور طويل من الانتظار يصل إلى شهر أو ربما يزيد حسب الإكرامية التي تتركها للسكرتير المسئول عن الحجز.
البعض يقول إن الموضوع يخضع لقواعد العرض والطلب، ويمكن للمريض الذهاب إلى المستشفى العام مجانا، أو الكشف لدى طبيب لا تتعدى الفيزيتا عنده الـ 50 جنيهاً، وتنتهى القضية، إلا أن للموضوع أطراف أخرى، ترتبط بحق الدولة والمجتمع في الأموال التي يجمعها هؤلاء، فلا يوجد طبيب واحد يقدم للمريض مستند رسمي أو فاتورة تثبت قيمة ما دفعه في الكشف، فقط كل ما تحصل عليه هو "الروشتة"، التي تصرف من خلالها الدواء أو كارت المتابعة، لذلك لا يمكن محاسبة الأطباء ضريبياً كما ينبغي، ويظل الأمر مجرد تقديرات عشوائية.
طالعت صباح اليوم منشوراً لإحدى الزميلات الصحفيات حول تجربتها مع أحد الأطباء المشاهير، أصحاب الحظ، الذين تبدأ أسعار الكشف لديهم من 1000 جنيه والحسابة بتحسب، وقد طلبت من الموظف المسئول عن الحجز إعطائها فاتورة بالمبلغ الذي دفعته، إلا أن الأخير رفض دون إبداء أسباب، وبالطبع الأسباب معروفة ومعلومة فنحن أمام حالة واضحة للتهرب الضريبى، وهذا ملف يجب أن يفتح ليحصل المجتمع على حقه من هذه الأموال التي يدفعها المواطن، كما يحدث في كل دول العالم.
أتمنى أن توافيني مصلحة الضرائب المصرية بقيمة ما دفعه الأطباء خلال العام 2020 للمصلحة، حتى نحصل على رقم حقيقي يمكن من خلاله إدراك حجم القضية، فهناك آلاف الأطباء لا تعرف عنهم مصلحة الضرائب شيء، أو يتم " تستيف" ملفاتهم بمعرفة مكاتب خبراء ومتخصصين، بحيث يدفع هؤلاء في النهاية "نثريات"، أو فتات لا يعبر بأى حال عن الأرقام الحقيقية التي يكسبها قطاع الأطباء أصحاب الفيزيتا المتضخمة.
يجب أن يتم تعديل النظام الضريبى بصورة تسمح بمحاسبة شفافة وعادلة لفئات المحامين والأطباء، بما يكفل المحاسبة ورد حقوق الدولة، وتقصى أرصدتهم في البنوك، وإصدار فواتير مدققة مقابل الخدمة التي يبيعونها، فلا يمكن أن يكون الموظف الصغير هو الأكثر انتظاما في سداد الضريبة التي تستقطع من راتبه شهرياً، ومن يكسبون الملايين يدفعون الفُتات!!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة