إنه الصيف الأشد حرارة، هكذا يتحدث الناس فى أنحاء العالم، وهم يشاهدون الارتفاع الكبير فى الحرارة والرطوبة والحرائق التى تشتعل فى الغابات والمناطق المختلفة فى أوروبا وأمريكا وآسيا، وفى مصر لا يزال الجدل محتدما بين أنصار الصيف وأنصار الشتاء، وكأن لدى كل منهم خيارا، وهو نقاش يبدو مسليا بينما آراء الخبراء وتحذيرات العلماء لا تحمل أى نوع من التسلية، بل تحمل مخاوف، لأن ارتفاع الحرارة هو أمر مستمر على مدى عقود، وما يظهر الآن هو إنذار، من ظواهر وتهديدات أخرى تتطلب تحركا دوليا مسؤولا يوقف هذا التدمير المتعمد من الإنسان للطبيعة.
والواقع أن فصل الصيف على مدى العقود الماضية يشهد ارتفاعا فى الحرارة والرطوبة، وخلال السنوات الماضية كانت تقارير الأرصاد والطقس تتكرر حاملة أنباء الحرارة، ومنذ منتصف التسعينيات يشهد ارتفاعات فى الحرارة، مصحوبة بتحذيرات من علماء البيئة بأن التغير المناخى الحادث هو نتاج عمل الإنسان، وأنه من المتوقع أن تتصاعد الظواهر المناخية المختلفة من حرائق وفيضانات وزلازل وتسونامى وجفاف وذوبان الجليد وتحول فى الأنهار والمحيطات.
وهذه الحرارة تضاعف من استهلاكنا من الكهرباء والطاقة، بما يضاعف من الحر، ضمن معادلة دقيقة تسلم بعضها، ويتحدث عنها الخبراء، ويطالبون بإجراءات للمواجهة.
ولم ينته العالم من مواجهة فيروس كورونا، حتى ظهرت موجة حرائق غابات غير مسبوقة شرقا وغربا وشمالا وجنوبا، ومع شهر يوليو الماضى اندلعت العشرات من الحرائق تسببت فى مصرع وإصابة وتشريد المئات حول العالم بسبب موجة حر غير مسبوقة، فى الولايات المتحدة وكندا وتركيا واليونان وإيطاليا وروسيا ولبنان وقبرص وحرائق فى كل من العراق وإيران، وامتدت لتشمل أغلب قارات العالم.
ويعتبر الخبراء أن ما يصاحب موجة ارتفاع الحرارة الحالية من كوارث طبيعية هو مجرد إنذار من الطبيعة لما يمكن أن يحدث من كوارث أشد فى المستقبل، إن لم يتغير السلوك البشرى الذى أدى إلى تغير المناخ خلال العقود الماضية، ويجعل النقاش بين أنصار الصيف والشتاء مجرد نقاش لا يجدى وسط توقعات باستمرار الظاهرة، بصرف النظر عن اختيارات الناس، فقد شهدت الدول المختلفة موسم صيف شديد تجاوزت فيه الحرارة كل المعدلات المتوقعة.
وتظهر أبحاث أمريكية أن زيادة درجة الحرارة بمقدار درجة مئوية واحدة تزيد من المساحة المحترقة فى بعض أنواع الغابات إلى 6 أضعاف على ما هو عليه الآن، وبجانب الحرائق هناك أنواع من الكوارث الطبيعية الأخرى مثل موجات الجفاف، والأعاصير، والذوبان الجليدى، والفيضانات الناتجة عن ارتفاع منسوب سطح البحار والمحيطات.
ويرى خبراء البيئة أن تغير المناخ يرجع لأكثر من 200 عام، مع الثورة الصناعية التى بدأت فى أوروبا والولايات المتحدة، وانتقلت للقارات الأخرى، لكن العالم لم ينتبه لهذا الخطر إلا خلال نصف القرن الأخير، وقد أعلن الرئيس الروسى، فلاديمير بوتين، وجود صلة بين توسيع نطاق الحرائق والفيضانات فى بلاده وتغيرات المناخ فى العالم، مشيرا فى اجتماع حكومى إلى أن المتوسط السنوى لارتفاع درجات الحرارة فى روسيا خلال الأعوام الـ44 الماضية يتجاوز بـ2.8 ضعف مؤشر المتوسط العالمى.
وفى يونيو الماضى أعلنت صحف فرنسية اطلاعها على مسودة تقرير أممى يرى أن التغير المناخى سيدمر حتما الحياة كما نعرفها حاليا على كوكبنا، خلال 30 عاما على الأكثر، وأعلنت الأمم المتحدة عن إطلاق حملة «اعملوا الآن»، الرامية للحد من ظاهرة الاحتباس الحرارى والعناية بكوكب الأرض، بعد تزايد الكوارث الطبيعية مثل فيضانات ألمانيا وحرائق الغابات فى كندا والولايات المتحدة وإيطاليا واليونان، تزامنا مع تقارير متشائمة.
كل هذا يعنى أن ما نواجهه من ارتفاعات فى الحرارة والرطوبة هو أمر متوقع، أكبر من مجرد نقاش بين عشاق الشتاء ومحبى الصيف، فهذا الصيف ليس الأكثر حرارة، لكنه من بين فصول مقبلة يجب أن نستعد لها.