فرحة الشعب المصري في اليوم الأخير من ختام منافسات أولمبياد طوكيو 2020 بأبطاله لا توصف. فقد جاء هذا اليوم بأهم ميداليتين في تاريخ مشاركات مصر في الدورات الأولمبية الأخيرة وتحديدا منذ أولمبياد لوس انجلوس عام 84. الذهبية التي حققتها البطلة الأميرة فريال أو طالبة الصيدلة الجميلة والمتفوقة فريال أشرف في الكاراتيه فى وزن فوق 61 كيلوجرام والبطل أحمد الجندي بفضية الخماسي الحديث.
الفرحة زادت مع عزف السلام الوطني لمصر لأول مرة على منصة التتويج بعد 17 عاما من آخر فوز بذهبية بطلنا في المصارعة كرم جابر في أثينا 2004. فالفوز وعزف النشيد الوطني له مذاق مختلف، فنشيد الوطن يعزف وتسمعه آذان الملايين من البشر حول العالم فينتشي القلب ويهتز الوجدان طربا وفخرا واعتزازا والسبب الأميرة الصغيرة فريال فكان مسك الختام.
فريال بالمناسبة عمرها 21 عاما وتدرس الصيدلة في الجامعة البريطانية في القاهرة ومتفوقة في دراستها، وتعد البنت الوحيدة في أسرتها حيث تملك شقيقين فقط. بما يعني أن الإنجاز الرياضي لا يقف في طريق التفوق الدراسي أيضا. ويبدو أن فريال قد حملت آمال المصريين واللجنة الأوليمبية مع زميلتها أيضا البطلة جيانا فاروق لتحقيق الحلم الذهبي في الأولمبياد بتحقيق ميداليتين ذهبيتين وهو الحلم الذى لم يتحقق منذ أولمبياد لندن 48 الا أن جيانا- وبفعل فاعل- فازت بميدالية برونزية.
حققت فريال الحلم بدعم واهتمام من الجميع في اللجنة الاوليمبية والرعاة ووزارة الشباب والرياضة، حتى أنه تردد بأن الوزير أشرف صبحي قام بدور المدرب في مباريات البطلة الحاسمة، حيث قام بإعطائها عدد من التعليمات بكيفية اللعب والحصول على الذهب، حيث فالوزير بطل كاراتيه سابق بنادي الزمالك، وحصل على الحزام الأسود، وحقق العديد من البطولات الكبرى كبطولة الجمهورية.
ولحسن الحظ أن تأتى ميداليات اليوم الأخير لتحقق مصر رقما قياسيا في الفوز بأكبر عدد الميداليات فى تاريخ مشاركات البعثات المصرية فى الأولمبياد منذ أولمبياد أمستردام عام 1928حيث حصدت مصر خلال المشاركة فى منافسات طوكيو 6 ميداليات من بينها ذهبية، بينما كانت أكبر عدد ميداليات حققتها البعثات المصرية قبل ذلك هى 5 فقط في لندن 48 بميداليتين ذهب وفضيتين وبرونزية.
الفرحة أيضا جاءت بسبب فريق كرة اليد الذى أبهر العالم وأدهش أصحاب اللعبة في الأولمبياد فقد اخترق فريق عربي وأفريقي لأول مرة عرش الكبار أو مربع الكبار وهو انجاز غير مسبوق في تاريخ كرة اليد سواء في كاس العالم أو في الأولمبياد. وكاد ان يهز عرش اللعبة من تحت اقدامهم. وقدم الفريق مباريات رائعة وهزم فرق عريقة في اللعبة وبذل اللاعبون مجهودا خارقا ولم يقصر أحد منهم. من هنا كانت فرحتنا وفرحة الرئيس السيسي واعتزازه بهذا الفريق وحتى ندرك حجم الفرحة بالذهب، فان أخر من حققها هو كرم جابر في المصارعة الرومانية بدورة أثنيا عام 2004، وجاءت تلك الميدالية بعد 46 عاماً من غياب الذهب عن المشاركات بالدورات الأوليمبية.
سجل الشرف في أولمبياد طوكيو يضم أيضا الى جانب فريال وأحمد الجندي، البطلة جيانا فاروق برونزية الكاراتيه والبطل محمد كيشو في وزن تحت ٦٧ كجم في المصارعة وطبعا هداية ملاك فى وزن تحت ٦٧ كجم في التايكوندو للمرة الثانية في دورتين متتاليتين. والبطل سيف عيسى في وزن تحت ٨٠ كجم في التايكوندو التحية واجبة لكل الأبطال الذين لم يخيبوا الظن فيهم وحققوا ما وعدوا به قبل بدء منافسات الدورة الأوليمبية حتى ولو كان الوعد بمركز لا يحقق ميدالية. وهنا نتحدث عن المراكز من الخامس وحتى العاشر أو الحادي عشر. بل التحية الخاصة لكل من حقق إنجازا بأكثر مما وعد به مثل اللاعب عمر عصر في تنس الطاولة الذى حقق المركز الخامس وكان أن يحقق ميدالية لولا أن أوقعته القرعة في طريق بطل العالم في اللعبة في دور الثمانية. ففي المركز الخامس جاء محمد مصطفى في وزن 87 كيلوجرام في المصارعة. وحقق منتخب مصر في منافسات سلاح الفرق المركز الخامس ورغم توقعنا لبطلنا علاء أبو القاسم بميدالية الا انه حقق المركز السادس في منافسات سلاح الشيش. والمركز السابع للاعب محمد حمزة في منافسات سلاح الشيش والمركز الثامن للاعب محمد السيد في منافسات سلاح سيف المبارزة والمركز الثامن أيضا للاعب مصطفى عمرو في منافسات دفع الجلة في ألعاب القوى والمركز التاسع للاعب عبد الملك حمزة في منافسات جمباز الترامبولين والمركز العاشر للاعب سيف آسر في منافسات جمباز الترامبولين والمركز 11 لمهاب مهيمن في نهائي الغطس من منصة متحركة 3 متر الاحتفاء والاحتفال والفرحة يستحقها الأبطال الحقيقين الذين بذلوا الجهد والعرق في سبيل رفع علم مصر واسمها في المحافل الدولية وهؤلاء يجب زيادة الاهتمام بهم استعدادا لدورة أولمبياد باريس القادمة 2024.
فمن بين 134 لاعبا ولاعبة استطاع 20 بطلا تقريبا تحقيق المراد منهم حتى ولو ساعدت القرعة أو الصدفة في ذلك فهذا أمر طبيعي في المنافسات. ولا يمكن ضم فريق اليد الى هؤلاء فحسبته مختلفة واعداده وتأهيله أيضا مختلف ومنذ سنوات عديدة.
فمشاركة بعثة مصر في طوكيو تعتبر هي الأكبر في تاريخ المشاركات في الدورات الأولمبية مع 206 دولة ولم تقصر الوزارة واللجنة الأولمبية في الصرف والانفاق، فوزارة الشباب دعمت بحوالي 261 مليون جنيه بخلاف دعم الشركات الراعية.
المفارقات المبهجة أو الصدف التاريخية جاءت لنا بأبطال الذهب والبرونز فهناك أبطال لم يتوقع منهم تحقيق نتائج ثم حققوا المعجزة وفازوا بالميداليات.. فهل هذا يعني غياب التخطيط في صناعة النجم والبطل الاوليمبي رغم جهود الدولة ممثلة في وزارة الشباب والرياضة فى الاهتمام بصناعة البطل الأوليمبي بالتنسيق والمتابعة الدائمة مع اتحادات الألعاب المختلفة.
لا يمكن اعتبار ذلك صحيحا على اطلاقه فما تحقق فى كرة اليد والتايكواندو، يؤكد أن هناك تخطيطاً جيداً من الاتحادين الذين يديران اللعبتين، من حيث معسكرات الإعداد وتنظيم مواجهات ودية قوية تتناسب مع قوة المنافسة في دورة الألعاب الأولمبية، وهو ما تفتقده بقية الاتحادات، حتى وإن حقق لاعبوها ميدالية أولمبيةوأيضا لا يمكن تجاهل الإصرار والعزيمة والكفاح والجهد من اللاعب نفسه والصدفة التي تخدمه أحيانا وعلينا أن ننظر ونراجع ملف أبطال الميداليات في الورة الأخيرة في طوكيو، في النسخة الجارية من الأولمبياد «طوكيو 2020»، فقد حصدت مصر 4 ميداليات برونزية، على يد 4 أبطال، من بينهم واحدة فقط هي المعروفة جماهيرياً وهي لاعبة التايكواندو هداية ملاك، في حين تحققت ميداليتين على يد سيف عيسى في التايكواندو، ومحمد السيد (كيشو) في المصارعة الرومانية وجيانا فاروق في الكاراتيه. لم يكن أيا منهم معروفا للجماهير المصرية قبل بداية منافسات الأولمبياد، وهو ما حدث أيضاً في النسخة الماضية من الأولمبياد «ريو دي جانيرو 2016»، بالبرازيل، حيث تحققت ثلاث ميداليات برونزية، اثنان منها في رفع الأثقال عن طريق الرباعين محمد إيهاب وسارة سمير، وواحدة في التايكوندو عن طريق هداية ملاك، وقتها لم يكن أحد منهم معروف جماهيرياً أو إعلامياً.
كثيرا من ابطال اللعبات التي نطلق عليها " اللعبات الشهيدة" البعيدة عن الاهتمام الإعلامي والجماهيري التي تححق المفاجآت السارة رغم ضعف الإمكانيات والشكاوى من الإهمال وعدم الاعداد الكافى من حيث المعسكرات والمشاركات في بطولات عالمية، أو حتى الانفاق لولا الشركات الراعية.
لا نريد التفتيش في الأوراق القديمة ونكأ الجراح في ظل الفرحة الحالية، لكن مصر أكبر من الجميع وتستحق منا بذل الكثير والكثير ولسنا أقل من دول صغيرة نسبقها بمراحل ضوئية في كل شيئ وتسبقنا في الترتيب ومنها جزر نسمع عنها لأول مرة.
بعد الفرحة والتكريم والتقدير لابد أن يأتي التقييم والمراجعة وكشف الحساب من اللجنة الأوليمبية ووزارة الشباب والرياضة أيضا. ولانسمح بأن تتكرر حوادث الماضي مثلما حدث مع كرم جابر الذى تاه منا في أميركا وفى دروب السينما وأيضا زميله بطل المصارعة محمد عبد الفتاح" بوجي " وأيضا مع سارة سمير ومحمد إيهاب أبطال البرونز في البرازيل. والمأساة الأكبر في لعبة رفع الاثقال الذى تم شطبها من المشاركة في طوكيو بسبب اهمال اتحاد اللعبة وتوريطه للاعبين في قضية تعاطى المنشطات وبسببه تم حرمان لاعبي مصر من التواجد فى
أولمبياد «طوكيو»، وضياع ميدالية أولمبية مضمونة، وهناك أيضا مثال البطلة نهلة رمضان.
التقييم والمراجعة وكشف الحساب يجب أن يضع في الاعتبار المصلحة العليا لمصر ورفع علمها واسمها في المحافل الدولية والبعد كل البعد عن الحسابات والمصالح الشخصية والأمور النفسية.
هناك ضرورة منذ هذه اللحظة وبعد الفرحة أن نبدأ في المراجعة السريعة والاعداد الجيد للدورة القادمة في باريس وتتضافر في ذلك كافة جهات الدولة وليست اللجنة الأوليمبية فقط أو وزارة الشباب والرياضة فهناك الأندية والوزارات أخرى مثل التعليم العالى والتربية والتعليم وغيرهما. الفرحة والانتصار شيئ رائع والأروع منه أن يستمر علم مصر ونشيدها الوطني في العلو والعزف مرات ومرات.