تغير التاريخ الإسلامى بعد سنة 132 هجرية فقد انتهت دولة وبدأت دولة أخرى، فقد انتهت الدولة الأموية، وبدأت الدولة العباسية بإعلان خلافة أبو العباس السفاح، فما الذى يقوله التراث الإسلامى؟
يقول كتاب البداية والنهاية لـ الحافظ ابن كثير تحت عنوان "خلافة أبى العباس السفاح":
لما بلغ أهل الكوفة مقتل إبراهيم بن محمد، أراد أبو سلمة الخلال أن يحول الخلافة إلى آل على بن أبى طالب، فغلبه بقية النقباء والأمراء، وأحضروا أبا العباس السفاح وسلموا عليه بالخلافة، وذلك بالكوفة، وكان عمره إذ ذاك ستا وعشرين سنة.
وكان أول من سلم عليه بالخلافة: أبو سلمة الخلال، وذلك ليلة الجمعة لثلاث عشرة ليلة خلت من ربيع الآخر من هذه السنة، فلما كان وقت صلاة الجمعة خرج السفاح على برذون أبلق، والجنود ملبسة معه، حتى دخل دار الإمارة، ثم خرج إلى المسجد الجامع وصلى بالناس، ثم صعد المنبر وبايعه الناس وهو على المنبر فى أعلاه، وعمه داود بن على واقف دونه بثلاث درج.
وتكلم السفاح، وكان أول ما نطق به أن قال: الحمد لله الذى اصطفى الإسلام لنفسه دينا، وكرمه وشرفه وعظمه، واختاره لنا، وأيده بنا، وجعلنا أهله وكهفه والقوام به والذابين عنه والناصرين له، وألزمنا كلمة التقوى وجعلنا أحق بها وأهلها، خصنا برحم رسول الله ﷺوقرابته، ووضعنا بالإسلام وأهله فى الموضع الرفيع، وأنزل بذلك على أهل الإسلام كتابا يتلى عليهم فقال تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرا} [الأحزاب: 33] .
وقال: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِى الْقُرْبَى } [الشورى: 23]
وقال: { وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ } [الشعراء: 214] .
وقال: { مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِى الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ } [الحشر: 7] الآية.
فأعلمهم عز وجل فضلنا وأوجب عليهم حقنا ومودتنا، وأجزل من الفيء والغنيمة نصيبنا تكرمة لنا، وتفضلة علينا، والله ذو الفضل العظيم.
وزعمت السبابية الضلال أن غيرنا أحق بالرياسة والسياسة والخلافة منا، فشاهت وجوههم.
أيها الناس! بنا هدى الله الناس بعد ضلالتهم، ونصرهم بعد جهالتهم، وأنقذهم بعد هلكتهم، وأظهر بنا الحق وأدحض بنا الباطل، وأصلح بنا منهم ما كان فاسدا، ورفع بنا الخسيسة، وأتم النقيصة وجمع الفرقة، حتى عاد الناس بعد العداوة أهل تعاطف وبر ومواساة فى دنياهم، وإخوانا على سرر متقابلين فى أخراهم، فتح الله علينا ذلك منَّة ومنحة بمحمد ﷺ، فلما قبضه إليه قام بذلك الأمر بعده أصحابه، وأمرهم شورى بينهم، فحووا مواريث الأمم فعدلوا فيها، ووضعوها مواضعها، وأعطوها أهلها، وخرجوا خماصا منها.
ثم وثب بنو حرب ومروان فابتزوها لأنفسهم، وتداولوها.
فجاروا فيها واستأثروا بها، وظلموا أهلها، فأملى الله لهم حينا { فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ } [الزخرف: 55]، فانتزع منهم ما بأيديهم بأيدينا، ورد الله علينا حقنا، وتدارك بنا أمتنا، وتولى أمرنا والقيام بنصرنا ليمنَّ بنا على الذين استضعفوا فى الأرض، وختم بنا كما افتتح بنا، وإنى لأرجو أن لا يأتيكم الجور من حيث جاءكم الخير، ولا الفساد من حيث جاءكم الصلاح، وما توفيقنا أهل البيت إلا بالله.
يا أهل الكوفة ! أنتم محل محبتنا ومنزل مودتنا، وأنتم أسعد الناس بنا وأكرمهم علينا، وقد زدتكم فى أعطياتكم مائة درهم، فاستعدوا فأنا السفاح الهائج والثائر المبير.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة