نعم العنوان صحيح "فوائد المرض"، حتى مع ظن البعض أنه بلا فائدة، بل مصيبة وبلوى تحل على رأس صاحبها، لكنه في الحقيقة نعمة كبيرة، تذكرنا بالضعف البشرى، والعجز الإنساني، والصحة الخائنة، والقوة العاجزة، والقدرة الواهية، التي ندًعيها ونعتقد فيها، ونتصور أننا خرقنا الأرض وبلغنا الجبال طولاً، فتأتى محنة المرض لتشعر معها بجحم الضعف والوهن الذي يعتري جسدك، حتى صارت الأيادي ترتعش والقلب يرتجف، والتنفس يضيق، دون حول منك أو قوة.
لا نعرف فضل العافية إلا بتجربة المرض، لا نعرف فضل الطبيعي والعادي إلا عندما نتعرض للطارئ المفاجئ، لا يمكنك أن تميز ما تمحنه لك قدمك، إلا حينما تعجز عن حملك، والتحرك بجسدك الضعيف، لن تفكر في وظيفة رئتيك إلا حينما يحاصرك السعال من كل جانب، وتشعر بأن التنفس ليس في أفضل حالاته، لن تتعرف على دقات قلبك إلا في ساعات الظلام في ليل هادئ على وسادتك الناعمة، تشعر بها تدق في أذنك وتتابع هل تستمر الدقات بنفس الطريق أم يحكمها اللغط ارتفاعاً وانخفاضاً، بل لن تعرف قيمة شفتيك إلا حينما تحاصرها الفيروسات الانتهازية بعد نزلة برد شديدة، وقد تشققت وامتلأت بمظاهر الالتهاب من كل جانب، حتى صارت حرارتها تمنعك الاقتراب من الطعام أو الشراب وتفسد مزاجك كاملاً!
تجربة المرض تدفعنا دائماً إلى إعادة الحسابات الخاطئة مرة أخرى، أو على الأقل تصحيح مسارها والإفاقة من الأوهام الزائفة والمظاهر الخادعة، وكل أشكال النفاق الاجتماعي التي نمارسها بقصد أو بدون وتتلاشى مع صرخات الألم، بل أكثر من ذلك فإن المرض يأتيك بصورة أقرب إلى جواب مسجل بعلم الوصول، ليؤكد لك أن الصحة ليست منحة أبدية، بل قد تخونك في أي وقت ودون مقدمات، وتصبح مصدر ألم لا ينقطع إذا ما أهملت فيها لصالح ما دونها.
الحكمة التي نتعلمها من المرض أنه مهما كانت قدرتك وقوتك ومنصبك ونفوذك، لن يتحمل عنك الألم أحد، ولن تشفع لك كل مظاهر الرفاهية التي تمارسها في أيامك العادية، بل إن الطبيب نفسه ولو كان أشهر وأمهر الأطباء لن يمنحك أكثر من المسكنات والمهدئات، حتى يمن عليك القدير بالشفاء ويمنحك العافية من جديد، لذلك عليك أن تتوقف فوراً عن غرورك البشرى، وصلفك المستمر، وقهرك الدائم لمن حولك، وفخاخك التي تسهر ليل نهار لتنصبها لكل من حولك، لاسيما أن عداد العمر لا يتوقف عن الهرولة!
المرض فرصة كبيرة لنعيد حساباتنا من جديد، ونتعرف على الحجم الطبيعي لكل من حولنا، والقيمة الحقيقية للأسرة والأصدقاء والأقارب والزملاء، بل فرصة عظيمة لتقييم كل المحيطين، وفرصة أعظم لاكتشاف نقاط ضعفك، وما قد يغضب صحتك، ويعكر صفو مزاجك، لذلك أتصور أن للمرض فوائد كبيرة لا تقل بأى حال عن محنته، والمهم أن نتعلم الدرس وندرك الحقيقة، التي نعرفها جميعا ولا نحيط بها، ونتذكرها فقط دون أن نضعها أمامنا للتعلم والاعتبار.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة