محمد حبوشه

الدراما المصرية على المحك !

الجمعة، 14 يناير 2022 06:43 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

الحقائق تشير إلى أنه على الرغم من أن وجود هذا الكم الكبير من الأعمال الدرامية يعد شيئا إيجابيا وجيد، ولكنه يجب أن يقدم رسالة للمشاهد فيما يخص قضاياه وواقعه، إلا أن التنافس بين صناع الدراما تحول من المنافسة شرسة دون مراعاة المضمون والجودة والمتعة التي يقدمها العمل من إنتاج أكبر كم من الأعمال الدرامية بشكل عشوائي، من أجل الاستحواذ على نصيب من (التخمة) الفضائيات دون أن يكون للعمل أي رسالة أو هدف، ورغم أن تلك القاعدة لا تنطبق على كل شركات الإنتاج، نجد أن هناك شركات تسعى لإنتاج موضوعات جيدة تسمح لها بالانفراد والتميز وتقديم قضايا مهمة، إلا أن السؤال بصورة دائمة حول الدراما التي يتم إنتاجها كل عام.. هل هى تساهم في التأثير في تشكيل وعي الجمهور اجتماعيا وأخلاقيا، خاصة أنها مادة تدخل البيوت بلا استئذان، ويشاهدها كافة الفئات العمرية؟

الإجابة تكمن فيما أنتجته (الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية) في عام 2021

فالملاحظ أنها ركزت في موسم رمضان على موضوعات متنوعة ما بين الوطنية والاجتماعية والأكشن والكوميدي، والأخير على (على استحياء)، لكن المحصلة النهائية من وجهة نظري الشخصية أن نجحت في تشكيل الوعي الجمعي ليس المصري فقط بل العربي أيضا، وساهم على جناح الإنتاج السخي في التأثير على كافة شرائح المجتمع من خلال أعمال مثل (الاختيار، القاهرة كابول، هجمة مرتدة) في موسم رمضان، فضلا عن أعمال اجتماعية قليل منها يمكن أن يدخل تحت شعار (فائقة الجودة) في سلاسل (إلا أنا ، زي القمر، ورا كل باب)، وعلى الرغم من الإنتاج الكثيف في نوعية مسلسلات الـ (خمس حلقات، وعشر حلقات) وغيرها في المواسم الموازية لرمضان إلا أنه ينبغي أن تتنبه الشركة إلى أن الكثرة لاتعني الجودة في غالب الأحوال.

وربما يستند فكر صناع الدراما إلى أنها وسيلة من أهم وسائل الترفيه، لكن لابد من مراعاة أن الدراما مقياس هام لاستقرار الأوضاع بشكل عام سواء فنيا أو اقتصاديا، ومع توسع نشاط المنصات الرقمية وهامش الحرية الممنوح للدراما من خلالها أصبحت أيضا مؤشرا للأوضاع الاجتماعية والموضوعات التي يتم طرحها من خلالها أصبحت تعبر بشكل كبير عما يحدث في المجتمعات، ولذلك فإن الحصاد الدراما المصري شيء لا يمكن إغفاله بسهولة في عام 2021 على مستوى الكيف والكم، وخاصة أن هنالك تطور ملحوظ في دراما المرأة، ولن أتحدث هنا عن مسلسل واحد، ولكني أتحدث عن فئة كاملة من المسلسلات التي تم طرحها في عام 2021 على الشاشات المصرية، خاصة أن هذه الموضوعات تزامنت مع توجه الدولة المصرية بأن هذا العام هو عام المرأة، وانطلاق فاعليات وحملات وطنية موسعة للاهتمام بصحة المرأة وحياة المرأة، وكانت الدراما المصرية هذا العام تواكب هذا التوجه من خلال قصص كثيرة تم استعراضها من خلال أكثر من مسلسل حظوا بشهرة جماهيرية واسعة ورد فعل قوي وغالبا إيجابي من الجمهور.

فسلاسل حكايات مثل (زي القمر، إلا أنا، ورا كل باب، نصيبي وقسمتك) هى مسلسلات قوامها الحكايات القصيرة التي تمتد على مدار عشر حلقات على الأكثر، تناقش كل قصة منها قضية معينة بأبطال مختلفين وحبكة مختلفة، ومعظم هذه القصص كانت تدور حول المرأة بشكل أساسي، فرأينا قصص الفتاة التي تأخر بها الزواج وتواجه تنمر المجتمع ووصمه لها باللفظة الكريهة (عانس)، وكيف تواجه هذا الوصم وتستطيع أن تنجو بنفسيتها منه، ورأينا قصة المرأة المعيلة التي تواجه المجتمع وحدها، والمرأة المتزوجة من رجل متنطع يزيد همومها وتواجه هي وأبناؤها معه صنوف العذاب، وتطرقت حكايات المسلسلات أيضا للتحرش الذي يواجه المرأة في سوق العمل، والتنمر الذي تواجهه الفتيات اللاتي يعانين من مشاكل مختلفة سواء في الشكل أو الحالة الجسدية أو حتى النفسية والعقلية، كما ناقشت الحكايات أيضا مشكلات الخيانة الزوجية، وكيف تواجه المرأة خيانة زوجها خارج الكليشيه المعتاد للمرأة التي أهملت في نفسها أو التي تحاول الإيقاع بزوجها وعشيقته، وحتى سرطان الثدي والذي تتعرض له نسبة كبير من السيدات كان له نصيب من الحكايات.

وعلى قدر أهمية القضايا التي ناقشتها هذه المسلسلات في حكاياتاها القصيرة المتنوعة، وبقدر ما حظيت بردة فعل جماهيرية قوية ومتفاعلة وإيجابية مع تفاصيل الحكايات، إلا أنه كان ينقصها في بعض الأحيان قدر من الاحترافية سواء على صعيد التمثيل أو حبكات القصص نفسها، ولكن يمكن التغاضي عن ذلك لأن الأعمال في مجملها كانت جيدة ومناسبة للمتلقي المصري الذي يعشق الدراما حتى لو احتوت على بعض (الأفورة) في الأداء إلا أن الهدف والرسالة يبقى هو الملاذ الأخير لهذه المسلسلات.

وتعتبر سلسة (زي القمر، إلا أنا ، ورا كل باب، نصيبي وقسمتك) بأجزائها المختلفة أحد أكثر الأعمال الدرامية التي اهتمت باستعراض القضايا التي تهم المرأة، والتي هى جزء أصيل من حياتها والتي لا تتطرق لها الدراما غالبا أو عندما تتطرق لها فإن ذلك يكون على الهامش ضمن أحداث كثيرة، ولكن غالبية الحكايات ركزت على المرأة في حكايات قصيرة ومكثفة ناقشت جوانب قد تفاعل معها الجمهور تفاعلا كبيرا وحظيت بردود فعل إيحابية واسعة، فمثلاً حكايات (أم العيال، كذبة كبيرة، وأنا قبلت، النضارة البيضة، أوضة وصالة، حكايتي مع الزمان، ربع قيراط، حلم حياتي، بيت عز) وغيرها من أعمال أخرى ركزت على المشاكل الناجمة عن استخدام السوشيال ميديا، ومنها في حكاية (كدبة كبيرة) حيث يتعرض فنان لفضيحة ضخمة تضطره للاختفاء في قريته، ليلتقي بقربيته التي تحبه منذ صغرها وبسبب الشهرة تركها، فتحاول الوصول له من جديد.

 وحكاية (وأنا قبلت) التي تحكي عن فتاة تتزوج من شاب أصغر منها وتواجه استنكار المجتمع والأهل لهذا الزواج لمجرد فارق السن بينهما نكأت جرحا تعاني منه فتيات كثيرات ولا يتحدث أحد عن مشاكلهن تقريبا، أما حكاية (أم العيال) فقد كانت بمثابة جرعة تراجيدية مكثفة استطاعت فيها رانيا فريد شوقي مع كل المآسي التي واجهتها مع زوجها العاطل أحمد وفيق أن يستولوا على اهتمام الجمهور، ورغم أدائها الذي لم يخلُ من (أفورة) إلا أنها أفورة ناسبت المشاهد المصري تماما، وفي حكاية (حكايتي مع الزمان) والتي قامت ببطولتها ميرفت أمين مع الراحل أحمد خليل كانت من أكثر الحكايات التي أثارت جدلاً بين المشاهدين، فقد كانت جرأة كبيرة أن يتعرض المسلسل لامرأة عجوز تريد الانفصال بعد أن تزوج كل أبنائها وكيف يتعامل المحيطون مع طلبها الذي يبدو غير عقلاني بالمرة ولكنه في الحقيقة عين العقل.

ويعد مسلسل (ليه لأ) من بطولة منة شلبي والطفل سليم مصطفى الذي جعل قطاعا كبيرا من المصريين يردد جملته الشهيرة (يا لهوي يا لهوي يا لهوي) واحد من أهم الأعمال هذا العام لأنه يناقش قضية من أكثر القضايا المصرية حساسية ومختلف عليها وهى قضية الاحتضان، فالاحتضان في مصر ما زال طفلاً يحبو ويحتاج الكثير جدًا من المجهود والرعاية والتعريف به واستعراض جوانبه حتى يتقبله المصريون ويفهموه جيدًا، فالطفل المحتضن لا يواجه فقط صعوبات حتى يكون محتضنا أصلا ويخرج من دور الرعاية لبيوت أسر ترغب في تربية طفل، ولكنه يواجه صعوبات أيضا في تقبل المجتمع له حتى لو وجد من يحتضنه، ولأنه هذا المسلسل يعد واحد من أهم أعمال 2021، فقد ساهم في ثورة صغيرة حدثت في مجتمع الاحتضان في مصر، وأثار كثيرا من التساؤلات المجتمعية والشرعية والقانونية بل والنفسية، وقد كانت ردة الفعل عليه جيدة على كل المستويات، سواء في الدموع التي ذرفتها الأمهات طوال المسلسل تقريبًا وتفاعل الجمهور مع الشق الدرامي، أو على المستويات الأخرى والتي ساهمت في توضيحها للمجتمع المؤسسات والمنظمات المعنية بقضية الاحتضان في مصر، وأصبحت قصص الأمهات البديلات اللاتي يحتضنّ أطفالاً أو الأسر التي تحتضن أطفالاً محط أنظار الجميع مما أخرج القضية إلى النور وساهم في انتشارها وتعريف الناس بها، ولعلنا شعرنا بذلك على صفحات السوشيال ميديا.

وبعيدا عن إنتاج (الشركة) المتحدة، أيضا كان هنالك أعمال حققت الجودة وحظيت بكثافة المشاهدة - رغم عرضها على المنصات الرقمية - منها ما يتعلق بالرعب والإثارة ومنها ما يتعلق باللايت كوميدي في إطار تراجيدي، وهنا سوف أركز على ثلاثة من فقط، وهى أولا: مسلسل (شقة 6)، والذي قامت ببطولته روبي وسماء إبراهيم مع حسن حسني وهاني عادل وأحمد حاتم، المسلسل من تأليف مصطفى يوري وسعد القاضي وإخراج محمود كامل، ويدور حول إنجي الصحفية التي تسكن شقة جديدة وتفاجأ بأحداث غريبة تحدث معها ولا تعرف سببها، ولا تكمن أهمية المسلسل في كونه مسلسلا جيدا أو رائعا أو محكما فحسب، بل لأنه ينتمي لفئة الرعب التي لا تلعب فيها الكثير من المسلسلات المصرية، ولذلك فقد حظي بردة فعل جماهيرية ملحوظة، ورغم أن المسلسل به الكثير من العيوب فإن ميزته الوحيدة تقريبا والواضحة هي الممثلة القديرة (سماء إبراهيم)، والتي تثبت في كل عمل تظهر فيه أنها أكبر من معظم النجوم الذين حظوا بفرص أكبر كثيرًا من الفرص التي حظيت بها سماء.

ثانيا: مسلسل (موضوع عائلي) الذي تابعه الجمهور وتفاعل معه تفاعلا كبيرا، من بطولة ماجد الكدواني ورنا رئيس وطه دسوقي وسماء إبراهيم ومحمد رضوان ومحمد شاهين، والذي يحكي قصة خفيفة عن أب يكتشف وجود ابنة له وهي لا تعرفه، المسلسل من تأليف أحمد الجندي وكريم يوسف ومن إخراج أحمد الجندي، والحقيقة أن المسلسل جيد جدا وحميمي وصالح للمشاهدة العائلية، وجرعة الكوميديا معتدلة، أما أداء ماجد الكدواني فكان مناسبا جدا للدور وقد كانت هناك كيمياء واضحة بينه وبين سماء إبراهيم التي تثبت هنا أيضا أنها تستحق مكانتها في قلب الجمهور.

ثالثا وأخيرا: مسلسل (60 دقيقية)، والذي أعتبره أحد أهم الأعمال أيضا في عام 2021، فقد أثار أكثر من قضية عميقة، وهو من بطولة ياسمين رئيس ومحمود نصر، ومن تأليف محمد هشام عبية ومن إخراج مريم أحمدي، ويدور حول طبيب نفسي مضطرب نفسيا يتلاعب بمريضاته وبزوجته حتى تقتله وتواجه حكما بالإعدام، وتكمن أهمية المسلسل في أنه كان جريئا في طرح أفكاره ومناقشتها، وربما ساهم في ذلك كونه معروضا على منصة رقمية تتيح هامشا أكبر من الحرية، ولكنه على مستوى الصناعة كان من أفضل المسلسلات هذا العام وقد أثار عرضه ردة فعل قوية من الجمهور رغم أنه مسلسل قصير.

الخلاصة، أقول: ونحن على أبواب موسم رمضان 2022، أن الدراما المصرية بما حققته من نجاحات كبيرة في عام 2021، فإن ذلك يضعها الآن على المحك في المواسم القادمة هذا العام، على مستوى اختيارات النجوم الأكفأ والموضوعات الجادة من الناحية الوطنية والاجتماعية وحتى على مستوى الإثارة والتشويق، وأخيرا لابد من إضافة جرعة تاريخية وسير ذاتية افتقدناها كثيرا، ويبقى الأهم هو زيادة جرعة الكوميدي في إطار التخفيف عن المواطن الذي يواجه كوارث وفيروسات وضغوط اقتصادية تسلتزم تعديل المزاج العام بمداد من الفكاهة التي يعشقها المصريون.










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة