قال مرصد الأزهر لمكافحة التطرف، في تقرير له بعنوان "ادعاء امتلاك التفسير الصحيح للنص الديني أحد أبرز المشتركات بين التنظيمات المتطرفة" إن من أهم أوجه الشبه بين التنظيمات المتطرفة فكريًّا، الحرص على استقطاب الشباب وسرقة عقولهم بدعاية ضالة، وكذلك الاهتمام بتكوين بُؤر فكرية يُستقطب من خلالها الكثير، فكل فصيلٍ متطرف له مُنظرين ودعاة وظيفتهم التحريض والتبرير وإضفاء المشروعية على الأعمال الوحشية التي يقوم بها التنظيم، ولا يتقبلها الإنسان السوي صاحب الفطرة السليمة والسلوك القويم
وتابع المرصد، في تقريره، أنه بين أنَّ من أهم المشتركات بين التنظيمات المتطرفة فكريًّا ارتباط أعضاء التنظيم بالفكرة أكثر من ارتباطهم بالزعيم، ولذا تعمل التنظيمات المتطرفة على الاستقطاب الفكري وليس الجسدي فقط؛ ليكون المستقطب عبدًا للفكرة التي استُقطِب عليها مع ضلال هذه الفكرة.
وطرح المرصد سؤالاً حول مدى تأثير هذه الخلافات الفقهية على العلاقات بين التنظيمات المتطرفة؟
وأجاب المرصد، بأن الاختلافات الفقهية والشرعية يترتب عليها ممارسات ميدانية تصل إلى الرمي بالكفر والردة تارة وإلى الحرب باستخدام الأسلحة الثقيلة تارة أخرى، ولذا يمكننا القول بأن الخلافات حول المسائل الشرعية تنتقل بسهولة بين التنظيمات المتطرفة من الإطار الديني إلى السياسي والعسكري والإعلامي.
وتابع المرصد، أنه بقليل من التأمل في سلوكيات هذه التنظيمات نجد أن الخلافات الشرعية ليست هي السبب الحقيقي للحروب الميدانية والإعلامية والإفتائية بينها، فالتنظيمات قد تتغاضى فترات طويلة عن الخلافات المتعلقة بقضايا دينية، ولكنها لا تغض الطرف أبدًا عن الخلافات السياسية.
وبرهن المرصد بأن من الشواهد على ذلك الخلافات التي وقعت بين تنظيمي داعش والقاعدة الإرهابيين، فعلى الرغم من أن تنظيم داعش ظل تابعًا للقاعدة منذ أيام "أبو مصعب الزرقاوي" مؤسس داعش، وحتى عام 2013م، ونشبت حروب بالأسلحة الثقيلة بين التنظيمين، توازت معهما حرب إعلامية؛ ولكن بمجرد انشقاق داعش عن القاعدة، وصل الشقاق والانفصال بين التنظيمين إلى ذروته خاصة بعد إعلان "أبو بكر البغدادي" في إبريل 2013م، قيام دولته المزعومة، حيث صارت "جبهة النصرة" تمثل تنظيم القاعدة في سوريا، ولم تعترف بتنظيم داعش الإرهابي، من جانبها رفضت داعش دعوة القاعدة بالتراجع عن إعلان الدولة، واتهمت القاعدة وزعيمها بالعمالة لأجهزة مخابرات دولية، والسعي للقضاء على حلم خلافتهم المزعومة.
وأشار المرصد إلى أنه بعد الخلاف السياسي الذي وقع بين داعش، والقاعدة، ظهرت تسريبات لوثائق ومكاتبات تظهر خلاف القاعدة وقادته مع داعش منذ أيام "أبو مصعب الزرقاوي" صاحب هذه التسريبات، وتؤكد هذه الوثائق تحذيرات القاعدة لداعش من ممارسة القتل العنيف، وقتل الصحفيين وعمال الإغاثة والاعتداءات على دور العبادة، واصفة كل هذا بالمخالفات الشرعية؛ مما يعني أن تنظيم القاعدة قد صبر 10 سنواتٍ على هذه المخالفات الشرعية ولم يبرزها؛ لأن داعش كان أحد فروعه، وهذا يؤكد أن تنظيم داعش الإرهابي لو كان قد ظل محتفظًا بتبعيته للقاعدة ما تسربت هذه الوثائق، وما تعرض لهذه الحرب الإعلامية من القاعدة، وبشكل آخر لو أن التنظيم أعلن دولته المزعومة بقيادة "الظواهري" وليس "البغدادي" لتغير الأمر كثيرًا، وظل الخلاف بينهما خلاف البيت الواحد كما وصفه "أبو محمد الجولاني" زعيم تنظيم "جبهة النصرة" المعروف حاليًا بهيئة تحرير الشام. والشاهد هنا هو أن تنظيم القاعدة قد غض الطرف عن مخالفات وصفها بالمخالفات الدينية والشرعية قام بها داعش منذ 2003 وحتى 2013، ولم يبرزها طوال عقد من الزمن، تلك الفترة التي حافظ فيها داعش على تبعيته للقاعدة، فإبرازها بعد انشقاق داعش لم يكن لهدف ديني، وإنما كان لهدفٍ سياسي هو صد داعش عن استقطاب أفراد القاعدة والمليشيات التابعة له.
وأكد المرصد على أن التنظيمات المتطرفة تنهل من مشرب واحد، فتكرر أمر الانفصال بين "جبهة النصرة" التي صار اسمها "هيئة تحرير الشام" عن القاعدة في عام 2016م، ونتج عن ذلك انشقاق فصيل عن "جبهة النصرة" يظل على بيعته المزعومة لـ "الظواهري"، ويطلق على نفسه "كتائب حراس الدين"، ويُعاد نفس السيناريو السابق بحذافيره، حرب إعلامية على الأبواق، يتوازى معها حرب ميدانية تنتهي بالقضاء على "كتائب حراس الدين" عدا بعض الفلول التي تبقي عليها "هيئة تحرير الشام" لأهداف سياسية واستراتيجية".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة