تعجب المفكر توفيق الحكيم، من شكوى الفنان عمر الشريف من الوحدة، كان الناقد الرياضى بجريدة الأهرام عباس لبيب، يزوره فى برجه العاجى بالدور السادس بـ«الأهرام»، وإذ به يقول له: «غريب أمر عمر الشريف، شاهدته أمس فى التليفزيون، وأعجبت ببساطته، ولكنى عجبت بشكواه من الوحدة، شاب ونجم مشهور ولا يعوزه المال، وفى بلد الحسان، ويشكو الوحدة، أمر غريب»..استمع «لبيب» إلى هذا الكلام فتولدت لديه فكرة لقاء بينهما، ووافق «الحكيم»، وأعطاه كتابه «حمار الحكيم»، ليهديه إلى «الشريف» الذى يهوى الخيل، وعليه إهداء: «إلى الفنان العالمى عمر الشريف، إلى مربى الخيول من مربى الحمير».
رحب «الشريف» فورا بالفكرة فور أن عرضها عليه صديق عمره «عباس لبيب»، وجرى اللقاء بمكتب «الحكيم» بالأهرام، ودار حوار رفيعا بينهما كتبه «لبيب»، ونشرته «الأهرام»، 2 يناير، مثل هذا اليوم، 1977، وشمل قضايا كثيرة بدأت بتعليق من «الحكيم»: «سمعتك فى التليفزيون تشكو من الوحدة، هل يتصور أحد أن عمر الشريف بشعبيته الهائلة وفى باريس يشكو الوحدة؟!»، رد «الشريف»: «بس العقلية مختلفة، اتضح لى أننى شرقى أكثر مما كنت أعتقد بعكس ما كنت أتصور، لما كنت عايش فى مصر بحكم دراستى الإنجليزية بكلية فيكتوريا، كنت أظن أننى أقرب إلى المعيشة الأجنبية، وإذا بالعكس على طول الخط، إن الصحبة الدائمة غير موجودة بالخارج، أحسن حاجة عندنا هى الأصحاب، وعلى مدى 11 سنة فى أوروبا، لم أجد صديقا حقيقيا، ذلك بالإضافة إلى كثرة تنقلاتى، فلم تتوافر لى العشرة الطويلة التى تيسر لى صديقا أو حبيبة، والغريب أننى أحب العزلة مع نفسى كثيرا، أشعر بسعادة عندما أكون وحيدا بغرفتى، وقد يكون ذلك هو ما منعنى من الزواج رغم حبى لهذه الفكرة، وعندما أشرع فى التنفيذ، أجد نفسى أحب الانفراد حتى فى النوم، أوالقراءة أومتابعة التليفزيون».
رد «الحكيم»: «الاكتفاء الذاتى ربما ظاهرة تجدها عند الفنان الحقيقى، فإنه يشعر أن لا شىء يشبعه بقدر ثراء نفسه الداخلى، فعنده القدرة على العيش بمفرده، وعنده ما يغذيه مثل قراءة كتاب أو سماع موسيقى، فذلك قد يعمر له حياته أكثر من إحاطته بكثرة من الناس، وأنا شخصيا رغم ارتباطاتى العائلية أميل كثيرا للوحدة، وعندما تطول بى وأشعر بشوق إلى الناس سرعان، ما أرغب فى الابتعاد ثانية، ولكن من هم أقرب الناس إليك؟».
أجاب «الشريف»: «لا أختلط كثيرا بالعاملين فى مجال السينما، ولكنى سعدت بلقاء عظماء من خارج نطاق الفن، ولا تتخيل مقدار سعادتى بالصداقة التى كونتها مع القصصى الإنجليزى الكبير صمويل بيكيت، وهو مشهور بنفوره من الاختلاط وشغفه الكبير بالوحدة، وحدث لحسن حظى أنه أحبنى، وأصبحنا نتقابل مرتين أسبوعيا، ولا يمكنك تخيل أثر ذلك، فقد اغتنيت نفسيا».
انتقل الحوار إلى مجال السينما، فسأل «الحكيم»: «ما هو الفيلم الذى أمتعك من بين الأفلام التى مثلتها؟»، رد «الشريف»: «قلائل للأسف، أولهم «لورانس» ثم «دكتور زيفاجو»، وأجبرت بمقتضى عقد لمدة 7 سنوات، أن أشترك فى أفلام لا رأى لى فيها، ولفيلم «لورانس» ذكرى لا تنسى، قضيت سنتين ألبس ملابس شخصية «الشريف على»، ولا ينادى على إلا بهذا الاسم، وفى آخر يوم للتصوير، حسيت كأن قطعة من حياتى انتهت، أما «الدكتور زيفاجو» فلا تتخيل اعتزازى بتمثيل هذا الدور، فهو يمثل الإنسان الذى أتمنى أن أكونه».
عاد الاثنان إلى مرحلة بدايتهما، قال «الحكيم»: «من الغريب أن الفكرة زمان كانت عندنا إنك مثلت بالصدفة، وإذا بك تنجح وتثبت كفاءة مميزة»، رد «الشريف»: «الميل للفن عاصرنى منذ الصغر، وفى سن العاشرة مثلت فى المدرسة، وتانى يوم كان لإعجاب الطلبة رد فعل قوى لدىّ، وأصبح التمثيل فى دمى، وكثيرا ما عارضنى والدى، وحاول على مدى سنتين بعد انتهاء دراستى، أن أعمل فى تجارة الأخشاب معه، ولكنى صممت، وكنت أنوى السفر إلى معهد لندن لدراسة التمثيل، واشتريت تذكرة السفر فعلا، وقبل السفر بأيام قابلت المخرج يوسف شاهين، وقال لى إنه سمع بمشروع سفرى، وعرض على «تست» كتجربة للتمثيل فى فيلم «صراع فى الوادى»، وكنت غاوى موسيقى واتعملت «أكورديون» وعندى 17 سنة، وبعدين اتعرفت ببنت، وفى موعد اللقاء لم يكن معى نقود، فبعت «الأكورديون» عشان أفسحها، وضاعت الهواية».
قال «الحكيم»: «أنا كمان علاقتى بالفن بدأت من الصغر، وكان والدى قاضيا متزمتا بالنسبة للتقاليد، ومرة كان هناك فرح وعوالم، واندمجت معاهم، وقلت للعالمة علمينى العزف على القانون، وبعد 5 دقائق قدرت أعزف، وفجأة رأتنى الوالدة، وقالت لى لو شافك أبوك حيدبحك، وفى ثانوى هويت التمثيل وعملنا فرقة صغيرة، وابتديت فى تأليف روايات صغيرة، وبعدين ظهرت السينما الأمريكانى، ولولا البخت كنت بقيت ممثل فى هوليود».
تعجب «الشريف»، فكشف له «الحكيم» قصته مع «هوليوود».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة