تلقيت النبأ الحزين والصادم بوفاة زميل الدفعة والصديق العزيز والصحفي اللامع ياسر رزق، وأنا على الهواء صباح اليوم في فضائية "صدى البلد" لقراءة أهم القضايا والموضوعات التي تناولتها الصحافة المصرية صباح يوم الأربعاء.
عقب مناقشة الخبر الأول الخاص بزيارة الرئيس الجزائري لمصر، توقفت الزميلة فاتن عبد المعبود مقدمة البرنامج الصباحي لتقرأ الخبر العاجل والمفاجئ برحيل الكاتب الصحفي الكبير ياسر رزق إثر أزمة قلبية. لم أصدق ما أسمع ولم أتمالك نفسي ولم أستطع أن أحبس دموعي، ورحت في نوبة حزن شديد. هل هو ياسر رزق ابن دفعتنا النابه والمتميز منذ التحاقه بكلية الإعلام جامعة القاهرة عام 82 وأصبح نجمها الساطع في بلاط صاحبة الجلالة في سنوات قليلة.
هل هو الإنسان الذي عرفته منذ أن تزاملنا في كلية الإعلام جامعة القاهرة- كانت الكلية الوحيدة وقتها المتخصصة في الإعلام في الجامعات المصرية الحكومية قبل سطوع زمن الجامعات الخاصة- وسبقنا إلى الالتحاق بصحيفة الأخبار في السنة الأولى، ولم يغادرها إلا إلى مثواه الأخير صباح اليوم، وتألق وأفنى عمره فيها بدأب وإصرار وإخلاص مهني لم يسبقه إليه إلا قليل جدا من أبناء المهنة.
الإنسان المكافح الذي كان يعرف دربه جيدا في عالم الصحافة في تواضع وخلق رفيع حتى وهو في أعلى المناصب الصحفية. إنسان بكل ما تعنيه الكلمة من معنى قبل أن يكون مهنيا بامتياز وصحفيا محترفا بجدارة ومقدرة. لم يغلق باب مكتبه في وجه أحد. وعندما يزوره أحد أبناء الدفعة دون موعد مسبق يحتفي به ويستقبله بترحاب وكرم معروف عنه.
لم أصدق إلا عندما قرأت الزميلة فاتن الخبر عدة مرات مع نعي جهات رسمية له. يرحل ياسر كما رحل من قبل وائل الإبراشي وشريف جاب الله.
في دفعتنا إعلام 86 هو "الماجيكو" .. القمر المنير والقلم المستنير والصوت العاقل بحكمة كمان كان يبدو دائما منذ أيام الجامعة، يؤمن بأن الصدق والمعلومة الصحيحة والموثقة هي الطريق المستقيم إلى عقل وقلب القارئ وإلى شهرة الكاتب ومصداقيته واحترامه. لم يتلون ولم يتغير سواء في مواقفه المهنية أو النقابية عندما كان عضوا بمجلس نقابة الصحفيين ويحصل على أعلى الأصوات. تمسك بمواقفه ومبادئه التي تربى عليها من والده الصحفي المخضرم الراحل فتحي رزق ابن مدرسة أخبار اليوم وأقدم مراسل حربي في مؤسسة صحفية، رغم صعوبة التمسك بالمبدأ هذه الأيام. وهو ما كانت له تبعاته فيما بعد الذي استقبلها بهدوء وتصالح مع الذات رغم أنها لم تخل من شائعات سخيفة مضللة.
الذين عرفوا ياسر عن قرب أحبوه على المستوى الإنساني وأعجبوا به على المستوى المهني فقد كسب حب واحترام الجميع حتى من اختلفوا معه. فقد كان متسلحا دائما في النقاشات بالمعلومات ودائما ما يسال المختلف معه بهدوء وود: "عندك معلومات...؟"
وفي كتابه الأخير "سنوات الخماسين" لم يكتب تاريخا كما قال في حفل توقيع الكتاب يوم الثلاثاء الماضي بدار الأوبرا، وإنما سجل شهادته كشاهد عيان، شاهد وسمع شارك في الأحداث من 2011 وحتى 2014 وليس كمراقب أو متابع أو مدعي بطولة ووطنية. كان ينبض حبا وعشقا لهذا الوطن، محبا دنفا للمهنة التي جلبت له المتاعب ولم يقاومها كثيرا.
يوم الثلاثاء الماضي قابلته قبل بدء ندوة ومناقشة كتابه وتوقيعه. كان يحتضن بين أصابعه تلك السيجارة اللعينة التي لم تفارقه حتى في أيام مرضه. تحدثت معه معاتبا على تدخينه الشره، كان يردد كلمته الشهيرة المستفزة "سنموت بها". التقطنا الصور التذكارية وسألني عن الصديق عماد الدين حسين وارتباطاته الفضائية التي لا تنتهي، وضحكنا ووعدني بنسخة من الكتاب سيرسلها إلى في مقر مؤسسة اليوم السابع. قبلها ظهر على فضائية صدى البلد وزار عدة صحف لمناقشة الكتاب، وشارك في المنتدى الدولي للشباب بشرم الشيخ.
هل كان الظهور المتتالي بمثابة لحظات وداع للأصدقاء والزملاء في المهنة.. الاحتفاء بالكتاب في كل مكان والاحتفال بياسر رزق نفسه كان رد اعتبار من المستوى الرفيع على فترة اختفاء لم تطل كثيرا. في المناسبات التي ظهر بها لم يتخلف احد من أصدقائه وتلاميذه وحتى المعجبين وكأنهم جاءوا في حفل بدت كأنها مراسم للوداع اصطفوا فيها لوداعه وإلقاء نظرة الوداع الأخيرة عليه.
جاء الكتاب كأنها كلمته الأخيرة وشهادة الحق في الحياة قبل أن ينتقل إلى الدار الأكرم والأفضل، وقبل أن يترجل الفارس الشاب مبكرا عن صهوة قلمه وكلماته. رحم الله ياسر رزق، ورثاؤه هو رثاء جيل بأكمله ولدفعة 86 ولأجيال صحفية علمها ورباها ولم يبخل عليها من خبرته ومهنيته وتاريخه الصحفي.