سعيد الشحات يكتب: ذات يوم..30يناير 1984تشييع جثمان الشاعر الفلسطينى معين بسيسو فى القاهرة بعد رفض إسرائيل دفنه فى غزة.. ومحمود درويش يرثيه فى أمسيته بحزب التجمع

الأحد، 30 يناير 2022 10:00 ص
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم..30يناير 1984تشييع جثمان الشاعر الفلسطينى معين بسيسو فى القاهرة بعد رفض إسرائيل دفنه فى غزة.. ومحمود درويش يرثيه فى أمسيته بحزب التجمع معين بسيسو

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كان الشاعر الفلسطينى معين بسيسو، بغرفة الفندق فى «لندن»، وعلى بابها لافتة صغيرة مكتوب عليها «الرجاء عدم الإزعاج»، فأخرت هذه اللافتة اكتشاف وفاته 14 ساعة كاملة، وكانت يوم 23 يناير 1984، وحين فتحوا الغرفة وجدوا يده ممدودة إلى الهاتف، كان تشخيص الوفاة، أزمة قلبية حادة، ما فسر مشهد يده الممسكة بالتليفون بأنه حين شعر بنبضات قلبه سريعة، حاول طلب المساعدة، لكنه مات قبل أن تصل استغاثته، حسبما يذكر الكاتب والشاعر الفلسطينى رشاد أبوشاور.
 
كان «بسيسو» المولود فى غزة، 10 أكتوبر 1927، قيمة نضالية وفنية متميزة فى مسيرة الثورة العربية الفلسطينية المعاصرة، بحسب الناقد فاروق عبدالقادر، فى مقاله عنه بجريدة «الأهالى، 1 فبراير 1984»، لسان حال حزب التجمع اليسارى، وصاحب المقطع الشعرى البديع : «استشهد الماء ولم يزل يقاتل الندى/ استشهد الصوت ولم يزل يقاتل الصدى/ وأنت بين الماء والندى/ وانت بين الصوت والصدى/ فراشة تطير حتى آخر المدى»، ولهذا رفضت إسرائيل التى كانت تحتل غزة كل المحاولات للسماح بدفنه فيها تنفيذا لوصيته، ما أدى إلى تأخير دفنه إلى 30 يناير، مثل هذا اليوم، 1984، بعد نقل جثمانه من لندن إلى تونس، مقر منظمة التحرير الفلسطينية، ثم إلى مصر، ودفنه فى مقابر «آل بسيسو» بالقاهرة.
 
كان من اللافت أن إعلان موعد دفنه، بالإضافة إلى تقديم نبذة عن سيرته، اقتصر على نعى مدفوع الأجر شمل نصف عمود بصفحة الوفيات بـ«الأهرام» يوم 30 يناير 1984، باسم «آل بسيسو فى فلسطين والأقطار العربية ومختلف دول العالم»، ولم تنشر «الأهرام» خبر وفاته وجنازته التى شارك فيها رؤساء الأحزاب المصرية، ومئات المثقفين المصريين من أدباء ومفكرين وفنانين، ومندوبين للسفارات والجاليات الأجنبية فى مصر، ووحدات رمزية من جيش التحرير الفلسطينى، وفقا لـ «الأهالى، 1 فبراير 1984»
 
تصادفت الوفاة مع وجود الشاعر الفلسطينى، محمود درويش، فى القاهرة، بدعوة من حزب التجمع، بعد سنوات من غيابه عن مصر التى أقام فيها منذ 1971 وغادرها إلى بيروت فى 1973، وعقد «درويش» أمسيتين شعريتين أثناء زيارته، الأولى فى «التجمع» يوم 25 يناير، 1984، ثم غادر القاهرة إلى تونس ليصطحب جثمان «بسيسو»، والثانية فى أول فبراير بنقابة الصحفيين، وكنت أنا من حضورها، وقدمها الكاتب الكبير الدكتور يوسف إدريس، وفى كلمته كشف عن أن «الأهرام» رفضت نشر نعى باسمه، لأنه حمل كلمات غاضبة من موقف مصر نحو القضية الفلسطينية بسبب كامب ديفيد. 
 
احتشد نحو ألفين فى أمسية «التجمع»، وفقا لـ «الأهالى، 1 فبراير، 1984»، واستهلها «درويش» بمرثية قال فيها: «اسمحوا لى أن أتحسس بوجع علنى قطعة من قلبى سقطت أمس، زميلى وأحد رفاق طريقى وقصيدى، معين بسيسو، خذله قلبه فسكت فى إحدى محطات المنافى الكثيرة، أليس من حق الشاعر أن يواصل فرح اللحظة؟ لا ليس من حقه، خاصة إذا كان ابنا لتلك الأرض الأسطورية التى فتحت له أبواب كل المنافى، وحرمته من زنزانة واحدة فى وطنه، وأنا لا أعجب من كيفية موتنا السريع، بل أعجب من شهية الحياة فينا التى ترغم القلب المثقل بالأسئلة والمجازر على البقاء قليلا ريثما يواصل الشاعر قصيدته، وهى وطنه اللغوى، أو وطنه المؤقت فى اللغة، ثم طال هذا المؤقت دون أن يطمئن أى شاعر فينا أو ختام النشيد، لذلك نسرق وقت الكتابة وكأنه الوقت الأخير، كل قصيدة نكتبها هى القصيدة الأولى والأخيرة.
 
تعرفت على معين بسيسو، وكان رفيقى فى كل رحيل، فإلى أين أرحل بعده؟ كان عاصفة من نشاط النحل، لم يتوقف عن الأمل والحلم، إلا ليهجو الزمن الوغد الذى عاش فيه، كان حضوره كاملا، خريج سجون بامتياز، شاعر حاد الطباع واللغة، كرس طاقته الشعرية الكبيرة لمواكبة السعى الفلسطينى إلى هوية وثورة ووطن، وكان المؤرخ الوجدانى للشقاء الفلسطينى الحديث، وكان مناضلا صلبا فى كل المعارك التى خاضتها الثورة الفلسطينية ضد محاولات طمس الهوية، والشخصية الوطنية المستقلة والوجود الجسدى، كانت قصائده اليومية أثناء حصار تل الزعتر أسلحة صمود، وكانت كتاباته اليومية أثناء حصار بيروت أسلحة صمود، وثقة عالية بقدرة الجسد والفكرة على التصدى لوحشية الفولاذ.
 
وكان حلمه الشخصى أن يموت هناك فى كوخ على شاطئ غزة التى اعتبرها أجمل المدن، كان يعدنى بأن يبنى لى كوخا على أجمل السواحل، كان يتحدانى مداعبا بأنه سيرثينى، لأنه لن يسمح لى بأن أعيش بعده، لقد كذب علىَّ معين بسيسو لأنه لم يعد لى لا كوخ ولا قبر فى الأرض التى نحلم بالموت فيها، هكذا نحن الفلسطينيين لا يحق لنا أن نختار المهد ولا اللحد، لكننا نختار المسافة بينهما، نختار الحياة كما نريدها بكرامة وإصرار على ألا ننحنى، بإصرار على النصر، وهى ثورة حتى النصر». 






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة