أكرم القصاص - علا الشافعي

القس اندريه زكى

ميلاد المسيح رسالة الحياة الكريمة

الجمعة، 07 يناير 2022 12:53 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
 تحمل كل تفاصيل حياة السيد المسيح تفاصيلَ ملهمة، فما تسجله الأناجيل حول قصة الميلاد يبعث على التأمل العميق فى معانيها ودلالاتها، ومن هذه الأفكار هى اهتمام السيد المسيح بالإنسان، وخاصة الفئات المهمَّشة، فقد منح السيد المسيح الأولوية للإنسان وخيره وصحته قبل أية ممارسات دينية. 
 
لم يكن اهتمام السيد المسيح بالفقراء والمهمشين اهتماما وعظيّا نظريّا، فلقد توحد معهم فى تحدياتهم، وُلِدَ المسيح فقيرا، جلس مع المنبوذين وقَبِل المرفوضين من قِبَل المجتمع، واهتم بالمرضى وساند جميع من هم فى محنة.   
 
من أهم تعاليم السيد المسيح التى تعكس هذا التوجه هو ما نقرأه فى إنجيل متى «25: 31 - 46»، وفى هذه الجزئية، يصور السيد المسيح شكلا لدينونة العالم، ويضع مجموعة من الناس عن اليمين (الأبرار) والأخرى عن اليسار (الأشرار)، وفى هذا المثل يمتدح الملك من هم عن يمينه، ثم يوضح أسباب هذا المدح: «لأنِّى جُعْتُ فَأَطْعَمْتُمُونى، عَطِشْتُ فَسَقَيْتُمُونِى، كُنْتُ غَرِيبا فَآوَيْتُمُونِى، عُرْيَانا فَكَسَوْتُمُونِى، مَرِيضا فَزُرْتُمُونِى. مَحْبُوسًا فَأَتَيْتُمْ إِلَىَّ».
 
وتصف هذه الأفعال التى يوردها يسوع هنا، التعامل مع حالة الإنسان الذى يحتاج إلى المعونة فى عجزه، لكن يبدو من النص ذلك أن هذه المجموعة «الأبرار» لم تفهم كلمات الملك، إذ فكَّروا فيها بشكل حرفى: «يَارَبُّ، مَتَى رَأَيْنَاكَ جَائِعا فَأَطْعَمْنَاكَ؟ أَوْ عَطْشَانا فَسَقَيْنَاكَ؟ وَمَتَى رَأَيْنَاكَ غَرِيبا فَآوَيْنَاكَ؟ أَوْ عُرْيَانا فَكَسَوْنَاكَ؟ وَمَتَى رَأَيْنَاكَ مَرِيضا أَوْ مَحْبُوسا فَأَتَيْنَا إِلَيْكَ؟»، وفى هذا التساؤل يبدو أن هؤلاء الأبرار وهم يفعلون الخير تجاه الناس لم يخطر على بالهم أنهم يساعدون المسيح ويختزنون رصيدا من الفضائل الخالدة، إذ كانوا يقومون بكل هذا كجزء من طبيعتهم التى لا يستطيعون التخلى عنها، وهذا ما يوضحه لهم الملك فى الإجابة عن سؤالهم: «بِمَا أَنَّكُمْ فَعَلْتُمُوهُ بِأَحَدِ إِخْوَتِى هؤُلاَءِ الأَصَاغِرِ، فَبِى فَعَلْتُمْ».
 
لكن ينقلب الوضع تماما حينما يتحدث إلى المجموعة الواقفة على اليسار (الأشرار)، وهم بدورهم يسألونه أيضا: «لأَنِّى جُعْتُ فَلَمْ تُطْعِمُونِى. عَطِشْتُ فَلَمْ تَسْقُونِى، كُنْتُ غَرِيبا فَلَمْ تَأْوُونِى، عُرْيَانا فَلَمْ تَكْسُونِى، مَرِيضًا وَمَحْبُوسًا فَلَمْ تَزُورُونِى، حِينَئِذٍ يُجِيبُونَهُ هُمْ أَيْضا قَائِلِينَ: يَارَبُّ، مَتَى رَأَيْنَاكَ جَائِعا أَوْ عَطْشَانا أَوْ غَرِيبا أَوْ عُرْيَانا أَوْ مَرِيضا أَوْ مَحْبُوسا وَلَمْ نَخْدِمْكَ؟» يُلاحظ هنا أن العقاب لم يكن بسبب ارتكاب شرور مثل القتل أو الزنى أو إيذاء الغير أو السرقة أو ما شابه، لكن كان بسبب الإحجام عن فعل الخير، وهو ما كان السيد المسيح يؤكد عليه فى مواقف مختلفة فى تقديم فعل الخير كأولوية على الطقوس والفرائض.   
 
إن هذا الجزء من إنجيل متى يلخص لنا جوهر رسالة السيد المسيح على الأرض، فهو جال يصنع خيرا عمليّا تجاه المحتاجين ولم يكتفِ بالوعظ النظرى فقط، فأشبع الناس فى معجزة إشباع الجموع (إنجيل متى «15: 29 - 39»، إنجيل مرقس «6: 1 - 9»، «والمحتاجون إلى الشفاء شفاهم» «إنجيل لوقا 9: 11»، كما أدان السيد المسيح أيضا تصرفات التدين الظاهرى الذى لا يكترث لآلام الناس ومعاناتهم. 
 
يتعايش العالم بأسره منذ عامين مع جائحة فيروس كورونا، والتى ألقت تأثيراتها بظلالها على كل شىء وكل مجال، البعض فقد أحباءه، والآخر أصيب، والآخر فقد عمله، أو قلَّت مصادر دخله، ليس أحد مُستَثنَى من المعاناة، وهذه الظروف تحديدا هى التى تحتاج مثل هذه التعاليم. 
 
فى هذه الرسالة يؤكد السيد المسيح على أهمية التعاطف مع الإنسان فى أكثر الأوقات احتياجا وألما، وهذا ما ينشئ مجتمعا متراحما متسامحا، لكلٍّ منا دور ورسالة تجاه أخيه الإنسان، وكلٌّ منا يخدم الآخر بطريقة مختلفة، وهذا التكامل فى الأدوار هو قصد الله من خلقنا مختلفى المواهب والقدرات، إن تمتُّع الإنسان بأساسيات الحياة الكريمة من مسكن وملبس ومأكل، ليست رسالة البعض منا، لكنها رسالة الجميع، الكل مُطالب بأداء دوره، إذا كنت قائدا فى مكانك أو مديرا فى عملك فدورك هو تنمية من هم حولك والاستثمار فيهم وتشجيعهم، إذا كنت رب أسرة فدورك هو تمرير قيم التراحم هذه لأبنائك وأن تكون قدوة لهم.
 
 وليس بالضرورة أن يكون التعاطف مع الإنسان الفقير والمهمش هو منح المساعدات، هذا مطلوب، ولكن المطلوب أيضا هو تمكين هذا الشخص ليصبح له دور، وهذا هو مفهوم التنمية الحقيقية، أن يتم منح الشخص الآليات التى تمكنه من أن يحيا حياة كريمة، حتى تكون عملية التنمية شاملة ومستدامة غير مبنية على مانح ومتلقٍّ، وهو ما يؤدى فى النهاية إلى صلابة المجتمع وقوته فى مواجهة كل التحديات.   
 
لعل هذه الرسالة تأتى إلينا اليوم فى مطلع عام جديد، لتحثنا على أن يكون لدينا هذا التوجُّه، ولعل ميلاد السيد المسيح، والذى اختار أن يكون فى ظروف فقيرة، تكون ملهمة لنا لنشعر بكل من ليس له مسكن كريم لنسعى جميعا ونعمل معا. 
 
وربما تأتى مبادرة «حياة كريمة» كأيقونة للخير فى مصر، لتذكرنا بهذه المبادئ، إذ تسعى الدولة، من أجل تحسين ظروف المواطنين خاصة فى المناطق المحرومة والمهمشة، فى سبيل تمكين الفقراء من تغيير أوضاعهم، وإتاحة سبل الحياة الكريمة للجميع. 
 
أصلى دائما لأجل بلادى، ولأجل قيادتها، وأشكر الله من أجلها، من أجل أمانها واستقرارها، ومن أجل خطواتها الكبيرة وإنجازاتها التى نراها ونتلامس معها، واثقا أن الله يبارك هذه الخطوات، وأصلى أن يكون العام الجديد إضافة لهذه الخطوات والإنجازات.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة