ونحن نحتفل بذكرى انتصارات أكتوبر المجيدة ويوم 15 أكتوبر 1973 وهو اليوم الذي تحتفل به قواتنا الجوية الباسلة ...نسور الحما ..غزاة السما- كما تعزف الموسيقى العسكرية- هناك أبطال ونسور قادوا قواتنا الجوية في أحلك الأوقات وأقسى الأزمات وسطروا بطولات وملاحم نضالية لا تعرفها الأجيال الحالية سوى سطور وبعض المعلومات المشوشة وغير الصحيحة.
فالانتصار والبطولات التي حققتها وأنجزتها قواتنا الجوية وأبطالها البواسل لم تكن وليدة صدفة أو انتصار مفاجئ وانما نتيجة تضحيات بالأرواح والدماء وإصرار وعزيمة على النصر من بين براثن هزيمة غير مستحقة.
قادة القوات الجوية ضحوا من أجل مصر ولم يسعوا الى الشهرة والأضواء وظلت سيرتهم في الظل لفترات تاريخية طويلة حتى أنصفها التاريخ وأعيد لها الاعتبار في مناسبات الاحتفال بعد ثورة 30 يونيو 2013 واطلاق أسماءها على دفعات الخريجين للقوات الجوية.
نتوقف هنا عند الفريق مدكور أبو العز الذي تولى قيادة القوات الجوية بعد هزيمة 5 يونيو 67 مباشرة وتحديدا يوم 11 يونيو أي بعد الهزيمة بأيام قليلة ولمدة 4 أشهر فقط تقريبا ولكنه " أبكى إسرائيل" … وزير الدفاع الإسرائيلي موشية ديان على شاشة التليفزيون بتصفيته وادراجه فى قائمة المطلوبين لإسرائيل في العالم وبكت جولدا مائير رئيسة وزراء إسرائيل في ذلك الوقت وهددت بتدمير قريته في دمياط.. فما قصة هذا البطل..؟
مدكور أبو العز هو أصغر ضابط طيار في تاريخ مصر كلها فقد تخرج من الكلية الجوية وعنده 17 سنة فقط ثم تدرج في المناصب حتي وصل إلي منصب مدير الكلية الجوية في 1956 -وكان عنده 38 سنة فقط - وقام بتخريج عشرات الطيارين الذين كانوا يحبوه جدا لعبقريته.
في عام 1963 طلب مدكور من المشير عبد الحكيم عامر إنشاء دشم ومخابئ للطائرات المصرية لتفادي ضربها علي الأرض كما حدث في حرب 1956 .. بعض الروايات تقول ان المشير عبدالحكيم عامر رفض طلب مدكور ابو العز .. فقال له أبو العز: “من الشرف لقواتنا الجوية أن تفقد إحدى الطائرات فى معركة جوية ولكن من العار أن تفقدها وهى رابضة على الأرض”
طلب مدكور ابو العز من المشير عبد الحكيم عامر مقابلة الرئيس عبد الناصر … ومع علم الرئيس بماحدث من خلافات رأى بإصدار قرار بتعيين مدكور أبو العز محافظا لأسوان وتنحيته من رئاسة الكلية الجوية
امتثل اللواء مدكور أبو العز للقرار واصبح محافظا لأسوان وقام بالعديد من الانجازات فى محافظة اسوان ومنها كورنيش اسوان الشهير لدرجة انه عندما قام باستعراض هذة الانجازات فى زيارة للرئيس لموقع بناء السد العالى فابتسم الرئيس عبد الناصر وشكره على مجهوده. رغم امتعاض المشير عامر وتحفظه على عرضه ..
وحدث ما كان في الحسبان ووقعت الهزيمة وضربت طائرتنا على الارض فى 5 يونيو 1967 .. وحسب روايات عسكرية غربية فقد استمر الهجوم الإسرائيلي المفاجئ قرابة ثلاث ساعات. وأسفر الهجوم عن تدمير أكثر من 300 طائرة مصرية مقابل 40 طائرة اسرائيلية،
لكن غير صحيح أنه تم تدمير كافة الطائرات كما تروج الروايات الإسرائيلية وهو ما كشف كذبه وافتراءه بطولة مدكور أبو العز
في الداخل وبعد عودة الرئيس عبد الناصر عن قرار التنحي في 10 يونيو كان اول قرار اتخذه هو تولى مدكور ابو العز قيادة القوات الجوية بصلاحيات مطلقة . بل قام عبدالناصر بإرسال طائرة خاصة حملت الفريق أبوالعز من مطار أسوان إلي القاعدة الجوية بألماظة، وفي ألماظة استقبل الطيارون استاذهم بحفاوة بالغة أسعدته ولكنه قال لهم:" إن هذا الوقت ليس وقت الاحتفالات وإنما وقت العمل لحين استعادة الكرامة. توجه الفريق أبوالعز بعد ذلك مباشرة إلي منزل الرئيس عبدالناصر في منشية البكري وقال اريد ان افعل ما كنت قد طلبته من عبد الحكيم عامر منذ 4 سنوات ورفضه فوافق عبد الناصر .. وبالفعل كان اول ما فعله مدكور إنشاء دشم ومخابئ للطائرات المصرية في كل المطارات ونصب مدافع مضادة للطائرات الإسرائيلية في الدلتا والصعيد .. ﺛﻢ ﻗﺎﻡ أبوالعز ﺑﺘﺠﻤﻴﻊ 250 ﻃﺎﺋﺮﺓ (اغلبها كانت طائرات تدريب وطائرات كانت فى الصيانة وﻫﻰ ﻣﺎ ﺗﺒﻘﻰ ﻣﻦ طائرات القوات المصرية)
ملأ الغرور الصهاينة الى أقصى حد وظنوا ان كل شيء انتهى .. فاخذوا في تجميع المعدات والذخائر المصرية لنقلها الي داخل اسرائيل براحتهم .. ووضعوها على ممرات ومهابط الطائرات فى سيناء … لم يكن يدرون ماذا ينوى مدكور ابو العز فعله … فبعد مرور 40 يوم فقط من هزيمة 1967 وبالتحديد يوم 14 يوليو 1967 نجح البطل أبوالعز فى الرد على اليهود بضربة جوية استهدفت طائرات وﻣﻄﺎﺭﺍﺕ إسرائيل ومراكز قياداته وتشكيلاته فى سيناء دون ان يخسر طيارة مصرية واحدة .. فقد كان مدكور يعرف كيف يؤلم اليهود فكانت تعليماته لكل الطيارين ” الذخيرة بتاعتكم محدودة …لا تهتموا بمعدات العدو فانهم يعوضونها بسهولة ..عليكم بالأفراد .اصطادوهم كالفئران فلن يستطيعوا تعويضهم” ..وأدت الهجمات الى مقتل العشرات من خيرة طيارين وضباط وجنود اسرائيل ..
لم يتصور احد ان مدكور ابو العز سيقوم بمنتهى العبقرية بتكرار نفس الضربة على نفس المطارات والقواعد في اليوم التالي أيضا .. يوم 15 يوليو … فقام بقتل عشرات اخريين من الجنود الإسرائيليين دون ان يخسر طائرة واحدة ايضا .. كانت صدمة اسرائيل كبيرة لدرجة ان ظهر موشي ديان علي التلفزيون الإسرائيلي وطالب برأس مدكور أبو العز شخصيا كمجرم حرب يجب تصفيته فورا وهددت جولدا مائير بتدمير قريته.. وطلب ديان وقف إطلاق النيران وهدنة .. ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﺃﺑﻠﻎ المسئولون ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻨﺎﺻﺮ ﺑﺄﻥ ﻣﻮﺷﻰ ديان يطلب وقف إطلاق النار قال لهم : “اسألوا مدكور أبوالعز” .. ولما بلغوا أبو العز بكلمات عبدالناصر مال برأسه فى اعتزاز المنتصر وقال: “الآن يمكن وقف إطلاق النار”.. وقد كان
ارتفعت شعبيه مدكور بين الشعب المصري لدرجة ان الناس في طنطا شالوا عربيته من الأرض فرحا ..
ينسب للفريق طيار مقاتل مدكور ابو العز انه اول من استخدم تكنيك الطيران المنخفض جدا ولم يستخدمه الطيارين المصريين ابدا قبل هذه الضربة وكان ذلك من اسباب انتصار حرب العزة والكرامة 1973
وينسب له أيضا فكرة استخدام اللغة النوبية فى سلاح الاشارة حتى لا يتمكن اليهود من فك شفرتها … وبالفعل نجح ذلك تماما وكان من اسباب نجاح حرب 1973.
تداخلت السياسة والعسكرية من جديد ..وبدأت خلافات الروس مع أبو العز .اشترط الروس اقالة مدكور ابو العز بعد ما رفض وقف البرامج المصرية لتطوير الطائرات الروسية بعيدا عن الخبراء الروس .. وكان يرى ان الروس يساعدونا ظاهريا ولكنهم يبقون على ابقاء اسرائيل اقوى مننا … ورفض مدكور ابو العز تهكم رئيس الأركان الروسي المارشال زخاروف على الجيش المصري وتراشقا بالكلمات، مما دفع الروس إلي الشكوى لعبدالناصر من الفريق أبوالعز، وبالفعل عندما قرر الرئيس جمال عبدالناصر الاستعانة بالكامل بالخبراء الروس
ترك الفريق مدكور أبو العز قيادة القوات الجوية بعد 4 اشهر فقط أعاد فيها بناء القوات الجوية ونجح فى اجبار اسرائيل على وقف اطلاق النار.
الفريق البطل مدكور أبو العز ولد في كفر سعد دمياط في 11 مارس 1918 وتوفى مدكور ابو فى شهر رمضان عام 2006 في ليلة القدر وهو يصلي الفجر.