ساعات وتنطلق فعاليات "المؤتمر الاقتصادي مصر 2022"، الذي دعا اليه الرئيس عبد الفتاح السيسي وتنظمه الحكومة المصرية، ويستمر على مدار ثلاثة أيام، لمناقشة أوضاع ومستقبل الاقتصاد المصري، بمشاركة نخبة من السياسيين والأحزاب وكبار الاقتصاديين، والمفكرين، والخبراء المتخصصين.
التصريحات التي أدلت بها الحكومة على لسان الدكتور مصطفى مدبولي رئيس الوزراء وأعضاء الحكومة وعدد كبير من الخبراء والمتخصصين والمعنيين مبشرة الى حد كبير في أن يصل المؤتمر بالفعل إلى "خارطة طريق" لمستقبل الاقتصاد المصري، والتوصل الى توافق بين الجميع من حكومة وأحزاب وفعاليات اقتصادية وتجارية لوضع خطة عمل واضحة، والخروج بمشروعات قوانين تذلل كافة العقبات أمام المشاركة من القطاع الخاص الذي من المفترض أنه يقع على عاتقه 75% من عملية التنمية في مصر.
الرأي العام ينظر إلى المؤتمر على أنه فرصة حقيقية لنقاش جاد وطرح كافة القضايا والمشاكل على طاولة النقاش سواء من الحكومة أو القطاع الخاص أو من الخبراء والمتخصصين، الذي ينبغي أن يأتي تحت شعارات ثلاثة "الزراعة.. التصنيع.. التصدير"، وتحت كل شعار يتم النقاش حول التحديدات والعقبات وتحديد المطلوب للانطلاق في كل مجال، والاتفاق على ما يجب عمله سواء بالقرارات العاجلة أو بالقوانين.
ثلاثية النهوض هي المطلوبة للنقاش أمام المؤتمر وتوصيف مشاكلها ووضع محددات علاجها وتنفيذها على الفور، والفرصة متاحة وسانحة أمام الجميع حكومة وأحزاب ومجتمع مدني اقتصادي.
ولا يمكن انكار أو تجاهل أن ما تحقق خلال ال8 سنوات الماضية منذ تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي مقاليد الحكم في مصر على المستوى الاقتصادي هو انجاز بكل المقاييس، وفي فترة زمنية قياسية وبشهادات المنظمات الدولية المعنية سواء صندوق النقد أو البنك الدولي أو مؤسسات التصنيف الدولية، بفضل اطلاق عدد ضخم من المشروعات القومية الكبرى وهو ما ساهم في قدرة الاقتصاد المصري على مواجهه أصعب الأزمات خلال السنوات الماضية سواء أزمة جائحة كورونا وتداعياتها أو الأزمة الروسية الأوكرانية الحالية.
وأقول بكل صراحة أن مصر استطاعت مواجهه التحديات الصعبة بالاستمرار في العمل خاصة في المشروعات القومية الكبرى في منظومة الطرق والجسور والمشروعات الزراعية والصناعية والمبادرات الكبرى مثل حياة كريمة، ولم ترتعش أيادي الدولة في مواجهه هذه التحديات واستمرارية العمل فيها. وكل التجارب الاقتصادية في الدول النامية والتي واجهت أزمات- البرازيل وماليزيا وتايلند- نجحت في العبور من الأزمة نتيجة مشروعاتها القومية الكبرى وبرامجها الاقتصادية ذات البعد الاجتماعي.
أمامنا فرصة حقيقية لطرح كافة المشاكل والعقبات في ظل قيادة سياسية قوية لديها الإرادة والعزيمة لاتخاذ القرارات الشجاعة من أجل المصلحة العامة والاستمرار في طريق النهوض والتنمية.
وأقول أيضا أننا في هذه المؤتمر نحتاج إلى الاستماع أكثر لآراء "الفنيين"، وبصورة أقل إلى "التكنوقراط"، فبعض الأزمات التي مرت ومازالت تمر علينا الآن في حاجة لآراء فنيين معنيين بالأزمة، على سبيل المثال أزمة ارتفاع أسعار الدواجن والبيض رغم أننا نحقق الاكتفاء الذاتي في هذه الصناعة، بالتالي هناك ضرورة في هذا المؤتمر للاستماع لآراء الغرف التجارية والمعنيين في القطاع الخاص المنتج، ومعرفة كافة الصعوبات التي تواجه هذا القطاع واتخاذ القرارات الفورية لعلاجها من الجذور.
كما أننا أيضا نحتاج إلى الاستماع للقطاع الخاص بكل مفرداته، فعلى الرغم من أن التوجه الاقتصادي لمصر يعتمد في تنميته على المشاركة والاستثمار في خطة التنمية، الا أن ما نراه على أرض الواقع في حاجة إلى إعادة نظر ونقاش وبعض اللوم للقطاع الخاص أو كما يسمى بلغة الاقتصاد "الرأسمالية الوطنية".
فالانتظار والتردد والشكوى، معاني لم تعد تتوافق والتحديات التي تواجه الاقتصاد المصري، فالمشاركة و" مد اليد" هو المطلوب والحاجة الآن وخاصة في المشروعات القومية والتنمية المستدامة. فقد ولى زمن "الربح السريع" أو "دعه يربح دعه يمر" التي لم يستفد منها الاقتصاد المصري شيئا طوال سنوات السبعينات وحتى التسعينيات، بل أدت إلى مشاكل مازلنا نعاني منها حتى الآن.
عموما ليس هذا وقت للعتاب والنبش في دفاتر الماضي، فالرئيس نفسه في كل مناسبة يدعو القطاع الخاص إلى المشاركة والعمل في مشروعات حقيقية ذات عائد اقتصادي واجتماعي قومي، وعدم التردد والانتظار في ظل توفير المناخ الاستثماري الملائم والمناسب حاليا، والاستعداد لتذليل أية عقبات آخري فلن يبني مصر الا ابناءها والفرصة متاحة.
الرئيس السيسي في الافتتاح الأخير لمجمع مصانع الرمال السوداء في البرلس بمحافظة كفر الشيخ دعا من جديد القطاع الخاص إلى الدخول في الاستثمار في مثل هذه المشروعات المتاحة حاليا في أكثر من 11 موقع على مستوى الجمهورية، والاستفادة من الخبرة الحكومية ودراسات الجدى التي تم اعدادها، بل طرح فكرة غاية في الأهمية وهي تكوين كيانات استثمارية عملاقة من القطاع الخاص عبارة عن "كونستوريوم" من عدد من شركات القطاع الخاص تتمكن من الدخول وبقوة في الاستثمار في مشروعات كبرى مثل الرمال السوداء، أو حتى الاستثمار في انشاء مزارع ضخم من الاعلاف- مثلا- وهي المشكلة التي كشفت عنها أزمة الحرب الروسية الأوكرانية وتسببت في ارتفاع أسعار اللحوم والدواجن والبيض وهي سلع استراتيجية وحيوية للمستهلكين في مصر.
الفرصة اذن متاحة والباب مفتوح أمام القطاع الخاص، والضمانات متوفرة والتشريعات والقوانين موجودة، كما أن الدولة والقيادة السياسية لديهم الرغبة الأكيدة في زيادة مساهمة القطاع الخاص بنسبة 65% من إجمالي الاستثمارات المنفذة خلال الثلاث سنوات القادمة، وفقا لخط التنمية ورؤية مصر 2030.
القطاع الخاص حسب أرقام وزارة التخطيط القطاع الخاص يحتل أهمية كبيرة في الاقتصاد المصري فهو يضم نحو 3.7 مليون منشأة بنسبة 99.9% من إجمالي عدد المنشآت، ويعمل به نحو 12.5 مليون مشتغل بنسبة 93.5% من إجمالي عدد المشتغلين.
الانتظار لم يعد مطلوبا أو مقبولا، وعلى الحكومة طمأنة القطاع الخاص خلال المرحلة الحالية والمقبلة، لإن المرحلة الماضية استدعت تولي الدولة تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي منذ عام 2016 لإجراء حزمة ضخمة من الإصلاحات الهيكلية المالية والنقدية والاجتماعية باستهداف خلق بيئة استثمارية أكثر تنافسية وتعزيز الاستثمارات الخاصة، وذلك بعد أن تولت الدولة الدور الأكبر في الحياة الاقتصادية خلال الفترة اللاحقة لمرحلة الاضطرابات السياسية والأمنية "2011-2013"، التي ترتب عليها عدد من الاختلالات الاقتصادية، دفعت الاستثمارات الخاصة إلى الحذر والترقب.
الفترة الحالية تشهد تطبيق المرحلة الثانية من برنامج الإصلاحات الهيكلية في ظل ظروف اقتصادية عالمية غير مواتية نتيجة التبعات الاقتصادية للصراع في أوكرانيا، وأعلنت الدولة خطة للتعامل مع الازمة الاقتصادية العالمية تستطيع من خلالها تحقيق مستهدفات التنمية بقدر من المرونة لتتمكن من مواكبة المستجدات المحلية والعالمية، وقد جاء على رأس تحركات الدولة المعلنة خلال الفترة الحالية تعزيز دور القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي و تعزيز دوره في عملية التنمية الاقتصادية خلال الفترة المقبلة.
تحت ثلاثية النهوض "الزراعة.. التصنيع.. التصدير" تأتي أهمية المؤتمر الاقتصادي في تحقيق مبدا التشارك والتكامل بين الحكومة والقطاع الخاص بالتشجيع والتحفيز وتذليل كافة العقبات المطلوبة. والمشاركة الكبيرة من شركات القطاع الخاص في المؤتمر تشير إلى جدية التواجد والشعور بالمسئولية الوطنية في مرحلة تاريخية ذات طبيعة خاصة، وأن المؤتمر ليس للاستعراض بالأرقام والاحصائيات وإنما للاستماع والنقاش والتوصل إلى نتائج محددة من أجل اتخاذ القرارات المطلوبة، فالمشاركة في صناعة القرار الاقتصادي لن تكون حكرا على الحكومة في المرحلة المقبلة، وإنما بمشاركة القطاع الخاص انطلاقا من هذا المؤتمر.
هناك حالة من التفاؤل والأمل في المؤتمر الاقتصادي وفي الخروج بتوصيات ونتائج تساهم في دفع عجلة التنمية ودعم الاقتصادي المصري في الخروج بسلام ونجاح من الأزمات الحالية.