فى إطار فعاليات "المؤتمر الاقتصادى ـ مصر 2022"، انطلقت أولى الجلسات تحتَ عُنوان "السياسات المطلوبة لتعزيز قُدرة الاقتصاد المِصرى على مواجهة الأزمات"، والتى بدأت بتناول الدكتورة هالة السعيد، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية، لعددٍ من المحاور المُرتبطة بالأوضاع الاقتصادية عالميًا ومحليًا؛ حيث استهلت حديثها بالتأكيد على أن التجربة التنموية المصرية أو النظرة المُستقبلية لا ينبغى أن يُنظَر إليها فى معزلٍ عن الظروف الدولية والعالمية، فما يُحيط بالعالم من تطورات وأزمات، شكلت ضغطًا على السياسات المالية فى أغلب الدول الناشئة بما فيها مِصر، إلا أن برنامج الإصلاح الاقتصادى الذى انتهجته الدولة عززَ من قدرة الاقتصاد المصرى ومرونته فى مواجهة وامتصاص الأزمات، بدءًا من تفشى جائحة كوفيد-19، مرورًا بالأزمة الروسية الأوكرانية، وما استتبعها من أزماتٍ تتعلقُ بالطاقة، واضطراب سلاسل الإمداد العالمية، وارتفاع مُعدلات التضخم، وتشديد السياسات النقدية.
ثم تطرقت وزيرة التخطيط للحديث عن تطور مُعدلات النمو فى مِصر، وكيفَ أنها كانت تتسمُ بالتذبذب وعدم الاستدامة، موضحة أنه على الرغم من تحقيق البلاد فى عقودٍ مضت مُعدلات نمو مُرتفعة وصلت إلى نحو 7.5%، إلا أنه كان مُعدل نمو غير مُستدام، يُحركه الاستهلاك بشكلٍ رئيس، ويتسم بتدنى مُشاركة القطاعات الاقتصادية الرئيسة مثل الزراعة، والصناعة، وتكنولوجيا المُعلومات، إلا أن جهود الدولة دفعت الاستثمار للمشاركة بشكل أكبر فى ارتفاع مُعدلات النمو منذ العام المالى 2016/2017.
وعلى صعيد التشغيل، أشارت الوزيرة إلى أن مُعدلات البطالة فى مِصر شهدت أدنى مُستوياتها على مدار 20 عامًا، إذ كانت الدولة تُعانى من كون المُعدل يتجاوز حاجز الـ 9% سنويًا، إلا أن هذا المُعدل أصبح يشهد تراجعًا بشكلٍ متواتر إلى ما دون الـ 8% مع توقعات بالمزيد من الانخفاض، مؤكدةً على إدراك الدولة للفجوة بين مُخرجات العملية التعليمية واحتياجات سوق العمل فى مِصر، ولذا بدأت الدولة فى مُعالجة تلك الفجوة، من خلال تطوير برامج التعليم العالى، والتوسع الشديد فى برامج التعليم الفنى والمهنى، مُشيرةً إلى أن ذلك لا يُمكن أن يتم إلا من خلال الشراكة التامة مع القطاع الخاص.
ولفتت د. هالة السعيد فى إطار تناولها لنشاط القطاع الخاص فى الاقتصاد المِصرى، إلى أن التراجع النسبى الذى شهدته الاستثمارات الخاصة فى مِصر كانَ نتيجةً لزيادة تدخُل الدولة عبر الاستثمارات العامة؛ إذ اضطرت لذلك فى وقت الأزمات التى مرت بها مثل جائحة كوفيد-19؛ حيث زادت الاستثمارات العامة من قبل الدولة بنسبة 300% لتعويض أى خلل كان من المُمكن حدوثه نتيجة تراجع استثمارات القطاع الخاص فى أوقات الأزمات، لافتة إلى أن الدولة تعى فى الوقت ذاته ما يواجه القطاع من تحديات وتعمل على مُعالجتها.
وفى إطار تناولها لرؤية مِصر 2030، أشارت الوزيرة إلى أنه فى إطار المُتغيرات المحلية والدولية، كان لابد أن يتم تحديث رؤية مِصر 2030، باعتبارها وثيقة حية تتغير وفقًا للظروف، وذلك بغية إضافة المُستحدثات الدولية والمحلية التى يحتاجُ إليها الواقع المِصرى.
وأجملت السيدة الوزيرة عرضها بالتأكيد على أنه برغم الظروف الاقتصادية الصعبة التى يمُر بها العالم، إلا أن الاقتصاد المِصرى لا يزالُ فى اتجاهه نحو تحقيق ما يرمى إليه من مُستهدفات، وذلك نتيجةً لبرنامج الإصلاح الهيكلى للاقتصاد المِصرى الذى تبنته الدولة.
وشهدت الجلسة مُشاركة نُخبة واسعة من الخبراء الاقتصاديين، ورجال الأعمال، وأعضاء مجلسى النواب والشيوخ، الذينَ أدلوا بآرائهم فيما عرضته الوزيرة، عبرَ اقتراحاتٍ عملية لبعض السياسات الاقتصادية التى ينبغى أن تتبناها الدولة خلال الفترة المُقبلة، فى ظل خارطة الطريق الاقتصادى المنشودة؛ فقد أشارَ د. بهاء الدين - نائب رئيس الوزراء الأسبق - إلى أن تشجيع الاستثمارات فى أى دولةٍ يتوقف على ما يتوفَر فيها من "يقين"، وهو ما تم تعزيزه فى مِصر من خلال الاستقرار الأمنى الذى تحقق فى البلاد، والطفرة التى تشهدها على صعيد البنية التحتية، الأمر الذى ساعدَ على زيادة الاستثمار، إلى جانب ما قامت به الدولة من طرح لوثيقة سياسة ملكية الدولة بغية تعزيز اليقين فى النشاط الاقتصادى فى مِصر خلال الفترة المُقبلة، إلا أنه فى الوقت ذاته أضافَ بعض المُقترحات العملية مثل الضرائب، التى على الرغم من أنها ليست مُرتفعة فى مِصر مُقارنةً بالمُعدلات العالمية، إلا أن المُشكلة تكمُن بصورةٍ أكبر فى الرسوم التى تُفرَض على المُستثمر، الأمر الذى ينبغى معه طمأنة المُستثمرين بهذا الخصوص.
ما أشارت فى الوقت ذاته د. أمنية حلمى، أستاذ الاقتصاد، أن تحويلات المصريين العاملين بالخارج تُعد ثروةً حقيقيةً للاقتصاد المٍصرى، لذا يجب العمل على تعزيزها عبر آليات جذب واضحة، ثم انتقلَت الكلمة إلى عدد من مُمثلى الصناعة ورجال الأعمال فى مِصر، الذين أشاروا إلى أنه على الرغم مما يشهده الاقتصاد المِصرى من إيجابيات إلا أنه فى حاجةٍ إلى المزيد من الإصلاحات المؤسسية، وزيادة مُشاركة القطاع الخاص، بحيث يكون هو قاطرة عملية التنمية الاقتصادية فى مِصر خلال الفترة المُقبلة.
كما أكدَ البعض على ضرورة إيلاء قطاع الخدمات المزيد من الاهتمام فى مِصر، نظرًا لأهميته فى توفير فُرص العمل، بالإضافة إلى إسهامه فى توفير النقد الأجنبى الذى يحتاج إليه الاقتصاد المِصرى، مثل قطاع السياحة، فى حين أشارَ بعض الخُبراء المُشاركين إلى أن الدولة تُواجه مُشكلات تتعلق بطول مُدة استخراج التصاريح اللازمة للشركات التى تستهدف العمل فى السوق المِصرية، الأمر الذى يجب أن تتضافر معه جهود الحكومة لإيجاد حل جذرى لتلك العقبة التى تقف أمام جذب المزيد من الاستثمارات.
واستطرَدَ بعض رجال الأعمال قولهم بأن الدولة تُعانى من فجوة بين ما تتخذه من إجراءات وبين رضا المواطن المِصرى، بما يشبر إلى ضرورة دراسة مدى فعالية الإجراءات الحكومية ووصولها إلى المواطِن بصورةٍ دقيقة، كما أشار بعض المُشاركين إلى أهمية اجراءات حماية حقوق الملكية الفكرية من جانب الدولة، فى جذب المزيد من الاستثمارات إلى الاقتصاد المِصرى، هذا وتم التطرق إلى دور المُجتمع المدنى فى مِصر، وكيفَ أنه يجب أن يلعب دورًا هامًا خلال الفترة المُقبلة كونه أحد أضلاع التنمية الاقتصادية، ويجب أن يتم دعمه كى يوجه موارده بصورةٍ صحيحة من خلال قاعدة بيانات قوية منعًا للازدواجية فى تقديم المُساعدات سواء كانت نقدية أو عينية.
هذا واقترح بعض السادة المُشاركين أن الدولة المِصرية فى حاجةٍ لإدارةٍ أفضل للأصول غير المُستغلة، والذى من المُمكن أن يكون بمثابة الآلية التى من خلالها يُمكن للدولة سداد جزء من ديونها، على غرار عددٍ من التجارب الدولية مثل فرنسا، وإيطاليا، والتى قامت بإنشاء صناديق لإدارة تلك الأصول غير المُستغلة.
وفى هذا الإطار أكدَ عدد من المُشاركين على ضرورة دعم الدولة المِصرية للشركات الصغيرة والمُتوسطة، نظرًا لأهميتها على صعيد النمو الاقتصادى فى مِصر.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة