عادل السنهورى

مصر والإمارات علاقة تتجاوز الـ50 عاما

الأربعاء، 26 أكتوبر 2022 05:01 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا تقاس العلاقات بين الدول بعدد السنوات، ولكن بطبيعة هذه العلاقة وقوتها، والمواقف السياسية والاقتصادية والاجتماعية بين تلك الدول. فالسنوات ليست حكما على تاريخية العلاقة، وإنما ما جرى في نهر تلك السنوات من مواقف متراكمة تختزل الزمن وتتجاوز السنين. 
 
العلاقات بين مصر والإمارات تتجاوز في طبيعتها السنوات الخمسين، والتي تحتفل الدولتان هذه الأيام بمرور نصف قرن عليها، مع إعلان قيام دولة الإمارات في 2 ديسمبر عام 1971، فالعلاقات بين القاهرة وأبوظبي سابقة على إعلان الدولة بين الزعيمين والقائدين جمال عبد الناصر والشيخ زايد. فقد جمعت بينهما علاقات أخوية وقوية على أرضية العروبة ووحدة المصير.
 
المفارقة أن "زايد" لم يلتق "ناصر"، فقد كان هناك وعد واتفاق على اللقاء بينهما عقب القمة العربية التاريخية لحقن الدماء العربية عقب أحداث "أيلول الأسود" في الأردن في سبتمبر 1970. لكن القدر لم يتح فرصة اللقاء، ورحل الرئيس عبد الناصر عقب القمة مباشرة.
 
دعم عبد الناصر فكرة دولة الوحدة الإماراتية وساندها بالرأي، وتقديم المشورة السياسية والقانونية، وإرسال العديد من الأطباء والمعلمين والمهندسين لتأسيس الإمارات. ومنهم الرجل الذى خطَّط البنية التحتية  لمدينة أبوظبي، وهو المهندس عبدالرحمن حسنين مخلوف. ورحب ناصر بحلم زايد في الوحدة والسعي لإعلانها، رغم  حالة الانكسار والهزيمة وأعلن زايد عن مواقفه الصريحة والواضحة تجاه مصر منذ البداية وضد المؤامرة الصهيونية، وبعد هزيمة يونيو 67 قدم حاكم أبوظبي- وقتها- العديد من المساهمات للدولة المصرية لإيمانه الشديد بدور مصر المحوري بين كافة الدول العربية والأفريقية، كما ساهم بشكل كبير في توفير المقومات التي كانت تحتاجها القوات المسلحة المصرية، وساهم أيضاً بشكل قوي في عمليات الإعمار وتمكين كافة القطاعات الحيوية.
 
ربطت المشاعر القومية بين الرجلين القائدين .كان الشيخ زايد وفيا لمصر ودورها، وتحدى بريطانيا واسرائيل، وقدم دعما سريا لمصر. وقال «زايد» في أكثر من مناسبة: «حين تبدأ الحرب على إسرائيل، سنغلق حنفيات البترول، ولن نكون بعيدين عن أشقائنا أبدًا».
 
تتضمن الوثيقة تفاصيل لقاء رسمي جمع والدها بالرئيس الليبي معمر القذافي في قصر القبة بالقاهرة، بتاريخ 10 يونيو 1970. ويوثق محضر اللقاء الرسمي، جانبا من دوائر الحركة والتحالفات العربية وقتها، وطبيعة المشهد في اليمن الجنوبي، ودعم «أبوظبي» للقاهرة وجهودها للتخلص من الاحتلال الإسرائيلي، رغم ضغوط الإنجليز وما يملكونه من قواعد عسكرية في المنطقة 
 
في الوثيقة يتحدث  عبد الناصر عن مواقف الشيخ زايد ومبادرته بإرسال أحد أبرز رجاله للقاء المسؤولين المصريين، وإبداء رغبته الجادة في مساندة مصر وجهودها لإعادة بناء الجيش ومواجهة الاحتلال الإسرائيلي. وإشادة الرئيس جمال عبد الناصر بمواقف الشيخ زايد القومية، كما امتدح موقفه من الجولات المطولة من المفاوضات التي كان يخوضها مع حكام الإمارات، ويواجه مناورة الضغوط والألاعيب البريطانية فى المنطقة، بغرض الوصول إلى محطة توحيد السبع إمارات، وإعلانها دولة الوحدة.
 
ويقول عبد الناصر بحسب نص الوثيقة: «والله الشيخ زايد ده راجل كويس، بعت لنا من غير ما نطلب 17 مليون دولار وطلب ألا ننشر».
 
وتشير الوثيقة، إلى إرسال الشيخ زايد ، رئيس ديوانه الذى التقى وزير الخارجية المصري محمود رياض، وعرض الموفد الإماراتي رفيع المستوى مساندة مصر وجهودها الوطنية والعربية، وذلك قبل أن تكون هناك روابط سياسية فعلية بين القاهرة وأبوظبى، وقبل أن يتفق الجانبان على زيارة  زايد الى مصر بصفة سياسية.
 
بلغت المساهمة الأولى من إمارة أبو ظبى فى دعم مصر وخطط إعادة بناء قدراتها العسكرية 17 مليون دولار، توازى نحو 10 ملايين برميل نفط وفق متوسط أسعار العام 1970 الذي ---كان سعره فى حدود 1.7 دولار للبرميل-
 
وتتضمن الوثيقة الرئاسية، إشارات بالغة الوضوح بشأن المجازفة القوية من الشيخ زايد بمساندة مصر ودعمها ماديا وسياسيا، فى الوقت الذى لم يتخلص فيه الخليج من آثار الحصار والضغوط البريطانية.
كانت مبادرة الشيخ زايد بالتواصل مع الزعيم جمال عبد الناصر، ثم منحته السخية للموازنة المصرية، تمثل  تحديا عروبيا لدوائر السياسة البريطانية التي كانت حاضرة بقوة على أرض الخليج العربي، وبدرجة أكثر وضوحا، وشكل تحرك حاكم أبوظبي تجاه القاهرة في النصف الأول من عام 1970 انحيازا مباشرا لمصر، وتحديا صريحا لمواقف لندن تجاه القاهرة، التي لم تتخل عن عدائها المُعلن منذ قيام ثورة يوليو 1952، ثم الجلاء الاضطراري عن الأراضي المصرية، ثم العدوان الثلاثي ومساندة إسرائيل الدائمة ضد مصر.
 
لم تهتز علاقة زايد بمصر وتواصل الدعم والمساندة والمساهمة حتى بعد رحيل عبد الناصر في 28 سبتمبر 1970، وصولا إلى مشاركة الإمارات في الحملات العربية لدعم مصر خلال حرب السادس من أكتوبر 1973، وتوظيف سلاح البترول في ردع المحاولات الغربية للضغط على القاهرة أو التمادي في نصرة الدول الكبرى لإسرائيل.
 
شهدت فترة السبعينيات نموذجاً متميزاً في العلاقات الثنائية بين الدولتين، حيث قام الرئيس أنور السادات بزيارة الإمارات إعلاناً لقيام الاتحاد عام 1971، وبعدها قام الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان بزيارة مصر وتقديم وشاح آل نهيان للرئيس السادات.
 
وواصلت الدولتان الدعم لبعضهما البعض، حيث قام رئيس الإمارات بتقديم الدعم إلى الجيش المصري أثناء أداء أحد مهامه، كما قدم الشيخ زايد مبلغ 100 مليون دولار إلى مصر لإعادة بناء محافظات قناة السويس بالكامل، وتم إطلاق اسم “الشيخ زايد” على مدينة كاملة عام 1976. في الحرب كانت مقولة الشيخ زايد حاسمة ومؤثرة ومازلنا نتذكرها حتى الآن وسوف تعيد استذكارها الأجيال القادمة . فعند قيام الحرب قال زايد قولته الشهيرة" ان البترول العربي ليس أغلى من الدم العربي"
 
وبعد كامب ديفيد ومقاطعة الدول العربية لمصر كان زايد في صدارة من تصدوا لها وطالب بعودة مصر وفي قمة عمان بالأردن القى كلمته الشهيرة إيذانا بعودة مصر الى الصف العربي: "إذا لم تأت مصر إلينا فسوف نذهب إليها".
 
هذه مجرد سنوات قليلة في العلاقات بين مصر والامارات لكنها تتجاوز فيما شهدته من أحداث ومواقف مئات السنين.
 
حب الشيخ زايد – المؤسس والأب- لمصر كان هو القاعدة التي انطلقت منها العلاقات التاريخية بين البلدين وأصبحت نموذجا فريدا في العلاقات العربية-  العربية. وربما تكون هي العلاقة الوحيدة التي لم نعلم عن حدوث أية توترات أو خلافات فيها والتاريخ يشهد على ذلك 
 
إذن هي ليست 50 عاما فقط من التفرد والتميز في العلاقات بين الشقيقين في كافة المجالات وخاصة في الشدائد والأزمات. 
 
ترتبط مصر ودولة الإمارات بعلاقة تفوق الـ 50 عاما من التميز، حيث تجمع بين الدولتين علاقات نموذجية في شتى المجالات العملية والإنسانية، ومنذ أن بدأت العلاقة بينهم يسودها التقدير والاحترام المتبادل بين الطرفين، ومن الممكن اعتبار هذه العلاقة مثال تهتدي به كل الدول في التعامل مع بعضها البعض. فلم تتخل الامارات عن القيقة الكبرى أبدا في الحرب أو في السلم وتدفقت الاستثمارات الإماراتية على مصر حتى بلغت حاليا 20 مليار دولار  ودائما ما يشيد الرئيس عبد الفتاح السيسي بمواقف دولة الامارات ووقوفها الى جانب مصر منذ أحداث يناير 2011 ومع قيام ثورة 30 يونيو 2013.
 
وبعد تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي حكم مصر زادت العلاقات بين الدولتين بشكل كبير، وتبادل الجانبان الزيارات واللقاءات الثنائية واتفقا على أن الاستثمار في الاستقرار، من أجل توحيد الصوت العربي وتعزيز العمل المشترك بين كافة الدول العربية.
 
وشهدت افتتاحات مصر العسكرية حضور دائم من الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات، حيث حضر افتتاح قاعدة «محمد نجيب العسكرية» عام 2017، وافتتاح قاعدة «3 يوليو» على ساحل البحر المتوسط، وافتتاح قاعدة «برنيس» على البحر الأحمر.
 
وعلى المستوى العسكري شهدت العلاقات المصرية الإمارتية تطورًا هائل، حيث شاركت قوات البلدين في سلسلة من التدريبات العسكرية
 
وعلى المستوى العسكري شهدت العلاقات المصرية الإمارتية تطورًا هائل، حيث شاركت قوات البلدين في سلسلة من التدريبات العسكرية المشتركة، مثل التمرين العسكري المشترك «زايد 3»، وفعاليات التدريب المشترك «سيف العرب»، وفعاليات التدريب البحري المشترك «استجابة النسر 2018»، والتدريب العسكري المشترك «صقور الليل».
 
وفي الاحتفالية التي أقيمت بالأمس وتستمر لمدة 3 أيام قال الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس الوزراء، إن القوى العاملة المصرية تعتبر رافدًا رئيسيًا للتنمية الاقتصادية في الإمارات منذ عقود في إطار علاقات التعاون والأخوة التي تجمع بين البلدين، وشهدت تحويلات العمالة المصرية في الإمارات ارتفاعًا خلال الأشهر الـ 9 الأولى من العام المال 2021 ـ 2022 لتصل لـ 3.3 مليار دولار.
وأكد الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء ، أن الإمارات أول المساندين للدولة المصرية فى أدق اللحظات الفارقة فى تاريخها الحديث.
 
وأضاف أن مصر ترتبط مع الإمارات بعلاقات تاريخية وثيقة وممتدة فى مختلف المجالات تمتد جذورها التاريخية لمؤسس الإمارات العربية المتحدة الشيخ زايد آل نهيان و حرص البلدين على تبادل الزيارات بينهما فى إطار تبادل الرؤى فى مختلف القضايا الإقليمية وتوحيد الجهود الرامية لإرساء دعائم السلام والأمن فى المنطقة .
 
وقال الدكتور ثاني الزيودي، وزير التجارة الخارجية الاماراتي، إن التجارة البيئية بين مصر والإمارات؛ ارتفعت إلى 8%، وصعدت إلى 9% خلال العشرة أشهر الأولى من العام الجاري، فالعلاقات المصرية الإماراتية هي شراكة اقتصادية متكاملة، ومصر هي بوابة أفريقيا، وسوق أفريقي كبير لأكثر من مليار شخص، ومن ثم مصر تعد بوابة دخول أسواق القارة، لتعزيز وزيادة النمو الاقتصادي الإماراتي.
 
 
 






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة