بيشوى رمزى

القمة العربية.. وتعزيز قيمة "الهوية" في ذكرى "ملحمة أكتوبر"

الخميس، 06 أكتوبر 2022 07:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ربما تبقى ذكرى الانتصار العظيم، في أكتوبر 1973، محفورة في عقول المصريين، وملهما لهم، لتحقيق المزيد من الانتصارات في المستقبل، خاصة مع تواتر التحديات والأزمات، ولكنها في الوقت نفسه، تمثل مناسبة تتداخل فيها الحالة الوطنية، مع الهوية العربية، في انعكاس مباشر لحالة من التناغم الاستثنائي بين الهويتين الوطنية من جانب، والقومية من جانب أخر، وهو الأمر الذي تعززه العديد من العوامل، أبرزها وحدة الدين، واللغة، والثقافة في مختلف الدول العربية، ناهيك عن العديد من المواقف التي تجاوزت فيها العديد من الحكومات، الخلافات البينية، من أجل نصرة قضايا معينة، باسم "الهوية"، فتتجلى أهمية اللغة كـ"داعم" قوى من الناحية المعنوية لفكرة "العروبة"، في ثوب توافقي، يتماشى مع الواقع السياسي والدولي.
 
ولعل أهم ما يميز الحالة العربية، أنها تحمل القدر الأكبر من المرونة، للوصول إلى الحالة "التوافقية"، بحكم العديد من المشتركات، سالفة الذكر، خاصة في أوقات الأزمات الجماعية، التي تؤثر على المنطقة بأسرها، أو حتى فيما يتعلق بالحالات الفردية، وهو ما بدا في الدعم العربي الجماعي لمصر، خلال حرب أكتوبر 1973، بمختلف صوره، وهو الأمر الذي يبرز القيمة المعنوية لـ"الهوية"، على عكس مناطق أخرى، ربما اشتركت دولها في "الجغرافيا"، بينما اختلفت في التاريخ والثقافة، واللغة، مما ساهم في تآكل الحالة الوحدوية التي طالما تفاخرت بها، مع تواتر المستجدات الدولية والإقليمية، التي تدفع أحيانا إلى حالة من "التنافر المصلحي".
 
فلو نظرنا إلى النموذج الأوروبي، ربما نجد أنه قدم حالة مثالية لفكرة "الوحدة"، والتي دامت لسنوات، إلا أنها باتت تتآكل مع المستجدات التي تشهدها الساحة الدولية في السنوات الأخيرة، منها التمرد البريطاني على حالة "الاتحاد"، والاختلاف الكبير حول العقوبات المفروضة على روسيا، في ظل أزمة الطاقة التي باتت تضرب القارة العجوز مع اقتراب موسم الشتاء، ناهيك عن عدم القدرة على الصمود أمام الضغوط المفروضة من الخارج لتفكيك تلك الحالة الاستثنائية، سواء من قبل الولايات المتحدة، أو روسيا.
 
إلا أن العامل الأهم وراء تراجع فكرة "الاتحاد"، في أوروبا، رغم بقائها، يتجسد في غياب التعاطف الشعبي مع الفكرة، أو بمعنى أدق ارتباطها بالبعد المصلحي، وذلك بسبب غياب العديد من المشتركات، سواء المرتبطة بالتاريخ، أو الهوية اللغوية أو الثقافية أو الحضارية المرتبطة بدول القارة، وهو الأمر الذي تبدو المنطقة العربية متمتعة به أكثر من غيرها في مناطق العالم، حيث تبقى مواقف الشعوب، والتي تحمل قدرا كبيرا من التعاطف تجاه الناطقين بلغة "الضاد"، أهم الدوافع نحو التقارب على المستوى الرسمي، حتى في ظل الخلافات، وهو ما يساهم في تعزيز الحالة التوافقية، والتي تمثل خيارا منطقيا وأكثر ملائمة، في لغة السياسة الدولية، أكثر من غيرها من "الفاظ" ربما لا تعبر عن الواقع.
 
انتصار أكتوبر المجيد، ربما كان ترجمة حقيقية لتلك الحالة عبر تضامن الدول العربية مع مصر، بينما عززتها ثورة المصريين في 30 يونيو، والكيفية التي دعمتها الدول العربية مصر، لتحقيق إرادة الملايين الذين احتشدوا في الشوارع والميادين، لاستعادة بلادهم مجددا من براثن الإرهاب، في انعكاس حقيقي لقيمة "العروبة"، خاصة في أوقات الأزمات، والتي تدفع نحو تجاوز الخلافات البينية، لتفتح الباب أمام مرحلة جديدة من العلاقات، القائمة على تعظيم المصالح المشتركة، وتحييد الخلافات جانبا، لتذوب في مرحلة لاحقة، في إطار تعاظم المشتركات، وهو ما يترجم إبراز تلك الحالة في الاحتفال بنصر أكتوبر، بحضور الرئيس عبد الفتاح السيسي، من خلال أوبريت فني، يحمل عنوان "لمتنا"، بمشاركة فنانين من جنسيات عربية مختلفة، في محاولة "ناعمة" لتعزيز قيمة "التوافق" قبل أسابيع قليلة من انطلاق القمة العربية.
 
والحديث عن القمة العربية، ربما يدفع إلى التأكيد على أن الحالة العربية الاستثنائية المرتبطة بالهوية، لا تقتصر على مصر، بل تمتد إلى العديد من الدول الأخرى، منها الجزائر، والتي حرصت هي الأخرى، على عقد القمة العربية على أراضيها، تزامنا مع احتفالات الدولة بذكر ثورة "التحرير"، والتي لعبت فيها العديد من الدول العربية دورا بارزا للخلاص من الاستعمار، ليكون اختيار توقيت القمة، بمثابة رسالة ضمنية، مفادها أن الجزائر تبقى جزءً لا يتجزأ من محيطها العربي، وأنها حريصة على مشاركة أشقائها في الاحتفال بتلك الذكرى، مما يعزز البعد "المعنوي" للهوية، وبالتالي يساهم في تحقيق المزيد من النجاح للقمة، التي تمثل أهمية كبيرة مع العديد من المستجدات الدولية والإقليمية، والحاجة الكبير لتحقيق أكبر قدر من "التوافق" خلالها، فيما يتعلق بالعديد من المسائل.
 
وهنا يمكننا القول بأن البعد المعنوي لـ"الهوية" العربية، يحمل تأثيرا كبيرا على بقاء الحالة التوافقية، مع الوضع في الاعتبار أن الخلافات تبقى واردة في السياسة، وإنما يبقى الهدف الرئيسي الذي ينبغي أن تجتهد من أجله الدول العربية، معتمدا على تعظيم المصلحة المشتركة، بينما يبقى الترابط العاطفي بين الشعوب دافعا وراء تعزيز تلك الحالة، والتي ينبغي أن تكون حاضرة بقوة في الأيام المقبلة، لتحقيق اختراقات كبيرة تصب في صالح دول المنطقة بأسرها، خلال القمة العربية المرتقبة في الجزائر.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة