* مصر أنفقت 1.6% من إجمالي الناتج المحلي للسنة المالية 2022/2023 للتخفيف من تأثير ارتفاع الأسعار
* رفع أجور القطاع العام ومعاشات التقاعد والتدابير الضريبية وتوسيع تغطية برامج التحويلات النقدية
* مصر حققت أعلى نمو بواقع 9% والاقتصاد متأثر بحرب أوكرانيا
تشهد مختلف دول العالم، موجة تضخم غير مسبوقة، خاصة دول أوروبا وكذلك الولايات المتحدة الأمريكية، جراء تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية من جانب والارتفاع التدريجى فى أسعار النفط من جانب آخر، لا سيما مع الارتفاع الكبير فى أسعار الغاز الطبيعى .
وبحسب تقارير اقتصادية، فإن كبار أوروبا يعانون من التضخم على سبيل المثال ألمانيا وفرنسا وإيطاليا بجانب بريطانيا، مما دفع تلك الدول لأول مرة العودة لاستخدام الفحم الملوث للبيئة وتشغيل محطات الطاقة النووية مجددا لتوليد الطاقة، علاوة على تنفيذ خطط لترشيد الاستهلاك الطاقة فى الشوارع والمدن والمصانع والبيوت.
كما انعكست الموجة التضخمية على ارتفاع أسعار السلع الاساسية، بل وعدم وجود بعضها، علاوة على تقديم الحكومات دعم للمواطنيين فى محاولة منها لعبور ارتفاع الاسعار الكبير كما حدث فى المانيا وبريطانيا وفرنسا .
وكرد فعل تظاهر المئات من المواطنين فى فرنسا، رافضين استمرار خطط فرنسا فى حرب اوكرانيا، وتاثرهم بشكل كبير جراء ارتفاع فاتورة الغاز عدة أضعاف، وهو ما لا تتحمله ميزانية تلك الدول .
ولا شك أن الاقتصاد المصرى متأثر أيضا بما يحدث فى دول العالم من تضخم، ويعانى من مشكلات متعددة جراء ذلك، إلا أن الحكومة حرصت على تخفيف الأعباء عن المواطنيين بشكل مباشر، للحد من تأثيرات التضخم على المجتمع، عبر حزم متنوعة.
وحول جهود مصر لمواجهة تلك التحديات ،قال البنك الدولى إن مصر اتخذت إجراءات تتعلق بسعر الصرف بخلاف تدابير نقدية ومالية وذلك استجابة للمستجدات العالمية ومنها الارتفاع الحاد في الأسعار، وتردي الأوضاع المالية، وتراجع الطلب وهي الأوضاع التي زادت سوءا بسبب الحرب في أوكرانيا.
وأشار فى احدث تقرير له عن مصر نستعرض بعض مقتطفاته، إنه فى 21 مارس الماضي، سمح البنك المركزي المصري بانخفاض سعر الصرف فجأة بنحو 16% لوقف العجز المتزايد في صافي الصادرات.
كما رفع أسعار الفائدة 100 نقطة أساس للحد من التضخم وتدفق المحافظ الاستثمارية خارج البلاد الأمر الذي تسبب في تراجع الاحتياطيات، وفي الوقت نفسه، أعلنت الحكومة تطبيق حزمة من الإجراءات لمواجهة تلك التداعيات بقيمة 130 مليار جنيه (1.6% من إجمالي الناتج المحلي للسنة المالية 2022/2023) وذلك للتخفيف من تأثير ارتفاع الأسعار من خلال رفع أجور القطاع العام ومعاشات التقاعد، والتدابير الضريبية، وتوسيع تغطية برامج التحويلات النقدية.
وكانت التطورات الاقتصادية العالمية السلبية التي تفاقمت مؤخراً بسبب الحرب في أوكرانيا هي السبب الرئيسي في هذه التعديلات على صعيد السياسات، كما أنها تعكس الحاجة لمعالجة التحديات الهيكلية التي يواجهها الاقتصاد المصري والتي أدت إلى ضعف أداء الصادرات غير النفطية والاستثمار الأجنبي المباشر مقارنه بإمكاناته المحتملة.
جدير بالذكر أن النشاط الاقتصادي في مصر كان يتعافى بقوة قبل الصدمات الخارجية التي أدت إلى هذه الإجراءات على صعيد السياسات، وذلك على الرغم من أن معدلات التضخم والضغوط على حسابات المعاملات الخارجية كانت آخذة في الازدياد. وقد ارتفع معدل النمو بقوة ليصل إلى 9% خلال النصف الأول من السنة المالية 2021/2022 (يوليو - ديسمبر 2021)، مقارنة بمعدل متواضع بلغ 1.4% قبل عام واحد.
وكان لاستئناف رحلات السفر والتجارة الدوليين، وانتعاش الطلب العالمي وغيرهم من العوامل إلى انتعاش قوي في قطاعات التصدير. وعلى جانب الطلب، تحسن الاستهلاك والاستثمار، على الرغم من اتساع العجز في صافي الصادرات. ويرجع ذلك في جانب منه إلى أن الارتفاع في سعر الصرف الحقيقي على مدار السنوات السابقة شجع نمو الواردات، كما أدى الارتفاع المتسارع في أسعار السلع الأولية العالمية إلى تضخم فاتورة الواردات المصرية.
وتراجع مركز صافي الأصول الأجنبية لدى البنوك المحلية منذ بداية السنة المالية 2021/2022، مما يشير إلى أن حسابات المعاملات الخارجية قد تعرضت لضغوط قبل تصاعد الحرب في أوكرانيا، وأن الجهاز المصرفي ربما تحمل جانباً من هذه النتائج، وساند بشكل غير مباشر احتياطيات النقد الأجنبي. وكانت الأسعار المحلية ترتفع تدريجياً، وقفز معدل التضخم إلى 8.8% في فبراير/شباط 2022 (بأكثر من 2.7 نقطة مئوية عن متوسطه منذ بداية السنة المالية 2021/2022) مما يعكس التداعيات المبكرة للحرب في أوكرانيا.
واكد البنك الدولى أن مصر لا تزال ماضية على المسار الصحيح لتحقيق معدل نمو أعلى في السنة المالية 2021/2022، لكن من المتوقع أن يتأثر النشاط الاقتصادي بتداعيات الحرب في أوكرانيا، فضلاً عن الآثار الأساسية لإنهاء العمل بتدابير التحفيز، ومن المتوقع أن يبلغ معدل النمو في المتوسط 5.5% في السنة المالية 2021/2022 ارتفاعاً من 3.3% قبل عام، وهو ما يعكس بشكل رئيسي قوة الأداء في النصف الأول من العام. ومع ذلك، من المتوقع أن يبدأ انحسار تأثيرات فترة الأساس والطلب المفرط وسيتأثر النشاط الاقتصادي سلباً بتداعيات الحرب الدائرة في أوكرانيا، وبالتالي من المتوقع أن يتباطأ النمو إلى 5% في السنة المالية 2022/2023.
ومن المتوقع أن يتجاوز التضخم النطاق المستهدف للبنك المركزي المصري (7% (+/-2)%) خلال الفترة المتبقية من السنة المالية 2021/2022 بسبب تأثير خفض قيمة الجنيه، والتضخم الناجم عن ارتفاع أسعار الواردات، والاختناقات المحتملة في جانب العرض، إلى جانب استمرار تعديل أسعار الوقود بالزيادة.
وتزداد حدة الفقر نتيجة تقويض التضخم للدخل الحقيقي على الرغم من توقع أن تسفر بعض تدابير التخفيف الاجتماعية من حزمة المالية العامة الأخيرة وبرامج الدعم الغذائي والتحويلات النقدية الحالية، فضلاً عن الاحتياطيات الكبيرة نسبياً من القمح وغيره من الحبوب عن تخفيف بعض التداعيات.
وفي 23 مارس 2022، طلبت مصر مساندة من صندوق النقد الدولي، وهو ما يمكن أن يسفر عن برنامج يحتمل معه تقديم تمويل، مما يؤدي بدوره إلى ارتفاع الاحتياطيات، وتشمل العوامل المُخففة الأخرى المحتملة الدفعة التي يمكن أن تمنحها الأسعار العالمية المرتفعة لصادرات الغاز المصري، وتحويلات المصريين العاملين في دول مجلس التعاون الخليجي، وتدفقات الاستثمار المباشر الأجنبي إلى أنشطة استخراج النفط والغاز.
كما أصدرت مصر أول سندات "ساموراي" مقومة بالين الياباني بقيمة 500 مليون دولار في نهاية مارس 2022، ومن المتوقع أن تستمر في إصدار السندات السيادية الأخرى، بما في ذلك السندات الخضراء والصكوك المبتكرة.
وذكر تقرير البنك انه قامت مصر بتدعيم إجراءات الحماية الاجتماعية، وتوسيع نطاق البرامج القائمة، وتطبيق تدابير تخفيف رئيسية في بداية جائحة كورونا، ومؤخراً بسبب التداعيات السلبية للحرب في أوكرانيا. ومع ذلك، فإن تزايد الضغوط التضخمية يستلزم زيادة تكثيف جهود الحد من الفقر، ويقتضي ذلك رفع كفاءة الإنفاق العام وتعبئة الإيرادات للنهوض برأس المال البشري والمادي للسكان الذين يزيد عددهم على 103 ملايين نسمة.
ومن الضروري مواصلة تنفيذ الإصلاحات الهيكلية لإطلاق العنان لإمكانات القطاع الخاص في الأنشطة ذات القيمة المضافة الأعلى والموجهة نحو التصدير لإيجاد فرص العمل وتحسين مستويات المعيشة.
وأضاف إن الحكومة شرعت في تنفيذ برنامج "مصر تنطلق" (السنوات المالية 2018/2019 إلى السنة المالية 2021/2022) يليه البرنامج الوطني للإصلاحات الهيكلية الذي أُطلق حديثاً (السنوات المالية 2021/2022- 2023/2024) من أجل تنفيذ إصلاحات "الموجة الثانية" الهيكلية بدرجة أكبر، والبناء على الإصلاحات التي ساهمت في استقرار الاقتصاد فيما قبل الجائحة.
وتهدف هذه البرامج إلى تحسين المستويات المعيشية والخدمات المقدمة لجميع المصريين دون تمييز. كما تعمل الحكومة على تنفيذ مجموعة من السياسات الهيكلية لمعالجة الاختلالات القائمة، وتدعيم شبكات الأمان الاجتماعي وتحسين استهدافها للمستحقين، وتنمية رأس المال البشري في مصر.