عادل السنهورى

ماجدة الرومي ...الفنانة المثقفة.. هل الموهبة وحدها تكفي..؟

الأحد، 13 نوفمبر 2022 11:26 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

هل من الضروري أن يكون الفنان مثقفا ..؟ وهل من الضروري أن يحصن نفسه بصحبة من العقلاء والمثقفين يهدونه ويدلونه دائما الى القرارات الصحيحة وتجنب الوقوع في أخطاء اجتماعية وسياسية ... و" زلات اللسان" التي لا يغفرها له الجمهور...وتظل تطارده مهما كانت درجة اعتذاره وتراجعه وتوبته عنها.

لماذا هذه الأسئلة وهي -كما يقال -لا جديد فيها يقال ولا قديم عنها يعاد. لأن الإجابة عنها بديهية وأساسية ، فالفنان الممثل أو المطرب تحديدا هو الأداة التي تصل عبر صوته أو أداءه قيم وتقاليد وأفكار متعددة ويصبح هو -أو هي – القدوة والمثل لملايين من الناس يتابعونه ويراقبونه ويقلدونه في كل حركة وكلمة ويتأثرون به.

هنا نعيد السؤال بصورة أخرى .. فاذا كانت الأسئلة السابقة بديهية ولا تحتاج الى إجابة . فما الداع أن يقع فنانين وفنانات – يفترض فيهم أو فيهن القيمة الفنية والموهبة- في أخطاء وزلات تربك حساباتهن وتعرقل نموهن الفني وتقف عائقا أمام تطور موهبتهن.

هنا أيضا نعيد مناقشة قضية قديمة يسترجعها النقاد والمتخصصون مع كل أزمة فنية .. وهي هل الموهبة وحدها كافية للفنان أم أن الدراسة  والتعلم والوعي والثقافة حتمية ضرورية للفنان تلازم موهبته.

نستعيد من الماضي الذي مازال هو الشرعية والمقياس للحكم على كل ما يعده... نستعيد زمن الاربعينات والخمسينات والستينات وحتى منتصف السبعينات.

سيدة الغناء العربي أم كلثوم رغم أنها قرأت وحفظت القرآن وأتقنت اللغة العربية من أبيها وشقيقها لكنها عندما جاءت الى القاهرة سعت الى المزيد من العلم والثقافة، فجلست تتعلم من كافة أساتذتها من الشيخ أبو العلا وزكريا أحمد. ثم المعلم الأكبر في حياتها – الحبيب العاشق – أحمد رامي، فجلست اليه لتتعلم منه اللغة العربية والفرنسية بعد أن خصص لها رامي يوم إجازته ليكون معلمها فى اللغة والأدب، وفى كل أسبوع كان يعطيها كتابا أو ديوانا ويناقشها فيه فى الاسبوع التالي. لذلك فقد دخلت أم كلثوم عالم الفن الحقيقي من بوابة الثقافة فلم تكتف بموهبتها الطاغية لتزينها أيضا بالعلم والثقافة لذلك أصبحت وستبقى الى أن يشاء الله ...كوكب الشرق وسيدة الغناء العربي

الحال نفسه مع موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب الذى صقل وعيه ومعرفته بأمير الشعراء أحمد شوقي فنانا ومثقفا.. وكانت دائما جلسات كبار الكتاب والمثقفين وغيرها نجوم العصر الذهبي فى الغناء والتمثيل

العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ لم يكتف بموهبته وعلاقاته القوية مع الزعيم عبد الناصر فصقل هذه الموهبة بالثقافة والقراءة والجلوس الى كبار المثقفين والكتاب والمفكرين أمثال هيكل ومصطفى أمين واحسان عبد القدوس.

حتى الفنان الفلاح القادم من ريف الدلتا وأكتسح الساحة الفنية بموهبة طاغية ، محمد رشدي لم يترك موهبته تضيع دون سبكها بالثقافة أيضا فصادق الناقد والأديب الكبير الراحل رجاء النقاش والكاتب الصحفي والروائي محمد جلال.

الحكاية لم تنتهي ومازالت الثقافة رغم اختلاف الزمن وتعاقب الاجيال هي الصانع الحقيقي للنجوم فالموهبة وحدها لا تكفى لصناعة نجم حقيقي.

الأيام الأخيرة أثبتت أن نموذج مثل الفنانة العربية اللبنانية " ملكة القلوب" فراشة الأغنية العربية " ماجدة الرومي هي خير مثال للنجم الفنان الموهوب والمثقف الذي يحكمه عقله قبل لسانه. هذه الفنانة التي تذوب عشقا وهياما في مصر لم يعرف عنها أنها تورطت من قبل في تصريحات تضعها في مأزق فني وجماهيري وسياسي أيضا. ففي الأيام الماضية ومع الجهل السائد لدى عدد ليس بالقليل من الفنانين والفنانات خرجت ماجدة بكلمات أبكت القلوب قبل العيون للدفاع عن مصر ضد بعض من تورطوا بكلمات لا يدركون مدى تأثيرها السلبي وقالت :" (كفوا أيديكم على مصر العروبة.. خربتوا أوطانكم ...ولم يبق لنا إلا مصر )

ليست هذه هي المرة الأولى التي تصرح فيها ماجدة الرومي وتعلن على الملأ سواء في القاهرة أو دبي أو الرياض أي عاصمة عربية حبها لمصر ." الحضن الدافئ اللي بيجمعنا ونرتاح فيه من تعب الحروب والدمار، الله يحمي مصر ويبعد عنا كل مكيدة واشوفها متحاوطة بايد الرب ومحمية".

دائما ما تصرح سفيرة الأغنية العربية بأن مصر «بلدي الثاني ، نصف قلبي مصري، أم الدنيا لها مكانة خاصة بداخلي" ولا يمكن نسيان لحظة بكاءها وتقبيلها للعلم المصري في مهرجان الموسيقى العربية العام الماضي. ولذلك كان تكريم مصر لها بفتح أبواب قصر القبة لأول مرة أمام مغنية مصرية أو عربية للغناء فيه في حضرة رئيس الدولة وكبار قادتها في العام الماضي.

فنانة مثقفة بحق تعرف متى تتكلم ومتى تصمت . احترامها لفنها ولجماهيرها العريضة في الوطن العربي وايمانها الشديد بعروبتها وحبها لأوطانها العربية وفي القلب منها مصر المحروسة منحها حب لا مثيل له وتقدير كبير من كافة الشعوب العربية وتم اختيارها سفيرة للنوايا الحسنة لدى الأمم المتحدة، وسفيرة لدى منظمة الفاو.

ماجدة الرومي التي ولدت في كفر شيما بلبنان في 13 ديسمبر 1957 لأب لبناني هو الموسيقار الشهير حليم الرومي وأم مصرية من بورسعيد أدركت أن الموهبة وحدها لا تكفي أو حتى وراثة الفن عن أبيها وأصدقاءه من كبار الفنانين وانما تحصنت بالثقافة والتعلم بعد أن أكملت تعليمها وحصلت على شهادة البكالوريوس في الأدب العربي من الجامعة اللبنانية.

هذا الفارق بين الموهبة المحصنة والمحمية بالثقافة وبين موهبة أهدرها صاحبها أو أهدرتها صاحبتها و التاريخ الفني مليء بمواهب كثير أضاعها الهوى وأتلفها المزاج المتقلب ولم تتمكن أن تحافظ على موهبتها ولم تترك سوى الشفقة عليها والحسرة على الموهبة المهدرة.

وفي أيامنا هذه نراقب بعض هذه المواهب التي يبدو أنها استعصت على التعلم والثقافة أو على الأقل مصاحبة المثقفين والعقلاء والراشدين، وتركت موهبتها مثل ريشة في مهب الريح والعواصف فتوشك على الضياع، ومازلنا نناشد أصحابها بالمحافظة عليها الا اذا كانت الحماقة أعيت من يداويها. أو أن  كما قال المتنبي :" ذو العقل يشقي في النعيم بعقله  وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم.

 










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة