أكرم القصاص - علا الشافعي

بيشوى رمزى

ماكرون في "COP 27".. ومسارات باريس لتحدي "الهيمنة" الأمريكية

الإثنين، 14 نوفمبر 2022 02:07 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

نشاط دبلوماسي مكثف تقوده فرنسا في المرحلة الراهنة، لتعزيز دورها القيادى في العالم، من خلال التداخل في العديد من القضايا الدولية، وهو ما بدا خلال مشاركة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في العديد من الفاعليات الدولية، وآخرها قمة المناخ المنعقدة حاليا في مدينة شرم الشيخ، وذلك على العديد من المستويات التي تعكس طموحا بات مرتبطا برؤيته، حول استعادة المكانة التي كانت تحظى بها بلاده منذ عقود طويلة من الزمن، وهو الأمر الذى عبر عنه في مناسبات عدة، وهو ما أثار تحفظ واشنطن، خاصة في عهد الإدارة الأمريكية السابقة برئاسة دونالد ترامب، والذى كان قراره بالانسحاب من اتفاقية باريس المناخية يحمل، في جزء منه، محاولة لكبح جماح الرئيس الطموح.

ولعل المشهد الأكثر بروزا في هذا الإطار تجسد في الدعوة التي أطلقها ماكرون، في عام 2019، بتأسيس جيش أوروبي موحد، في عام 2019، معتبرا أن حلف الناتو، بقيادة الولايات المتحدة "مات إكلينيكيا"، وهو ما أثار حفيظة ليس واشنطن فقط، ولكن أيضا عددا من القوى الأوروبية التي مازالت تراهن على "الحماية" الأمريكية، باعتبارها القائد الفعلي لدول "المعسكر الغربي"، وهو ما ساهم في تراجع قدر كبير من الزخم للمبادرة الفرنسية، رغم كونها تقدم بديلا للاعتماد الأوروبي الكامل على أمريكا، في ظل حالة غير مسبوقة من التخلي عن الحلفاء، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، تجلت في العديد من الجوانب، منها إعادة الرسوم الجمركية على الصادرات القادمة من دول القارة العجوز، وهو ما أصاب الاقتصاد الأوروبي بحالة من الارتباك، ناهيك عن التلويح المستمر من الإدارة السابقة بورقة الناتو، والتحول نحو الشرق على حساب القوى الرئيسية في أوروبا.

والمتابع لنشاط ماكرون خلال قمة شرم الشيخ، ربما يلحظ مسارات الرؤية التي يتبناها، في قيادة ما يمكننا تسميته بـ"الثورة" الأوروبية على القيادة الأمريكية للغرب، ربما أولها يتعلق بمكافحة ظاهرة التغيرات المناخية، والتي تمثل الموضوع الرئيسي للقمة، خاصة وأن فرنسا، والتي يرتبط اسمها بأحد أهم الاتفاقيات التي تمكن قادة العالم من التوصل إليها، في عام 2015، وبالتالي صارت جزء لا يتجزأ من نفوذها على المستوى الدولي، وهو ما يعني تطلعها للقيام بدور قيادي في هذه القضية خلال القمة التي تمثل أهمية استثنائية في ضوء تزامنها مع "حزمة" من الأزمات الدولية، وعلى رأسها الأزمة الأوكرانية، والتي ترتبط في تداعياتها بالعديد من المشتركات، وعلى رأسها قضيتي الغذاء والطاقة.

إلا أن حديث ماكرون حول المناخ خلال القمة، حمل انتقادات صريحة للولايات المتحدة، عندما دعا الدول الغنية غير الأوروبية، ولاسيما الولايات المتحدة، لدفع حصتها فى مساعدة الدول الفقيرة على مواجهة التغير المناخي، وهو ما يحمل اتهاما صريحا لواشنطن بالتقاعس في القيام بدورها باعتبارها القوى المهيمنة على العالم، في مواجهة أزمة كبيرة، لا يقتصر نطاقها على منطقة بعينها، وإنما تمتد إلى "الكوكب" بأسره، وهو ما يجعلها تقع ضمن ما تعتبره الأمم المتحدة، في ميثاقها، تهديدا صريحا للسلم والأمن الدوليين.

ولكن بعيدا عن القضية المناخية، يتجلى المسار الاخر الذي تبناه ماكرون، عبر نشاطاته على هامش القمة، تعزيزا للرؤية الفرنسية، التي تقوم في جزء منها على "لم الشمل" الأوروبي، وهو ما بدا في لقاء أجراه مع رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، في محاولة لتحقيق قدر من التقارب على المستويين، الفردى، فيما يتعلق بالعلاقة بين البلدين من جانب، والجماعي بين "أوروبا الموحدة"، ولندن، بعد مرحلة من التباعد الملحوظ على خلفية خروج الأخيرة من الاتحاد الأوروبي، من جانب أخر، حيث يبقى الابقاء على الوحدة الأوروبية أحد أهم رهانات الإليزيه، لاستعادة الدور، سواء الفرنسي أو القارى على المستوى العالمي، بالإضافة إلى أن التقارب مع بريطانيا يمثل محاولة صريحة لمزاحمة نفوذ واشنطن في أحد أهم مناطقها الاستراتيجية في القارة العجوز.

وبالطبع لم تخرج الأزمة الأوكرانية عن حسابات قصر الإليزيه، في ظل مساع كبيرة للقيام بدور فعال في احتواء الأمور وهو ما يبدو في الإعلان عن استضافة مؤتمر حول أوكرانيا، في ديسمبر المقبل، وهو ما تم الإعلان عنه قبيل انطلاق القمة بأيام، في محاولة لتقديم نفسها مجددا كلاعب أوروبي مهم، يتحرك بقدر من الاستقلالية عن القيادة الأمريكية.

التحركات الفرنسية امتدت إلى مستويات أخرى، أبرزها تعزيز العلاقة مع القوى الإقليمية الفاعلة، في العديد من مناطق العالم، وعلى رأسها مصر، وهو ما يمثل مسارا ثالثا لرؤية ماكرون، وهو ما بدا في لقائه مع الرئيس عبد الفتاح السيسي، على هامش قمة المناخ، في ظل دورها الرائد في العديد من القضايا الدولية والإقليمية، ليس فقط في منطقة الشرق الأوسط، ولكنها تحظى بأهمية كبيرة في عمقيها الإفريقي والمتوسطي، وهي المناطق التي تسعى باريس لتعزيز دورها بها في المرحلة المقبلة للقيام بدور أكبر على المستوى الدولي.

وفي هذا الإطار، لم يتوقف المسعى الفرنسي على تعزيز دورها في إفريقيا والشرق والأوسط، وإنما امتد إلى دول أمريكا اللاتينية، وهو ما بدا في لقاء ماكرون مع الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، والذي لم يتجاوز دقائق معدودة، إلا أنه يحمل في طياته رسائل شديدة اللهجة للحليف الأمريكي، خاصة وأن النظام الفنزويلي يبقى أحد الأنظمة "المارقة" من وجهة نظر واشنطن والغرب، وبالتالي فإن هذا اللقاء، رغم قصر مدته، يمثل مؤشرا مهما لاحتمالات الخروج عن "البوصلة" الأمريكية.

وهنا يمكننا القول بأن تحركات ماكرون الدبلوماسية في قمة المناخ بشرم الشيخ، تمثل ترجمة فعلية للعديد من المسارات التي تمثل، في مجملها، الرؤية الفرنسية، لقيادة حالة من التمرد على القيادة الأمريكية للمعسكر الغربي، في ظل تواتر الأزمات على القارة العجوز، دون تدخل من جانب واشنطن، بالإضافة إلى السعي لاستعادة دور فرنسا علة المستوى العالمي.










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة