كشفت دراسة حديثة، أن قمة المناخ بشرم الشيخ رقم 27، جاء بمثابة بوابة التنفيذ لكل قمم المناخ السابقة من خلال تنفيذ عدة خطوات على رأسها مناقشة قضية التمويل المناخي، ولذلك يُعد برنامج "نُوَفِّي" الذى أطلقته وزارة التعاون الدولى مؤخرا مشروعًا وطنيًا وجزءًا من الاستراتيجية الوطنية للتغيرات المناخية 2050، واستمرارًا للجهود المصرية المبذولة منذ عام 2014 فى مواجهة التحديات المناخية، ورسالة مصرية لجميع دول العالم ودعوة للتعاون من أجل حشد الجهود الدولية للتحول الأخضر.
أضافت الدراسة التي أعدها الدكتور أحمد سلطان ونشرها المركز المصرى للفكر والدراسات أن "نوفى" برنامجا وطنيا تقدم من خلاله مسارًا متكاملًا للتعاون بين الحكومة المصرية والقطاع الخاص من خلال مجموعة من المشروعات التنموية، ونستطيع القول بأن قمة المناخ هى الأنجح فى تاريخ القمم السابقة، واستطاعت تحقيق المعادلة المناخية الصعبة وهي كيفية جعل التكيف قابل للتمويل وتحقيق التوازن بين التكيف والتخفيف.
ذكرت الدراسة أن العديد من الدول تحتاج إلى توفير تمويلات لمشروعات خفض معدلات الانبعاثات الضارة، مثل مشروعات الطاقة الخضراء أو المتجددة، مما يقلل من استخدام الوقود الأحفوري الأكثر ضررًا بالبيئة في توليد الكهرباء، ومع أزمتي الركود وتسارع التضخم اللتين تؤثران بشكل كبير في الاقتصاد العالمي، ظهرت تحديات توفير تمويلات من الدول الكبرى والمنظمات الدولية لمشروعات المناخ.
وأكدت أن الدول المتقدمة تعهدت بتقديم نحو حوالي 100 مليار دولار سنويًا بحلول عام 2020، لمساعدة الدول النامية على التكيف مع آثار التغير المناخي والعمل على خفض الانبعاثات الكربونية الضارة أو منعها، ولكنها في الحقيقية لم تفٍ سوى بقرابة 80 مليار دولار منذ عام 2015.
أضافت الدراسة أنه من هنا جاءت الفكرة المصرية بإنشاء منصة وطنية تدعم التحول الأخضر، بهدف جذب وحشد الجهود الدولية نحو تمويل مشروعات التحول الأخضر فى الدولة المصرية، انطلاقًا من تدعيم بعض المؤسسات والبنوك للدول التي تمتلك رؤية واضحة لمواجهة التحديات المناخية من خلال منح وقروض ميسرة، وعلى سبيل المثال جنوب أفريقيا التي استفادت بحوالي أكثر من 8 مليار دولار من أجل خفض إنتاج الفحم.
ولفتت الدراسة إلى أن برنامج نوفى عبارة عن منصة أطلقتها وزارة التعاون الدولي فى بداية يوليو الماضي، بالتعاون مع الجهات الوطنية المعنية في ضوء الجهود الوطنية لتحفيز العمل المناخي وتحت مظلة الاستراتيجية الوطنية للتغيرات المناخية 2050، وتنفيذًا لتوجيهات رئيس مجلس الوزراء د.مصطفى مدبولي، بإعداد والترويج لقائمة المشروعات الخضراء، وذلك بهدف حشد التمويلات التنموية الميسرة ومنح الدعم الفني لتنفيذ المشروعات الخضراء، وأيضًا التمويلات المختلطة التي تحفز مشاركة القطاع الخاص، انطلاقًا من توجه الدولة نحو توسيع قاعدة دور القطاع الخاص في جهود التنمية.
وتأتى المنصة لتعزيز جهود تحقيق النمو الشامل والمستدام وتحقيق التنمية منخفضة الكربون، وبناء المرونة والقدرة على التكيف مع ظاهرة التغيرات المناخية، وتحسين حوكمة وإدارة العمل في مجال التغير المناخي، وتطوير البنية التحتية لتمويل الأنشطة المناخية، فضلًا عن تعزيز أنشطة البحث العلمي ونقل التكنولوجيا. وتعني باللغة الإنجليزية From Pledges to Implementations Egypt’s Nexus Of Water, Food & Energy، وباللغة العربية محور الارتباط بين مشروعات المياه والغذاء والطاقة من التعهدات إلى التنفيذ.
واختصاره NWFE أي نُوَفِّي بما يعني الوفاء بالتعهدات، وهو شعار الرئاسة المصرية لمؤتمر لمناخ، وهو ما يؤكد جدية مصر فى التعامل مع التحديات المناخية، حيث وضعت خارطة طريق لمواجهة التحديات المناخية فيما يتعلق بتسريع مشروعات الاقتصاد الأخضر من خلال تنفيذ مشروعات الطاقة المتجددة والإدارة المستدامة للموارد المائية وغيره.
أكدت الدراسة أن المنصة تعمل على تحقيق أهداف رئيسة نحو سعي مصر إلى تحقيق خطط الاستراتيجية الوطنية للتغيرات المناخية 2050 مما يساعد فى تحقيق نمو اقتصادي مستدام وتنمية منخفضة الانبعاثات في مختلف القطاعات، والتأكيد على التزام الدولة المصرية بإتفاقية قمة باريس عام 2015 والعمل المناخي، إلى جانب فرصة هائلة تطرحها الحكومة المصرية للقطاع الخاص للاستثمار فى مجالات مختلفة مثل الطاقة المتجددة وتحلية المياه والزراعة وغيرها ضمن محاور الطاقة والمياه والزراعة.
خلق فرص عمل، كذلك ستكون بمثابة الآلية التى ستعمل بها الدولة من خلال الترويج لقائمة المشروعات التنموية الخضراء فى كافة قطاعات الطاقة والمياه والغذاء.
كما أن البرنامج يساعد في حل العديد من المشكلات فيما يتعلق بكيفية جعل التكيف قابل للتمويل وتحقيق التوازن بين التكيف والتخفيف وكذلك تأمين الاحتياجات الأساسية وتحقيق مثلث الأمن (الأمن المائي والغذائي وأمن الطاقة) وتسريع معدل الجانب التنموي، إلى جانب توفير طاقة نظيفة لسد الاحتياجات الأساسية بالإضافة إلى تعزيز نسبة وصول المشروعات الخضراء إلى أكثر من حوالي 50% بحلول عام 2050، وكذلك بناء المرونة والقدرة على التكيف مع تغير المناخ وتخفيف الآثار السلبية المرتبطة به وتحسين حوكمة وإدارة العمل في مجال تغير المناخ، وتحسين البنية التحتية لتمويل الأنشطة المناخية وتعزيز البحث العلمي ونقل التكنولوجيا وتبادل المعرفة.
وتجدر الإشارة إلى أن مجموعة الدول السبع (G7) أطلقت مبادرة لتدشين منصات التحول العادل بقطاع الطاقة تحت مسمى . Just Transition Platform وذلك بهدف دعم البلدان الأكثر تلويثًا للبيئة للتحول إلى الطاقة النظيفة، وأطلقت بعض الدول بالفعل منصات شبيهة، لكن واجهتها بعض التحديات التي لم تمكنها من الحصول على التمويلات اللازمة والدعم من المجتمع الدولي، لذلك حرصت مصر على دراسة النماذج السابقة كافة لتلافي هذه التحديات، وصياغة إطار عام للترتيبات المؤسسية، بالتنسيق مع مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والاستثمار، وإعداد قائمة من المشروعات ذات الأولوية في مشروعات التخفيف والتكيف والمرونة.
وعلى ضوء هذه المبادرات ارتأت الحكومة المصرية، بأن يتم تدشين منصة وطنية للمشروعات الخضراء، تكون نموذجًا مشابهًا لمبادرة مجموعة الدول السبع، لكي تصبح نموذجًا إقليميًا ومنهجًا دوليًا من الممكن تعميم تجربتها فى العديد من دول العالم، وللدول غير الملوثة للبيئة والتي تساهم بنسب أقل في الانبعاثات لاسيما الدول النامية والاقتصاديات الناشئة وبالأخص دول قارة أفريقيا التي تسعى لحشد جهود التحول إلى الاقتصاد الأخضر، وخاصة أنها تساهم بنسبة أقل من حوالي 4% في الانبعاثات، بينما لا تتلقى سوى أقل من حوالي 5% من التمويل المناخي على مستوى العالم، وهو ما يقوض جهودها لتنفيذ المساهمات المحددة وطنيًا، ولذلك تعمل المنصة على جذب التمويلات لمواجهة تداعيات التغيرات المناخية وتعزيز جهود مصر نحو التحول الأخضر وتنفيذ مساهمتها المحددة وطنيًا، فى ظل فشل العديد من الدول نحو الوصول إلى حلول تتماشي مع اتفاق باريس للمناخ عام 2015.
وتضمنت الاستراتيجية الوطنية للتغيرات المناخية 2050، التي أطلقتها مصر خلال العام الجاري، حوالي أكثر من 26 مشروعًا ذات أولوية حتى عام 2050 والتي تٌشكل إطارًا مهمًا للتحول إلى الاقتصاد الأخضر. وبعد ذلك تم الوقوف على 9 مشروعات تنموية ذات أولوية من هذه المشروعات في قطاعات المياه والغذاء والطاقة وذلك في ضوء الأهمية القصوى لهذه القطاعات الثلاثة في ظل الأزمات والتحديات التي يشهدها العالم فى الفترة الراهنة.
وأكدت الدراسة أن التكلفة الإجمالية والاستثمارات المستهدفة حوالي 14.7 مليار دولار، وتتوزع بواقع مشروع ضخم في قطاع الطاقة، 5 مشروعات في قطاع الأمن الغذائي، و3 مشروعات في قطاع الأمن المائي، وحوالي 10 مليار دولار لقطاع الطاقة وحوالي 1.35 لقطاع المياه وحوالي 3.35 لقطاع الزراعة والأمن الغذائي. ليصبح الإجمالي حوالي 14.7 مليار دولار.
وفى قمة المناخ رقم 27 المنعقدة حاليًا، أعلنت الحكومة الألمانية توفير تمويلات عبارة عن 10 مليون يورو فى صورة مبادلة ديون بالإضافة إلى حوالي 5 مليون يورو للمساهمة فى تمويل محور الطاقة ضمن البرنامج. بالإضافة إلى أن وزارة التعاون الدولي المصرية أعلنت الثلاثاء الماضي، أن برنامج نُوَفِّي جمع تمويلات إنمائية ميسرة قيمتها حوالي 10.3 مليار دولار، بعد توقيع عدد من اتفاقيات الشراكة وخطابات النوايا مع شركاء التنمية متعددي الأطراف والثنائيين والمؤسسات الدولية، لتمويل مشروعات البرنامج في قطاعات المياه والغذاء والطاقة.
ووفقا للدراسة تأتي أهمية الطاقة المتجددة من خلال ربط الطموح المصري بزيادة مساهمة نسبة الطاقة النظيفة بتوفير الاحتياجات الأساسية للمواطن المصري، وهذا الملف شهد طفرة كبيرة جدًا من خلال تنفيذ العديد من المشروعات القومية ووضعت مصر الاستراتيجية الخاصة بالطاقة المستدامة والمتكاملة 2035 والتي تهدف لزيادة نسبة مساهمة الطاقة المتجددة إلى حوالي 42% وذلك بحلول عام 2035،والاستفادة منها فى قطاع الزراعة وإدخال أنواع جديدة من المحاصيل والتي تتمتع بقدرة كبيرة على التكيف مع التغيرات المناخية وبالإضافة إلى الاستفادة منها فى توفير مصدر للمياه عن طريق تحلية المياه باستخدام الطاقة المتجددة.
وتُعد مصر من الدول التي تبذل جهودًا نحو التوسع في تنفيذ مشروعات الطاقة المتجددة، وذلك بهدف خفض انبعاثاتها الضارة بالبيئة، بالتوازي مع تقليل فاتورة استيرادها للمنتجات والمشتقات البترولية. حيث جاءت مصر بالمرتبة الثانية أفريقيًا من حيث توليد الكهرباء عبر الطاقة المتجددة والأولى على مستوى الدول العربية. وسجلت الكهرباء المولدة من الطاقة المتجددة في مصر خلال العام الماضي نحو حوالي 10.5 تيراواط في الساعة، مقابل 9.7 تيراواط في الساعة خلال العام السابق له.
وكذلك ساهمت مصر في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بما يبلغ حوالي 0.6% من الإجمالي العالمي، ولكن مصر خفضت استهلاك الفحم بنسبة حوالي أكثر من 62.1%، مع ارتفاع توليدها للكهرباء عبر الطاقة المتجددة، مما ساعد على خفض حوالي 10 ملايين طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون خلال عام 2021، مع توفير حوالي 4 ملايين طن نفط مكافئ.
وأشارت الدراسة إلى أن أوديل رينو باسو رئيسة البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، بتنظيم مصر لمؤتمر المناخ، أشاد بدور مصر في مواجهة التغيرات المناخية ونوه بأن منصة نوفى تُعد نموذجًا رائدًا وتتضمن حشدًا من شركاء التنمية والقطاع الخاص، بالإضافة إلى أن تركيز الرئيس عبد الفتاح السيسي على هذه المنصة في كلمته أمام قمة القادة يعكس الدعم القوي الذي يقدمه.