نعرف الشاعر الكبير أحمد الشهاوى، يمتلك تجربة شعرية واضحة ولها علمها وسماتها الكتابية، ولكن ذلك لا يمنعه من خوض مجالات أخرى فى عالم الكتابة، وقد انتهيت مؤخراً من روايته الأولى "حجاب الساحر"، والصادرة عن الدار المصرية اللبنانية، وهى بالفعل رواية يكتبها شاعر، دخل إلى عالم السرد لكنه ظل محتفظا بما يملكه من قدرات شعرية، ولم يتخل عنها.
ولو تتبعنا أثر الشاعر فى الرواية سوف نجد الكثير، وسيصلنا شعور قوى بأن الرواية تتجاوز كونها قصة "شمس حمدي" بكل بهائها وحضورها، الذى يشبه "بطلات القصائد"، وتتجاوز أيضاً حب وتفانى "عمر الحديدى" الساحر الصوفى العاشق المستعد أن يفعل المستحيل لأجل من يحب، هى ذلك وأكثر.
ومما بالرواية من شعر أيضاً أنها على الرغم من كون أحداثها تدور حول ألم ومعاناة شخص واحد، لكنها كثيفة ومتنوعة فى عالمها، إننا نسير مع شمس حمدى وعمر بحثا عن حل لما ألم بشمس من ألم روحى انعكس على جسدها، فنذهب معهما من ساحر إلى ساحر ومن مكان إلى مكان نحفر فى البيت ونذهب للجزر الغريبة فى المحيط بحثا عن شجرة دم الأخوين وعنبر الحوت، ونقابل أناسا كثيرين، ونتعرف على ثقافات مختلفة ورؤى مغايرة.
من هنا يمكن القول إن رواية حجاب الساحر "معرفية" بامتياز، رواية مثقفة، لو جاز لنا الكلام، بها حديث عن السحروكتبه، والتصوف وطرقه، والحب وشجونه، والحضارات وسحرها، والأديان وأثرها، والأماكن وغرائبها، والجان وحضورها، والإنسان بخيره وشره، كل ذلك وأكثر سوف تجده فى الرواية، وهى عوالم متداخلة، وغير متنافرة.
ربما يستوقفك بعض الشيء تصديق أبطال الرواية لأمور السحر والربط والأعمال الخفية، قد تقبل ذلك، وقد تجد حاجزا نفسيا وأسئلة كثيرة، لكن فى إطار الرواية فإن ذلك مقبولا ومكتوبًا بكفاءة.
وفيما يتعلق بالكتابة، فإننا حتما سنتوقف عند اللغة، وهى أكثر ما تجلى فيها نفس الشاعر، لقد احتفظ أحمد الشهاوى على مدى النص السردى بروح شعرية ظهرت فى المفردات وفى التراكيب، فى الصور الشعرية والحوارات المحملة بالدلالات، لكن ذلك لم يبخس السرد حقه، فالشخصيات واضحة وأبعادها الاجتماعية والثقافية محددة ومعينة، كما أننا نتحرك للأمام ونواجه دوائر متعددة من الصراعات.
إن رواية حجاب الساحر لأحمد الشهاوى تمثل نوعًا من الكتابة أعرفه وأحبه، فقد خبرته كثيرا في تجارب الشعراء الذين يدخلون عالم السرد، حيث يحتفظون بنفسهم الشعري، فيقدمون لغة محملة بالجمال وقادرة على توصيل المعنى.