بيشوى رمزى

قمة "بايدن - شي".. تسليم "مفتاح" القيادة العالمية لبكين

السبت، 19 نوفمبر 2022 02:48 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

ربما اتسمت القمة التي عقدها الرئيس الأمريكي جو بايدن مع نظيره الصيني شي جين بينج، على هامش قمة العشرين في إندونيسيا، باستثنائيتها، ليس فقط على خلفية، الإرث المتوتر بين البلدين، والذي تأجج مع إجراءات أمريكية متواترة، في عهد إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، في إطار صراع اقتصادى طويل الأمد، بينما تفاقمت الأمور في عهد الإدارة الحالية مع زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي إلى تايوان في خطوة حملت استفزازا بالغا لبكين، وإنما أيضا تتزايد أهميتها بالنظر إلى الأحداث الدولية الراهنة مع تفاقم الصراع في أوكرانيا، والذي تتزايد من وراءه الضغوط على واشنطن لتقوية تحالفها الذي لم يعد كما كان في الماضي، في ظل حالة الانقسام الذي تشهده أوروبا في المرحلة الراهنة، سواء على الموقف من موسكو، في إطار العقوبات المفروضة عليها، من جانب، أو فيما يتعلق بالخلاف حول جدوى الرهان على الحليف الأمريكي من جهة أخرى.

 

ولعل الانقسام بين الأوروبيين، كان الدافع الأكبر وراء تحول النهج الأمريكي تجاه بكين، من الاستعداء، نحو الاستقطاب، عبر صفقة، ربما تجلت بوادرها بوضوح في تصريح بايدن على هامش لقائه بالرئيس الصيني، حول احترام مبدأ "الصين الواحدة"، وهو المبدأ "غير القابل للتفاوض" بالنسبة للإدارة الحاكمة في بكين، هو ما أثار استياء تايوان، التي وإن لم تعرب عن ذلك صراحة، ولكنها آثرت إصدار بيان، يبدو ردا على تصريح "سيد البيت الأبيض"، حول مواصلة الدفاع عن وحدة أراضيها، والديمقراطية، وهو ما يمثل إدراكا عميقا بأبعاد تلك الصفقة التي تسعى واشنطن لابرامها مع النظام الحاكم في بكين.

 

مزايا واشنطن المعلنة لبكين لم تقتصر على مجرد الإعلان بالتزام الإدارة الأمريكية بوحدة الأراضي الصينية، وإنما تبعه لقاء بين الرئيس شي جين بينج مع نائبة بايدن، ناهيك عن الإعلان عن زيارة قريبة لوزير الخارجية أنتوني بلينكن لبكين، في انعكاس لحالة من الانفتاح الأمريكي، سوف يترتب عليه انفتاح أكبر من الدول الحليفة لواشنطن، سواء في أوروبا، والتي تسعى لإيجاد بديلا تجاريا، بعد الاجراءات التي اتخذتها أمريكا تجاههم، أو من مناطق أخرى في العالم وهو ما بدا في قمة أخرى أجراها الرئيس الصيني مع رئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيزى، بعد سنوات من العلاقات المتوترة، على خلفيات تجارية.

 

ربما لم تتوقف الخطوات الأمريكية، لاسترضاء بكين عند هذا الحد، وإنما امتدت إلى ما هو أبعد من ذلك، عبر استبعاد رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي من قيادة الديمقراطيين، في مجلس النواب، بحجة إفساح المجال لمن هم أصغر سنا، وهو ما يمثل بعدا رمزيا مهما، خاصة إذا ما وضعنا في الاعتبار أن بيلوسي تبقى "بطلة" المشهد الاستفزازى للصين في تايوان.

 

المزايا الأمريكية للصين، من وجهة نظر واشنطن، تبدو للوهلة الأولى مرتبطة بمحاولة لفك الارتباط بينها وبين روسيا، خاصة وأن التقارب بينهما، يساهم في تقوية شوكة موسكو سياسيا، في ظل تأزم الأمور في أوكرانيا، وغياب مدى زمني محدود لها، وهو ما يمثل تهديدا صريحا للقيادة الأمريكية للعالم، مع حالة العجز في التعامل مع الأزمة، وانقسام الحلفاء، بينما يحمل أبعادا أعمق لبكين، والتي نالت ما يشبة "اعترافا"، بفضل الخطوات الأخيرة، من قبل واشنطن بمدى تأثيرها، وقدرتها على قلب الموازين في القضايا الدولية، وهو ما يمثل انتصارا مهما، على طريق الطموح الصيني، نحو مزاحمة أمريكا في موقع القيادة الدولية.

 

ربما يبقى مدى استجابة الصين لرغبات بايدن بالتخلي عن الحليف الروسي محل شك كبير، في ظل العديد من المعطيات، أبرزها قوة موسكو، وتصاعد نفوذها إلى حد بعيد على الساحة الدولية إلى الحد الذي دفعها لإعادة لملمة امبراطوريتها القديمة، بالاضافة شكوك إلى كبيرة بمدى التزام أمريكا بتعهداتها، خاصة المتعلقة بمبدأ "الصين الواحدة"، خاصة مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأمريكية واحتمالات عودة ترامب إلى السلطة، مع بزوغ نجمه مجددا، مع انتصار الجمهوريين في انتخابات التجديد النصفي الأخيرة، ناهيك عن المقاربات الكبيرة بين الوضع في أوكرانيا، والتي تتعامل معها موسكو باعتبارها جزء من أراضيها، من جانب، وتايوان من جانب أخر.

 

إلا أن الصفقة الأمريكية الصينية، تحمل في طياتها حقيقة ضمنية، وهي أن بكين لم تعد مجرد لاعبا هامشيا أو منافسا محتملا لانتزاع القيادة الدولية، أو على الأقل المشاركة الغعلية بها، وإنما أصبحت قوى نافذة، يمكنها القيام بدور لحفظ السلم والأمن الدوليين، في إطار دور يمكنها القيام به لاحتواء الأزمة الأوكرانية، والتي تمتد تداعياتها إلى مختلف مناطق العالم، بالاضافة إلى أنها فرصة استثنائية، لتوسيع نفوذها التجاري، بعد سنوات التضييق الامريكي عليها.

 

وهنا يمكننا القول بأن قمة بايدن - شي تجاوزت التقليدية التي تتسم بها مثل هذه اللقاءات، وإنما تبدو بمثابة تسليم "مفتاح" القيادة الدولية للصين، في المرحلة المقبلة، في ظل تفاقم الازمات، حيث يبقى نجاح بكين في احتواء الوباء، ونجاحها في حشد دول العالم النامي وراءها، عبر الدفاع عن حقوقهم في العديد من المحافل الدولية، مؤهلات مهمة لها للقيام بدور أكبر على المستوى العالمي، يتجاوز الدور المحدود الذي ترسمه واشنطن لها

 







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة