"لا يبدو أن قضايا المرأة ستكف عن الحضور، فهى تكر وتفر كخيول المعارك القديمة، وتترك غبارها فتعتم الرؤية وتجلو حسب طبيعة النقع المثار حول طبيعة هذه القضايا، لكن المحبط حقّا فى قضايا الإنسان عامة، ومنها قضايا المرأة أنها، على الأقل في العالمين العربى والإسلامى، لا تعرف طريق التطور، كما يحدث مع الآلات وأجهزة التواصل التى يتسابق الناس على جديدها، ويتركون وراءهم القديم، لأنه لم يعد مواكبا لخصائص العصر ومتطلبات التفاعل معه" هكذا استهل أحمد السرى، فى مقدمة كتابه "بنات هند.. عن المرأة فى تاريخ المسلمين والجدل المعاصر" الصادر حديثا عن الهيئة المصرية العامة للكتاب.
يضم هذا الكتاب دراسات متنوعة حول المرأة فى الماضى والحاض، ويتناول الكتاب عن أوضاع المرأة فى محطات مختلفة من التاريخ الإسلامى، ويعمل على تقويم الوعى ومنحه عمقًا ضروريًا يعين على تحديد الإشكاليات الثقافية التى تعيق النهوض المجتمعى بأحوال المرأة، إذ يرجع الأمر كله فى قضايا المرأة إلى البنية الثقافية التى نمت وتجذرت عبر القرون، ويلقى الضوء على أصول ثقافتنا الحاضرة، وبيان أشكال التعامل مع المرأة فى تاريخ المسلمين بمحطاته المضيئة والمعتمة، ويؤمل منها أن تسهم فى تحرير الوعى التاريخى المعاصر الصالح وعى أكثر قربا من نبض الإنسان الحى وحاجاته المعاصرة.
ويعالج الكتاب صورا للمرأة منحدرة من القرن الأول الهجرى، وفيه سيرة هند بنت عتبة التى استعار المؤلف اسمها عنوانا لكتابه، ويذكر أن بنات هند هن نساء العرب في هذا الزمان، حيث يرى في هندا النموذج التاريخي الذي يراه مميزا ونافعا، ورغم أن هند ليست النموذج الوحيد، إلا أنها الأبرز بين نماذج أخرى لافتة تقدم جوانب مختلفة لحضور المرأة العربية المسلمة في التاريخ.
ويتطرق الكتاب إلى مفهوم قوة المرأة الذى تحدث عنه العلامة الصوفي ابن عربى، حيث قدم تعريقا يغاير المألوف الحسى في النظر القوة باعتبارها صلابة بدنية وعنف واقتدار على الغلبة، وقدم قوة أخرى تتسامى وتترمز وتشكل قوى أمضى من قوة العضلات وهى قوة الجذب أو القوة المطلوب، وهى قوة تتمثل في كون المراة مطلوبة للرجل، وكونها مطلوبة يمنحها قوة لا يقدر أشد الرجال على مقاومتها، وقوة المرأة تكمن في القابلية والانفعال وبما تحمله من قدرة على الخلق والإيجاد، فالمرأة توقظ الرجل في الإنجذاب إليها، وتثير الرغبة والحب، فيعرف في باطنه في حنينه وافتقاره إليها، ويخال نفسه القوى الشديد ويدفعه عشقه للإنحناء أمامها، وفى ذلك قوة لا تقارع.
ويذهب الكاتب إلى أن حب المرأة مرتبطا في مفهومه بحب الله، فحين يحب رجل امرأة، يصير حب المرأة في هذا المقام تخلقا إلهيا وإرثا معنويا، ومن هنا يفهم معنى الحديث النبوى الذى يقول: " حبب لي من دنياكم ثلاث: الطيب، والنساء، وجعلت قرة عيني في الصلاة" وذلك كون الله هو مانح هبة الحب، معتبرا أن حب المرأة يحقق الكمال البشري.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة