صدر حديثا .. كائنات ليست من ورق كتاب جديد لـ سمية عزام

الأحد، 27 نوفمبر 2022 03:50 م
صدر حديثا .. كائنات ليست من ورق كتاب جديد لـ سمية عزام كائنات ليست من ورق
أحمد إبراهيم الشريف

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

صدر حديثا كتاب "كائنات ليست من ورق.. قراءة بينية مقارنة في المتخيّل السردي" للناقدة اللبنانية الدكتورة سمية عزام، عن منشورات غاف.

وجاء في مقدمة الكتاب:

يجسّد السرد ظاهرات تكثّف المعرفة بالمجتمع والحياة والكون. ولئن تقوم الفينومينولوجيا بدراسة الظاهرة من طريق تحليل مختلف أبعاد التجربة الإنسانيّة المعيشة، بحيث يتضمن العالم الموجودات كلّها حينما يعمل على منحها معنى مشتركًا؛ فيندفع الباحث إلى الالتصاق بالتجربة النصّيةّ، يحياها ويصفها ليفهمها باحثًا عن معناها. لذا استثمرت القراءة بعض مفاهيم الفينومينولوجيا في الفصلين الأول والثاني، بغير البحث في عوالم المؤلّفين المَعيشة وتجاربهم الخاصّة المحوّلة الى لغة في النصوص موضوع الدراسة.

ارتكز الدرس على عالم النص المعيش، وتجارب الشخصيات، بغية وصف ما يفجع الإنسان في جسده ومكانه، والكشف عن المواقف التي يتخذها إبّان الفاجعة وإزاءها. ولأنّ الأدب المقارن في أحد تعريفاته فنّ تقريب الأدب إلى مجالات المعرفة الأخرى من طريق البحث عن روابط التشابه، وتقريب الأحداث والنصوص في ما بينها، بهدف وصفها وفهمها، فذلك يلتقي مع غرض الدراسة الفينومينولوجيّة لفهم أفضل للسرد بما هو أحد المظاهر النوعيّة للروح الإنسانيّة.  

كائنات
 

وإذا ما كانت الفلسفة فن طرح السؤال وتفكّرًا، فهي تتقاطع مع مفهوم الرواية في قابليّتها لإثارة الأسئلة الوجوديّة وتعزيز القلق المعرفي لدى قارئها. فسعيت إلى البحث عن الخطابات المتفاعلة لتفكيكها، وعن التناصّات مع المرجعين الثقافي والتاريخي للنص، وعن التجربة الإنسانيّة لتأويلها في الفصل الثالث؛ لأنّ النص طبقة من طبقات الوعي، وقطعة من الحياة باتّصافها "النصّ الأكبر القابل للتأويل". وإذا ما ذهبت قراءتي في اتجاه الدراسة البينيّة التي تتخذ أكثر من حقل معرفيّ مرجعيّة لها، فلأنّه أصبح لزاماً فتح المسارات بين الحقول المعرفيّة ومراجعة تخصّصات علميّة تتآزر ابتغاء الكشف وفهم أي ظاهرة من زوايا مختلفة. ففي القراءة البينيّة نشعر بحضور معنى "واو العطف" الواصلة بين العوالم والأشياء والأحداث والأمزجة، والجامعة بين نتف العلوم.

ارتكزت القراءة إذن في الفصل الأول على ظاهرات كارثيّة فجعت الشخصيّات في روايات تنتمي إلى أزمنة وثقافات متعدّدة، تقاطعت في ما بينها من حيث تجسيدها الفاجعة وفهمها في تعدّديّة خطابات ورؤى، وتصويرها الجسد المتألم، والمكان المنكوب، والذاكرة الجريحة. نصوص استحضرت تفشّي الأوبئة، على غرار الطاعون وإيبولا والشوطة، وفيضان النيل، والحرائق المدمّرة؛ وذلك في سعيٍ إلى استخلاص معنى التجربة في الخطاب التجاوزيّ، فرحًا بالنجاة، وتخطيًا للحزن والغمّة من طرق مختلفة اقترحتها الشخصيات الروائيّة في كلّ من: "الديكاميرون" لجيوفاني بوكاشيو، و"الحرافيش" لنجيب محفوظ، و"الطاعون" لألبير كامو، و"ثلاثيّة أوزير" ("أول النهار" و"ليل أوزير"، و"وشم وحيد") لسعد القرش، و"إيبولا 76" لأمير تاج السرّ.

الكاتبة
 

وفي الفصل الثاني تتكئ الدراسة على ثيمة الجوع في روايتين، هما: "جوع" لمحمد البساطي و"الجوع" لكنوت همسون؛ بوصف الجوع شخصيّة محوريّة مهيمنة على ما عداها من شخصيّات، وفضاء نفسيًّا يحكم مجتمع النصّين ويتحكّم بالمصائر. فأتى رصد العلاقات والحركات محدّدا منحى القراءة، إذ اقتضت وصفًا حسّيًا للجائع في تطوّر حالته، وسلوكياته، وبرامج أفعاله إزاء تحدّيات الجوع، ذاهبة بعد ذلك إلى أسباب جوعه وتأمّلها. وقد انطلقت من فرضيّة أنّ الجوع مشكلة إنسانية حيويّة لها امتدادات تاريخيّة وجغرافيّة، وأنّ علاقة الإنسان (والقارئ الضمني) به علاقة تجربة معيشة، الأمر الذي يسهم في تشكيل وعي مسبق ويفتح منفذًا للدخول إلى عالم النصّ. وفي تبيان مفارقات الجوع والقيم نستشفّ البعدين الروحي والفكري جنبًا إلى جنب مع البعد الفيزيولوجي للجوع ومعانيه؛ فقد يكون البدن جائعًا لكنّ النفس البشريّة لا تتخلّى عن أشواقها الروحيّة وتفكّراتها الوجوديّة.

وفي الفصل الثالث، بيّنت دراسة خطاب المرض في الروايتين اللبنانيّتين: “الرغيف" لتوفيق يوسف عوّاد و"الفراشة الزرقاء" لربيع جابر، سلسلة تفاعلات جدليّة لخطابات متصارعة، في تناصّ تاريخيّ ملموس من حيث علاقة الحرب العالميّة الأولى ومفاعيلها العنفيّة، والاضطهاد العثمانيّ، والاستغلال الطبقي من جهة، بالهجرة والفقر والجوع وأمراضهما، بتمثّلاتها البدنيّة والنفسيّة، خصوصًا الجنون وفقدان الذاكرة والاستسقاء وأكل المثيل (أكل الإنسان لبني جنسه في أحد النموذجين)، من جهة أخرى. وكشفت خطابًا معرفيًّا يشرح وباء السلّ، وأمراض دود الحرير وغيرها ممّا يصيب الإنسان والحيوان والنبات.

كما استلهمت القراءة مواقف أبرز المفكّرين، أمثال المقريزي وبرديائيف وتورين وموران، إزاء تحدّيات أمراض الماضي والحاضر، بحكم انشغال العالم بجائحة كورونا، وما رافقها من عزل وتفكّك، وما كشفته من هشاشة الترابطات المعولمة. فاستجلت، في ضوء الأبعاد الدلاليّة الوجوديّة المؤوّلة، تقاطع الرؤى حول سبل تخطّي الفردانيّة والعزلة وسوء التدبير من طريق التضامن الاجتماعيّ، والتواصل الإنسانيّ- الدوليّ. وأوضحت ضرورة التحوّل في الذهنيّة، وأنماط العيش، وفي البنى الخطابيّة السياسيّة والاقتصاديّة والبيئيّة؛ الأمر الذي يؤكّد من جديد انجدال الخطابات في محاولة الخروج من الأزمات.










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة