- الرئيس: مصر ستظل دائماً حاضرة دعماً للعرب
لم تكن القمة العربية رقم 31، التي اختتمت فعالياتها فى الجزائر العاصمة مساء الأربعاء الماضي، قمة عادية كباقي القمم العربية السابقة. ورغم مشاركة ثلثي القادة العرب فقط وعدد من الضيوف الأجانب، إلا أنها ستمثل علامة بارزة فى تاريخ القمم العربية، من حيث التوقيت والظروف التي تحيط بالعالم العربي، وكذلك من حيث إعلانها وقراراتها الموازية، والزخم الذي أحدثه بعض المواقف السياسية والتعاطي الإعلامي قبيل القمة وبالتزامن مع انعقادها.
وما يهمنا أن نركز عليه هنا هو المشاركة المصرية فى هذه القمة، خاصة أن الجانب الجزائري كان حريصًا على حضور الرئيس عبد الفتاح السيسى، لمنح القمة مزيدًا من الزخم والقوة، خصوصًا أن هذه القمة تنعقد بعد انقطاع دام 3 سنوات، بسبب جائحة كورونا، حيث كانت الأخيرة عام 2019 بتونس.
وبرز اهتمام الجانب الجزائري الكبير بحضور الرئيس السيسى للجزائر، بمجرد هبوط طائرة الرئاسة المصرية فى مطار هواري بو مدين بالعاصمة الجزائر، حيث كان فى استقبال الرئيس السيسى، الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، وقد عكست صور الاستقبال سواء فى المطار أو خلال مباحثاتهما فى إطار فعاليات القمة، الحفاوة الكبيرة من جانب الرئيس الجزائري. وحتي عند وصول الرئيس السيسى إلى مقر إقامته فى الجزائر كان الاستقبال والترحيب الكبيرين من جانب الدوائر الجزائرية دون استثناء، وحتي على مستوي الوفود المرافقة للرئيس السيسى سواء رسمية أو إعلامية كان هناك حرصًا من الجانب الجزائري على توصيل تلك الرسالة.
وتتزامن هذه القمة مع احتفالات الجزائر الشقيقة بعيد الاستقلال (مرور 60 عاماً على استقلال الجزائر عن فرنسا)، وقد هنأ الرئيس السيسى نظيره الجزائرى بمناسبة عيد الاستقلال الجزائرى، معربًا عن خالص التقدير على حسن الاستقبال وكرم الضيافة، ومثمنًا المستويات المتميزة للعلاقات الثنائية الأخوية بين البلدين، وحرص مصر على الدفع قدمًا بأطر التعاون الثنائى بين البلدين على شتى الأصعدة، والانطلاق بها إلى آفاق أرحب اتساقًا مع عمق أواصر الأخوة بين البلدين والشعبين الشقيقين
لقد أظهرت الدولة المصرية أن هذه المشاركة على مستوي القيادة السياسية، ليست مجرد مشاركة عابرة لإثبات الحضور فقط أو تلبية لدعوة الرئيس الجزائري فقط، ولكن من خلال اللقاءات المكثفة للرئيس السيسى منذ وصوله إلى مقر إقامته وخلال مشاركته على مدار يومين فى إطار فعاليات القمة.
وحرص الرئيس السيسى، خلال تواجده بمقر إقامته وعقب وصوله مباشرة على استقبال سكرتير عام الأمم المتحدة "أنطونيو جوتيريش"، حيث شهد اللقاء تبادل الرؤى بشأن آخر المستجدات على صعيد عدد من الملفات والقضايا الإقليمية، لاسيما الأزمة الليبية، فضلاً عن مناقشة الاستعدادات الجارية لتنظيم قمة شرم الشيخ لتغير المناخ، على الجانبين اللوجيستي والموضوعي، خاصةً ما يتعلق بشأن آفاق التعاون لتعزيز الجهود القائمة لاعتماد مبدأ المسئولية المشتركة كأساس يحكم مسئوليات الدول المتقدمة والنامية إزاء قضايا المناخ، أخذاً في الاعتبار أهمية قيام الدول المتقدمة بتقديم المساعدات الفنية والمالية للدول النامية لمساعدتها على المضي قدماً في تنفيذ التزاماتها البيئية.
وعقد الرئيس السيسى، لقاءات مهمة مع كل من رؤساء الجزائر وتونس والعراق والصومال، ورئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمنى، وولي عهد الأردن، وذلك فى إطار حرص مصر على تدعيم العلاقات الأخوية مع الدول العربية في شتي المجالات، ومواجهة التحديات المشتركة التي تمس صميم الأمن القومي العربي. إلى جانب مشاركة الرئيس السيسى، فى جلسة تشاورية مغلقة مع القادة العرب، صباح الأربعاء قبيل انطلاق الجلسة العلنية للقمة، وهى المرة الأولى التى تعقد فيها قمة تشاورية مغلقة على مستوى القادة، حيث ناقش القادة العرب خلال هذه الجلسة المغلقة، الشواغل والتحديات التي تواجه كل دولة والمنطقة العربية بشكل عام، وأدوات التغلب على هذه التحديات.
لخّص الرئيس السيسى هذه التحديات وأدوات التغلب عليها، بكلمته القوية الشاملة فى الجلسة العلنية للقمة، والتي عكست نهج مصر القويم فى الحفاظ على مقدرات الدول العربية ورفض التدخلات الخارجية فى شئونها وضرورة تقرير مصيرها من خلال شعوبها فقط، مع التأكيد على رسالة الأمن العربي ككل، والذي هو حزء لا يتجزأ من أمن مصر القومي.
شدد الرئيس السيسى، فى كلمته، على أن تسوية الأزمات العربية، والتعاطي مع التحديات الدولية، ينطلق أساساَ من إيماننا بوحدة أهدافنا ومصيرنا، وتفعيلاً لتعاوننا وإمكاناتنا وأدواتنا في مسائل الأمن الجماعي، وذلك بالتوازي مع جهودنا في التكامل على المسارات الأخرى، حيث سبقتنا تكتلات أخرى نحو التكامل، رغم أن من أطرافها من عانوا من تناحر حقيقي بل وحروب فيما بينهم، "فما بالكم بنا ونحن لدينا من المشتركات في الثقافة والأديان والتاريخ والوجهة السياسية ما يحتم علينا توحيد رؤانا وتجاوز اختلافات وجهات النظر".
وكانت إشارة الرئيس السيسى بأن اجتماع القادة العرب بعد غياب طال أعوامًا، يحمل معه دلالة سياسية مهمة تعكس تصميمنا على تطوير علاقاتنا والتصدي للتحديات المشتركة التي تواجه أوطاننا، فانعقاد القمة العربية هو في حد ذاته دعوة لاستلهام روح القومية العربية، وتجديد عزيمة الصمود من أجل الحفاظ على هويتنا، وتحرير إرادتنا الوطنية، والدفاع عن حقوق شعوبنا، وصون مقدراتها.
حرص الرئيس السيسى فى كلمته أيضًا، على استذكار تاريخ العرب المضئ وسنوات تعاونهم وأمجادهم، في ظل حالة الاستقطاب والتشرذم التي يعاني منها العرب، وفي ظل تتابع الأزمات العالمية والإقليمية، طالب الرئيس باستذكار الماضى الذى تجسدت فيه أسمى معاني العروبة والإخاء والتكاتف لرفع رايات الحق والعدل وبما يعيد الحقوق لأصحابها ويحفظ الاستقرار ومستقبل الأجيال القادمة، مشددًا على أن ما يؤلم أشقاءنا بالمغرب العربي سيمتد إلى مصر والمشرق العربي ودول الخليج، وأن عدم الاستقرار في دول المشرق أو فلسطين إنما تمتد أثاره إلى المغرب العربي، وأن تهديد أمن الخليج هو تهديد لنا جميعاً.
تحدث الرئيس السيسى عن مجمل التحديات التى أثارت العديد من الشواغل المشروعة لدى الشارع العربي، وعن الأسباب التى تعيق تحقيق التكامل بين دول الإقليم العربي في مختلف المجالات؛ وتحول دون أن تلحق أمتنا، ذات الموارد والإمكانات الهائلة، بركب الأمم الأكثر تقدماً، والإجراءات المطلوب اتخاذها لوقف نزيف الدم العربي، وردع تدخلات القوى الخارجية، والحد من إهدار ثروات المنطقة في غير مقاصدها الصحيحة، وبلورة تسويات نهائية للصراعات التي لن تحل بمعادلة صفرية يُقصى فيها طرف أو يُجار على حقوقه.
لم يطرح الرئيس السيسى الأسئلة فقط، ويتركنا حائرين فى البحث عن حلول لهذه المعضلات، بل لخص الحلول فى ضرورة تبني مقاربة مشتركة وشاملة تهدف إلى تعزيز قدرتنا الجماعية على مواجهة مختلف الأزمات استناداً على أسس واضحة تقوم على تكريس مفهوم الوطن العربي الجامع من ناحية، والدولة الوطنية ودعم دور مؤسساتها الدستورية من ناحية أخرى، بما يسهم في حفظ السلم الاجتماعي وترسيخ ركائز الحكم الرشيد والمواطنة وحقوق الإنسان، ونبذ الطائفية والتعصب، والقضاء على التنظيمات الإرهابية والميليشيات المسلحة، وقطع الطريق أمام أية محاولات لدعمهم أو منحهم غطاءً سياسيًا، أو توظيفهم من قبل بعض القوى سواء الإقليمية أو الدولية لإنشاء مناطق نفوذ لها في العالم العربى.وأكد الرئيس السيسى، أن ضمان قوة وحدة الصف العربي هي خطوة أساسية على صعيد تأسيس علاقات جوار إقليمي مستقيمة تستند إلى مبادئ غير قابلة للمساومة وملزمة للجميع، وهي احترام استقلال وسيادة وعروبة دولنا، وتحقيق المنفعة المتبادلة، وحسن الجوار.، والامتناع الكامل عن التدخل في الشئون العربية.
إن المضي قدماً على طريق اللحاق بركب التقدم والتنمية يتطلب العمل الجاد على تسوية مختلف أزمات عالمنا العربى، وعلى رأسها دوماً وأبداً القضية الفلسطينية، فهي جوهر القضايا وأساس عدم استقرار المنطقة؛ وفي هذا السياق تضمنت كلمة الرئيس بأن تظل المبادرة العربية للسلام تجسيداً للتماسك العتبى ولرؤيتنا المشتركة إزاء الحل العادل والشامل على أساس حل الدولتين، ومبدأ الأرض مقابل السلام، وبما يكفل إنشاء دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من يونيو لعام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية تعيد للفلسطينيين وطنهم، وتسمح بعودة اللاجئين بما يتسق مع مبادئ القانون الدولي والشرعية الدولية
لقد أكد الرئيس السيسى أيضًا بأننا فى حاجة لمزيد من العمل العربي الجماعي حتى في التعامل مع الأزمات الجديدة التي جاءت لاحقة علي القضية الفلسطينية، في ليبيا وسوريا واليمن والعراق والسودان، وإلا سيظل أمن وسلم الشعوب الشقيقة في تلك الدول مهددين بتجدد ويلات تلك الأزمات، وستظل الأخيرة ثغرات في المنظومة العربية ومراكز لعدم الاستقرار، وهو ما يؤثر علينا جميعاً ويعرقل جهودنا في التنمية والتكامل.
وفى ظل التعنت الإثيوبى المستمر والمراوغة السياسية وعدم وجود إرادة حقيقية لدي الجانب الإثيوبي، فيما يتعلق بمراعاة حقوق دولتي المصب فى مياه النيل، كانت هناك رسالة مهمة للرئيس السيسى، لوضع الأمور فى نصابها أمام القادة العرب، حيث إنه لا يمكن إغفال أهمية الأمن المائى العربي، وطالب بالاستمرار فى حث إثيوبيا على التحلي بالإرادة السياسية وحسن النوايا اللازمين للتوصل لاتفاق قانوني ملزم بشأن سد النهضة الإثيوبي تنفيذاً للبيان الرئاسي الصادر عن مجلس الأمن في سبتمبر 2021، والأخذ بأي من الحلول الكثيرة التي طُرحت عبر العديد من جولات المفاوضات، والتي تؤمن مصالح الشعب الإثيوبي الاقتصادية الآن ومستقبلاً، وتصون في الوقت ذاته حياة الشعبين المصري والسودانى.
أبرز هذه الرسائل، كان النداء الموجه للشعوب العربية، فبعد أن حدد الرئيس المشكلات ومهد لسياقات مواجهتها والعمل على حلها، خاطب الشعوب العربية المنوطة بحماية مقدراتها جنبًا إلى جنب مع قادتها وحكوماتها، فطالب تلك الشعوب بأن تثق فى أمتها العربية، فهي صاحبة تاريخ عريق وإسهام حضاري ثري وممتد، ومازالت تلك الأمة تمتلك المقومات اللازمة لمستقبل أكثر استقراراً وازدهاراً، وعلى رأسها عزيمتها وعقولها وسواعدها.
إننا يمكن أن نلخص كلمة الرئيس فيما بدأناه هنا، من أن مصر ستضع دوماً نصب أعينها تماسك الكيان العربي، وصونه وحمايته، وستظل دائماً حاضرة دعماً للعرب، وستبقي على أبوابها مفتوحة أمام كل أبناء العرب في سبيل الدفاع عن حاضرهم ومستقبل الأجيال القادمة.