أكرم القصاص - علا الشافعي

عادل السنهورى

حديقة الأندلس.. عندما كانت السينما والفن في خدمة الذوق والجمال (3)

الخميس، 01 ديسمبر 2022 03:45 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

قبل قدومي الى القاهرة – أو مصر كما يسميها أمثالي من أهل الريف والصعيد – كنت حالما ومتشوقا ومتلهفا لزيارة الأماكن التي ارتادها مطربي المفضل العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ  في أفلامه الأبيض وأسود- مثل 16 فيلما- ومتشوقا أيضا لزيارة حديقة الأندلس التي احتضنت حفل فيروز الاستثنائي والتاريخي في القاهرة عام 76.

الحلم تحقق عندما التحقت للدراسة بكلية الاعلام جامعة القاهرة وكانت أول الأشياء على أجندة التعرف على شوارع وأحياء وأماكن ومعالم القاهرة واستكشافها مع استقراري المعيشي في تلك المدينة الضخمة، هو زيارة أماكن عبد الحليم حافظ ثم مكان حفلة فيروز.

زرت كل مكان ظهر فيه حليم في أفلامه وخاصة محل حلواني "هارون الرشيد" في ميدان الأوبرا الذي مثل فيه مشهد من فيلم يوم من عمري مع زبيدة ثروت وعبد السلام النابلسي – تحول الآن الى محل أقمشة- وجلست على كازينو صفية حلمي الذي كان يطل على ميدان الأوبرا بنافورته المميزة وتمثال إبراهيم باشا على حصانه وهو يشير بأصبعه. وهذا الكازينو المشهور مثل فيه عبد الحليم حافظ مشهد مع محمود المليجي في فيلم أيام وليالي- تم هدمه وأنشئ على اطلاله محلات تجارية متنوعة وجزء لسينما الأوبرا المغلقة والمهجورة حاليا- . وكوبري قصر النيل والمعبر الخشبي بالمعادي..

جاء الدور على حديقة الأندلس و هي واحدة من معالم القاهرة الأكثر روعة وجمالا منذ أن تقرر انشائها عام 1929 وافتتاحها رسميا عام 1935 في عهد الملك فؤاد الأول والد الملك فاروق آخر حكام مصر من الملوك ومن أسرة محمد علي الكبير

الزيارة للأسف كانت في منتصف الثمانينات ومظاهر الإهمال بدأت تزحف دون تمهل على معالم الحديقة الأثرية وبدت فاقدة للروح أو تكاد تلفظ أنفاسها الأخيرة وان ظلت مسحة من الجمال والأناقة القديمة تقاوم معاول الإهمال. ولذلك تقرر اغلاق حديقة الأندلس  لمدة 10 سنوات من عام 1991 حتى 2001 بحجة الترميم  ورغم افتتاحها في ابريل من نفس العام الا أن زوار الحديقة تمنوا ألا يحدث التطوير ولا الترميم..!! وعاد الإهمال من جديد

بعد سنوات طويلة من الإهمال، عادت حديقة الأندلس بالقاهرة إلى بؤرة الاهتمام بعد دخولها حيز التطوير في إطار استعادة المظهر الحضاري والحفاظ على التراث،

هنا وقفت فيروز بشموخها الفني لتغني " مصر عادت شمسك الذهب" وغنت فرقتها أغانيها اللبنانية الجميلة لمدة ثلاثة أيام وسط أعداد كثيفة من جمهور المصريين. فيروز اضافت الى جمال حديقة الأندلس جمالا فيروزيا خاصا ربما كان صدى صوتها الدافئ الساكن في الوجدان وصوت باقي أعضاء الفرقة تكاد أن تنطق به جنبات الحديقة المبهرة كأنها تشكو قسوة الاهمال.

الأندلس تعتبر احدى أقدم الحدائق التاريخية في منطقة وسط البلد حيث أقيمت على مساحة 11 ألف متر مربع تقريبا  - أي أكثر من فدانين ونصف الفدان-   وتتكون من جزئيين، الجزء الجنوبي يسمي حديقة الفردوس العربية وهي علي نمط الحدائق العربية الأندلسية الموجودة في جنوب إسبانيا ويوجد بها أشجار معمرة يتجاوز عمرها الـ 70 عاماً، والجزء الشمالي يسمى الحديقة الفرعونية، وقد تقرر ضم الحديقة ضمن قائمة الآثار الإسلامية والقبطية.

الجزء الجنوبي يتميز بوجود جوسق (مظلة مقامة علي أعمدة مزدوجة تحمل عقود أندلسية تحمل السقف)، وهو حافل بالزخارف الأندلسية العربية الهندسية والنباتية، ويتوسط الجوسق تمثال لأحمد بك شوقي أمير الشعراء من نحت المثال محمود مختار وهذا الجوسق (الظلة) يقع في الطرف الشمالي لهذه الحديقة ويواجه التمثال من امتداد الحديقة جنوبا، ويلي التمثال مباشرة خمسة تماثيل على شكل أسود ينبثق منها الماء الي بركة مستطيلة منخفضة تتوسط الحديقة تحوي نافورتين رخاماتين، ويحيط بالبركة من كل جانب من الجوانب الأربعة ثمانية مدرجات متصاعدة مزروعة بالنجيل وفي الزوايا الأربعة ممرات متدرجة متصاعدة مبلطة بالرخام والفسيفساء المستوردة من إيطاليا وتركيا تؤدي الي المستوي الأعلى للحديقة الذي يتكون من ممرين مبلطين بالرخام والقاشاني المتعدد الألوان ويحدد الممرين صفان من الأشجار وفي الجوانب الأربع دكك رخامية للجلوس ملاصقة لسور الحديقة الحديدي المقام فوق جلسات حجرية، ويفصل بين الدكك قدور رخامية تحوي عبارة «لا غالب إلا الله» وهو شعار الأغالبة الذين حكموا المغرب والأندلس. ويلي ذلك جنوبا جزء من الحديقة يحتوي على نافورة رخامية ثمانية الشكل يتوسطها عامود رخامي يحيط به ثمانية تماثيل أسود ينبثق منها الماء. ويحيط بزوايا المثمن الخارجي ثمانية ضفادع رخامية ينبثق منه الماء وعلي جانبي النافورة برجولتان( مظلتان) خشبيتان ويلي النافورة نخيل ملوكي، وممرات الحديقة مبلطة بالبلاطات القاشانية المتعددة الألوان. اما بالنسبة للحديقة الفرعونية فهي تقع في الجزء الشمالي في جانبها الجنوبي بوابة فرعونية يتوسطها نموذج تمثال شيخ البلد مواجه للحديقة التي نتشر بها النخيل الملوكي وغيرها من الأشجار وتنتشر في جوانب الحديقة الفرعونية نماذج لتماثيل فرعونية مختلفة الأشكال.

السينما منذ نهاية الاربعينيات وفي الخمسينيات والستينيات لم تقاوم جاذبية حديقة الأندلس وابهارها وجمالها .صناعة السينما في ذلك الزمن كان لديها اهتمام خاص بإظهار معالم القاهرة ومدن مصر الجميلة عموما ومنها الأندلس واهتم صناعها بإبراز الأماكن التي تحمل عبق ورائحة الماضى وآثر الحاضر والتى كانت سببا مباشرا  للترويج للجمال والسياحة لدى الطاقم الفني والجمهور وتشجع المشاهدين  على الذهاب إلي تلك الأماكن والحديقة والتى مازالت تحتفظ بمزايا جمالية خلابة .

غنى فيها العندليب الأسمر أول أغانيه "صافيني مرة"، التي لم تعجب الجمهور فانصرف عنه.. لكنه لم ييأس وواصل أداء أغنيته مرة آخري في حديقة الأندلس حتى حازت إعجاب الجماهير تحديدا يوم 18 يونيو من عام 1953 في "حفلة أضواء المدينة" التي اعتبرها حفلته الرسمية الأولى، وكانت أيضا أول احتفال رسمي بإعلان الجمهورية في مصر بعد ثورة يوليو. وبعدها باتت الحديقة بمثابة وش السعد للعندليب وتميمة الحظ، فأحيا فيها عدة حفلات جماهيرية كبيرة، أمام عبد الناصر وكبار الضباط الأحرار كما أدى فيها أجمل الأغاني التي غناها لبطلات أفلامه، ومنها  "حكاية حب "و "موعد غرام" و "معبودة الجماهير"

كانت من أشهر الأغاني التي مازالت عالقة بأذهاننا حتى الأن أغنية "حاجة غريبة" مع الفنانة شادية والتي لحنها منير مراد وكتبها حسين السيد. وقد تم تصوير الفيلم- يناير 1967- ليلاً بالحديقة وكان اختيارا موفقا من المخرج حلمى رفله، فالتصوير الليلى ساعد على إبراز جمال الحديقة والتى تتزين مقاعدها بالفسيفساء والرخام والتى تحمل الطابع العربي الأوربي

وفي حديقة الأندلس أيضا تم تصوير واحدة من المشاهد المهمة في فيلم" حكاية حب"- عام 1959 - حيث اقترح عبد الحليم حافظ بطل الفيلم طبقا لأحداث الفيلم أن تقوم الإعلامية آمال فهمي من خلال برنامجها الشهير (على الناصية) بلقاء مطرب مغمور وتتعرف على أغانيه، وبالفعل تم التحضير لهذا اللقاء على أن يبدو طبيعيا وأن تقابل آمال فهمي المطرب عبد الحليم حافظ بالصدفة ليغني لها أغنيته (باحلم بيك).في الحديقة تم التصوير، ويظهر لأول مرة سمير صبري بالصدفة بين الكومبارس ليردد خلف حليم (باحلم بيك أنا باحلم بيك).

في الحديقة تم تصوير فيلم "فاعل خير" -عام 1953- للمطرب محمد فوزى والمطربة صباح وظهرا وهما يتحركان في جميع ارجاء الحديقة بمصاحبة الكاميرا

وفيلم أماني العمر- عام 1955- للفنان سعد عبد الوهاب وزهرة العلا وماجدة حيث غنى لزهرة أغنية " وانت ويايا والهنا معايا" وظهرت في الفيلم معظم معالم الحديقة الجميلة

وفي عام 1964 ظهرت الحديقة في فيلم " أمير الدهاء" بطولة الفنان فريد شوقي ونعيمة عاكف وشويكار وتوفيق الدقن ومحمود مرسي وإخراج هنري بركات. وكانت أول مرة تبدو معالم الحديقة وتفاصيلها بالألوان

وبعد 30 عاما تقريبا تعود السينما الى الحديقة في مشهد صغير من فيلم " حكايات الغريب" للفنان محمود الجندي ومحمد منير وشريف منير وصفاء الطوخي. ويظهر شريف منير ببدلة العسكرية مع خطيبته صفاء الطوخي وهو يحكي لها عن أحلامه معها واحلام الوطن.

وربما آخر فيلم تظهر فيه حديقة الأندلس هو فيلم "سمير وشهير وبهير"- عام 2010-

لم تقتصر جاذبية حديقة الأندلس على تصوير الأفلام فقط بل أقيمت مهرجانات للأزياء وملكات الجمال، فهنا حصلت الفنانة الراحلة رجاء الجداوي على «وشاح سمراء القاهرة» في كرنفال بالحديقة – عام 1958-وحصلت  أيضا من خلاله علي جائزة «ملكة حوض البحر المتوسط".

إضافة للأفلام السينمائية أقيمت في الحديقة في الستينات والسبعينات حفلات غنائية للمطربين مثل عبد الحليم حافظ، فريد الأطرش ومحمد فوزي...وتبقى فيروز آخر من غنى بالحديقة.










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة