بيشوى رمزى

مصر ومفهوم "العمق الاستراتيجي".. من القيادة الإقليمية إلى "نقطة اتصال" العالم

الخميس، 01 ديسمبر 2022 02:46 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

"العمق الاستراتيجي".. عنوان يبدو مهما في صياغة السياسات الدولية والإقليمية، في المرحلة المقبلة، وهو ما يبدو واضحا في التغيير الكبير، في طبيعة الدور الذي باتت تلعبه العديد من القوى الإقليمية، في مناطقها، التي تمثل عمقا استراتيجيا لها، وهو الدور الذي بات متجاوزا الجغرافيا التقليدية، بحكم العديد من المعطيات، أبرزها تنامي الأزمات، وتمددها، واستحالة التنبوء بنطاق جغرافي أو زمني لها، ليتحول العالم نحو مواجهة حالة غير محدودة، من الأزمات، تتراوح بين الصراعات الممتدة، من جانب، وتمرد الطبيعة من جانب أخر، ناهيك عما يطرأ على الساحة الدولية من جانب ثالث.

 

تلك الحالة غير المحدودة، تفرض في جوهرها مستجدات دولية، اشرت لها في مقالات سابقة، أبرزها "إعادة توزيع القيادة الدولية"، عبر اعتماد نهج تعددي، يقوم في الأساس على تنشيط دور القوى الإقليمية الفاعلة، تزامنا مع "إعادة رسم الخريطة الإقليمية للعالم"، عبر تحقيق حالة من الانفتاح بين الأقاليم، من شأنها زيادة وتيرة التعاون والتكامل بين دول العالم لتحقيق المصالح المشتركة ومجابهة الأزمات الدولية الراهنة.

 

ولعل التعددية والانفتاح الإقليمي، تبقى بحاجة إلى ما يمكننا تسميته بـ"نقاط اتصال" دولية، من شأنها تحقيق التواصل بين مختلف الأقاليم، وهو ما يعزز من قيمة مفهوم "العمق الاستراتيجي"، والذي لا يقتصر على الجغرافيا التقليدية، إنما يحمل في طياته العديد من الأبعاد الأخرى، وعلى رأسها التاريخ والهوية والثقافة والدين، وهي عوامل تمثل دعما كبيرا للتقارب بين الشعوب، ومن ثم تساهم بصورة كبيرة في تضييق فجوات الخلافات السياسية، والانطلاق نحو أفاق أوسع من التعاون.

 

فلو نظرنا إلى الدبلوماسية التي تتبناها الدولة المصرية، في السنوات الماضية، ربما نجد أنها تقدم نموذجا كـ"نقطة اتصال" دولية، بين العديد من مناطق العالم، من خلال تحقيق أكبر قدر من الترابط، ليس فقط على المستوى الفردى بين الدول، وإنما بين الأقاليم المختلفة، وهو ما يرجع في الأساس إلى امتلاكها مقومات العمق الاستراتيجي، والتي تتجلى في موقعها الجغرافي، عبر تواجدها في العديد من الاقاليم التي تربطها بالعديد من قارات العالم، سواء في الشرق الأوسط، أو إفريقيا، أو منطقة المتوسط، والذى يحقق ارتباطا مباشرا بأوروبا، وكذلك هويتها العربية والإسلامية التي تربطها بالعديد من القوى المؤثرة في آسيا، ناهيك عن التاريخ الداعم للشعوب هنا أو هناك في مكافحة الاستعمار، وهو ما فتح الباب أمام تجاوز النطاق الإقليمي الضيق، والذى اقتصر لعقود على منطقة الشرق الأوسط، لتصبح "نقطة اتصال" مهمة، يمكنها ربط ربط العالم شرقا وغربا.

 

الدور الجديد الذي باتت تلعبه مصر، ساهم إلى حد كبير في تحول الدور، من مجرد "قيادة إقليمية"، إلى "نقطة اتصال" دولية، يمكنها القيام بدور أكبر على المستوى العالمي، عبر تحقيق "توافق" عالمي، فيما يتعلق بالقضايا الشائكة، وتوسيع نطاق التعاون والتوافق، ليس بين الدول، ولكن أيضا بين قطاع كبير من أقاليم العالم، التي تحمل روابط وثيقة مع مصر، وهو ما يبدو في تحول الشراكات الفردية التي أبرمتها الدولة المصرية، في أطر ثنائية أو ثلاثية، إلى نطاق إقليمي أوسع.

 

فعلى سبيل المثال، يبقى "منتدى غاز شرق المتوسط"، نموذجا لتحول الشراكات المصرية على المستوى الفردي في إطار ثلاثي مع كلا من اليونان وقبرص، وهي الشراكة التي تجد جذورها في اشتراك الدول الثلاثة في الجغرافيا عبر منطقة المتوسط، ناهيك عن الروابط التاريخية التي جمعتهم، في ظل وجود أعداد كبيرة من جالياتهم على أرض مصر لسنوات طويلة واندماجهك مع شعبها، إلى ما يمكننا تسميته بـ"نطاق متجاوز الإقليمية" المحدودة، عبر دخول دول من مناطق جغرافية مختلفة، وهو الأمر الذي من شأنه تحقيق التكامل فيما يتعلق بمجال الغاز الطبيعي، وبالتالي تأمين الاحتياجات في هذا القطاع الحيوي، في زمن يواجه فيه أمن الطاقة تهديدا صارخا، على خلفية الأزمة الأوكرانية، وقضية التغيرات المناخية.

 

الدور الذي تلعبه مصر، باعتبارها "نقطة اتصال" من شأنه تقليل حدة المنافسة الإقليمية، في ظل مساحة خلقها الدور الجديد، نحو تعدد القيادات داخل مناطقها الجغرافية، وهو ما يبدو في تحركات الدبلوماسية المصرية لبناء قيادة إقليمية "متعددة الأطراف"، وهو ما يبدو في شراكاتها مع العديد من دول الشرق الأوسط، في مختلف المجالات، والتي من شأنها تصعيد قوى جديدة لقيادة المنطقة، للقيام بدور أكبر، وبالتالي تحقيق قدر أكبر من التكامل في إطار من القيادة الجماعية، وهو ما يتواكب مع مستجدات النظام الدولي، الذى لا يمكنه مواصلة المسيرة في إطار محدود.

 

وهنا يمكننا القول بأن الدور الذي تلعبه مصر يبقى محوريا، في إطار مرحلة جديدة من النظام العالمي، في إطار تجاوزه الجغرافيا الإقليمية نحو تفعيل مفهوم "العمق الاستراتيجي"، والذي من شأنه تقويض نظرية "الجزر المنعزلة"، التي اعتمدها العالم خلال العقود الماضية، وهو ما لم يعد مواكبا للأوضاع الدولية الراهنة، والطبيعة غير المحدودة للأزمات الراهنة، لتتجاوز كونها مجرد "دولة قائد" في مناطقها الجغرافية إلى نقطة يتلاقي فيها العالم شرقا وغربا.







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة