بيشوى رمزى

"حماية الإنسان".. دبلوماسية "الدعم" من مجرد أداة إلى استراتيجية "وقائية

الثلاثاء، 13 ديسمبر 2022 09:10 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

تغييرات عميقة شهدها مفهوم "الدعم" الدولي خلال العقود الماضية، تراوحت بين أشكال متعددة، على غرار "المعونات الاقتصادية" للدول الفقيرة، مرورا بـ"إعادة الإعمار" للدول المنكوبة، سواء بسبب الحروب، على غرار الدعم الأمريكي لأوروبا، في أعقاب حقبة الحرب العالمية الثانية، أو مختلف صور "الإغاثة" الإنسانية في حالة الكوارث، كالزلازل أو البراكين أو الفيضانات أو غيرها، التي تحل بدولة ما، بينما ارتبط المفهوم، في طياته، برؤى الدول الكبرى ومدى التزام المحيط الدولي بها، باعتبارها "المانح"، الذى يملك سلطة "المنع"، فصار الدعم المقدم منها، مرهونا بالعديد من العوامل، أهمها مدى استجابة الدول "الممنوحة"، لعملية الدوران في فلك الهيمنة السائدة على النظام العالمي، رغم الترويج لها باعتبارها اتساقا مع قيم "حقوق الإنسان"، ليتحول الدعم الدولي، في بعض الأحيان، من صورته الحقوقية والإنسانية المتجسدة في "المنح" إلى "عصا"، عبر دبلوماسية "العقوبات"، التي طالما استخدمتها القوى الكبرى لاحتواء "مروق" الخصوم، بل وامتدت مؤخرا إلى الحلفاء، على غرار السياسات الأمريكية الأخيرة تجاه دول أوروبا الغربية، لتقويض محاولاتها الطامحة لصياغة دور دولي جديد، متجاوزا قيادة واشنطن، وهو ما يبدو، على سبيل المثال، في العودة لسياسة "التعريفات الجمركية" التي فرضتها الولايات المتحدة على الواردات القادمة من القارة العجوز.

 

ولعل المفهوم السائد لـ"الدعم" الدولي، يبدو مرتبطا إلى حد كبير بنظريات الصراع، في ظل استخدامه بحسب "أهواء" القوى المانحة ومدى الموالاة لها في صراعاتها الدولية، من جانب، وتعميم المفاهيم الحقوقية والقيم العالمية طبقا للرؤى الغربية، وهي الرؤى التي اعتمدتها الدول المهيمنة للاحتفاظ بمكانتها الدولية، من جانب أخر، لتفقد سياسات "الدعم" المغزى الحقيقي من وراءها، والمتمثل في قيام القوى الحاكمة للعالم بالدور المنوط بها، في احتواء الأزمات، وحماية الشعوب من تداعياتها، وهو المنطق الذي يرتبط في الأساس بمنظور "أناني"، يقوم على حقيقة ابتعاد نطاق الأزمات عن مناطقها الجغرافية، وبالتالي تبقى حالة الاستقرار قائمة لديهم، وهو ما يفسر حالة الازدواجية التي سيطرت على القوى الحاكمة للعالم فيما يتعلق بسياساتها في هذا الإطار.

 

إلا أن التغيير الكبير في طبيعة الأزمات الدولية، وامتداد نطاقها الزمني والجغرافي، ربما يفرض طبيعة جديدة لمفهوم "الدعم"، والذي تحول من مجرد "منحة" تقدمها القوى الكبرى، من باب الترويج لنفسها ومبادئها، في إطار "الشو" الإعلامي والسياسي، إلى التزام، ليس مجرد أخلاقيا، وإنما سياسيا، تفرضه ضرورة حماية شعوبهم، والتي تأثرت بصورة كبيرة جراء تمدد الأزمات المستحدثة، على غرار الوباء أو ظاهرة التغيرات المناخية، بالإضافة إلى الإرهاب وتداعيات الأزمة الأوكرانية، إلى مناطقهم، وهو ما بدا في العديد من المشاهد التي تبدو جديدة في أوروبا والولايات المتحدة، أبرزها تواتر الاحتجاجات والإضرابات جراء تنامي البطالة ناهيك عن التضخم والزيادة الكبيرة في الأسعار ونقص السلع الغذائية، وهي الظروف التي ترتبط بحالة عالمية تتجاوز حدود دولهم أو أقاليمهم إلى نطاق عالمي، وبالتالي يمتد دور حكوماتهم إلى تقديم حلول عميقة للأزمات من منبعها، بعيدا عن النظرة الضيقة القاصرة على الداخل.

 

وهنا تتجلى أبعاد جديدة لـ"الدعم" الدولي، تتجاوز مجرد إلزاميته على القوى الكبرى، أو حتى النهج الانتقائي القائم عليه، ليمتد إلى الصورة التي يتم تقديمه بها، فلم يعد ضخ الأموال أو المساعدات الإغاثية في مناطق الأزمات كافيا لاحتوائها أو منع انتشارها، وإنما تبقى الحاجة ملحة لصياغة استراتيجيات وخطط وبرامج طويلة المدى وتتسم بشموليتها، من شأنها تجاوز الأزمات الراهنة وتداعياتها، نحو الانطلاق نحو تحقيق التنمية الاقتصادية، لضمان الاستقرار العالمي، في إطار "استباقي"، من شأنه الوقاية مما قد يستجد من أزمات، وهو ما يؤدي في نهاية المطاف الى حماية مناطقهم الجغرافية من المستجدات الطارئة التي ألمت بهم في السنوات الماضية، على غرار تدفق اللاجئين وتسلل المتطرفين إلى أراضيهم، وتنامي البطالة بين مواطنيهم، نتيجة الصراعات المتناثرة في مناطق أخرى من العالم، وحتى زيادة وتيرة الحرائق تارة والفيضانات تارة أخرى، بفعل التغيرات المناخية.

 

فلو نظرنا إلى أزمة المناخ كنموذج للأزمات المستحدثة، ربما نجد أن ثمة العديد من الالتزامات تقع على عاتق القوى الكبرى، لا تقتصر في نطاقها على تقديم الدعم المالي للدول المتضررة، وإنما تبقى هناك أولويات أخرى، أهمها التزام الدول المتقدمة نفسها بالمعايير البيئية، وتقليص الانبعاثات الكربونية لديهم من جانب، بالإضافة إلى تقديم خطط تنموية صديقة للبيئة في الدول النامية، لضمان حقوقهم التنموية، من جانب أخر، باعتبارهم شركاء على نفس الكوكب، وبالتالي تبقى الأضرار التي قد تلحق بهم، حال إهمالها، ممتدة وقد تلتهم مناطقهم في مدى زمني قريب.

 

تلك الصورة الجديدة للدعم ربما تلامست معها جامعة الدول العربية، 2في دعوتها لعقد اجتماع حول دعم الصومال في مكافحة التغيرات المناخية، الأسبوع الماضي، بالتعاون مع الأمم المتحدة، والذى خرج إلى حد كبير عن الصورة التقليدية القائمة على حشد "المساعدات الإنسانية" أو التمويل التقليدى، من قبل الدول المانحة، لمساعدة الدولة المنكوبة، إثر تفاقم الجفاف وتوقف الأمطار لأكثر من 5 سنوات، ناهيك عن تنامي خطر المجاعة الذى يلاحق ما يقرب من نصف السكان، حيث ارتكز في الأساس على ضرورة وضع استراتيجية شاملة، لتلبية احتياجات الغد القريب، عبر تجاوز أزمة اللحظة الراهنة، والبعيد من خلال خطط تنموية طويلة المدى من شأنها تحسين حياة المواطن وتحقيق الجانب الوقائي لمنع تكرارها في المستقبل مع دعم قدراتها على مواجهة ما يستجد من حالات طارئة.

 

وهنا يمكننا القول بأن "إعادة هيكلة" مفهوم "الدعم" الدولي يمثل وجها أخر من وجوه عدة لـ"حماية الإنسان"، عبر تأمينه من الأزمات اللحظية الراهنة والانطلاق به نحو مستقبل أفضل يضمن لكل دولة الاعتماد على نفسها، وهو ما يخفف العبء على كاهل القوى الدولية الكبرى في المستقبل، ناهيك عن حمايتها من تمدد الأزمات إلى مناطقها الجغرافية، في ظل المستجدات الدولية والإقليمية الراهنة.







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة