يبدو توقيت القمة الأمريكية الإفريقية، انعكاسا جديدا للمنافسة المحتدمة بين القوى المتنافسة على عرش النظام العالمي، في ظل التغييرات العميقة التي يشهدها في اللحظة الراهنة، حيث تأتي بعد أيام قليلة من قمة عقدتها الصين مع الدول العربية، في ظل محاولات استقطاب دولية، في إطار "بناء معسكرات" جديدة من شأنها خوض المعركة القادمة لا محالة، بين محاولات واشنطن للاحتفاظ بمكانتها باعتبارها القوى المهيمنة، والدول الصاعدة التي أثبتت جدارتها وقدرتها على القيام بدور أكبر خاصة فيما يتعلق بمواجهة الأزمات المستحدثة، وعلى رأسها الصين.
ولعل الجديد في عملية "بناء المعسكرات"، التي تطغى على المرحلة الراهنة من عمر النظام الدولي القائم، يبدو في تغير طبيعة الرهان القائم، والتي اقتصرت في الماضي على أوروبا، إبان الصعود الامريكي السوفيتي في أعقاب الحرب العالمية الثانية، في الوقت الذي لم يحظى فيه الأفارقة والعرب باهتمام كبير، في ضوء خضوع معظم مناطقهم للاستعمار، خلال الأربعينات من القرن الماضي، وبالتالي ضمان ولائهم للقوى الاستعمارية المهيمنة عليهم، وهو ما شهد تغييرا تدريجيا بعد ذلك بسنوات، مع انتصار حركات التحرر وكذلك الطفرة النفطية، في بعض دول الخليج، مما ساهم في التقرب إليهم من قبل طرفي الصراع في الحرب الباردة، ولكن لم تصل تلك المحاولات إلى الذروة.
وهنا يبقى الاهتمام الكبير من قبل القوى المتنافسة بالدائرتين الإفريقية والعربية، في المرحلة الراهنة، يعد، إلى جانب كونه تغييرا كبيرا في المعطيات الدولية مقارنة بالماضي، بمثابة فرصة استثنائية للقوى الإقليمية للقيام بدور أكبر، خاصة مع المزايا الكبرى المقدمة لهم، في إطار حالة الحشد الدولي القائمة.
وللحقيقة، تبدو الصين سباقة في الإعداد للحظة الراهنة، في ظل اعتمادها دبلوماسية قائمة على التقارب مع قطاع كبير من دول العالم، في إطار إقليمي، في ضوء منتديات دشنتها مع الجانب العربي تارة والإفريقي تارة أخرى واللاتيني تارة ثالثة، منذ السنوات الأولى من الألفية الجديدة، لتتوج في في جانبها العربي بالقمة الأخيرة التي عقدت بالمملكة العربية السعودية الجمعة الماضية، وهو ما يمثل نتيجة لجهود متراكمة استمرت لسنوات، في تعزيز العلاقات مع الإقليم، على عكس القمة الأمريكية الإفريقية والتي وإن كانت الثانية من نوعها، إلا أن افتقدت إلى حد كبير الجانب التراكمي، خاصة إذا ما وضعنا في الاعتبار الفارق الزمني بين القمتين التي عقدتهما واشنطن مع القارة، والذى يصل إلى 8 سنوات، وهو فارق كبير نسبيا.
ولكن بعيدا عن الجانب التنافسي بين واشنطن وبكين، تبقى الأهمية الكبيرة للقوى المشتركة بين القمتين (العربية - الصينية) من جانب و(الإفريقية - الأمريكية) من جانب أخر، والمتمثلة في الدول التي تجمع بين الهويتين العربية الإفريقية، وعلى رأسها مصر ودول شمال إفريقيا، والتي يمكنها أن تقوم بدور أكبر يتجاوز مناطقها بحكم كونها "بؤر" لـ"الهوية"، وهو ما يمثل دافعا مهما للتواصل مع قوى رئيسية وفاعلة في مناطق الاستقطاب الجديدة، سواء في آسيا، عبر القوى العربية الفاعلة هناك، على غرار دول الخليج، بينما يمثل عمقها الإفريقي داعما مهما مهما نحو توحيد المواقف على نطاق دولي أوسع يتجاوز الأقاليم بصورتها التقليدية.
ويعد الدور التاريخي لمصر، والتي تحمل خبرات واسعة في هذا الإطار، جراء تراكم الخبرات منذ قيادتها للمعسكر نفسه، منذ الحرب الباردة، في إطار منظمة عدم الانحياز، يمثل مؤهلا جديدا لها لتواصل دورها كـ"نقطة اتصال إقليمية"، وهو الدور الذى باتت تفرضه المستجدات الدولية الجديدة، في المرحلة الراهنة، عبر تحقيق أكبر قدر من الارتباط بين مناطق العالم، وتوحيد مواقفها، بما يساهم في توسيع دائرة التكامل السياسي والاقتصادي، بما يحقق المصالح المشتركة، سواء دوليا أو إقليميا، وحتى على مستوى الشعوب، عبر تجاوز الأزمات الراهنة، وهو ما يسمح بتوسيع مساحة القيادة الإقليمية في كل منطقة، ويقلل حدة المنافسة الأقليمية وبالتالي تحقيق أكبر قدر من التوافق.
وهنا تبقى الحاجة ملحة لاستثمار الفرصة السانحة عبر مسارات متوازية من التحركات الدبلوماسية أولها على مستوى القوى العربية ذات العمق الإفريقي، عبر تنسيق المواقف، من خلال شراكة فاعلة، من جانب، بينما يقوم المسار الثاني على اعتماد دبلوماسية "الإقليم"، عبر الاستفادة من بعد "الهوية" العربية لتعزيز العلاقة مع الجانب الآسيوي، في يعتمد المسار الثالث على التحاور مع القوى العالمية بلسان مشترك للتعبير عن مصالح تلك المنطقة الجغرافية في إطار إقليمي أوسع "أفرو اسيوى" في ظل خريطة إقليمية جديدة تتجاوز النطاق الإقليمي التقليدي.