عصام محمد عبد القادر

صورة المواطنة فى الجمهورية الجديدة

الأربعاء، 14 ديسمبر 2022 09:57 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
هنالك نظرة شمولية لمفهوم الوطن والذي تنصهر فيه مختلف الثقافات وما يخص الأعراف المجتمعية التي تشكل نسيج الإنسانية، وهذا يمثل صورة المواطنة بمعناها الجامع، والمنظور قائم على معيار رئيس فحواه أن الإنسان هو خليفة الله في الأرض، ومن ثم فإن المحافظة على كوكبنا ومقدراته الطبيعية واجب دولي؛ فشعوب الأرض بمثابة الأسرة الواحدة التي ينبغي أن يحترم بعضها بعضا، وتتعايش في سلم وسلام متلازمين، في إطار من التسامح والتفاهم واحترام الخصوصيات والعقائد، وقد أكد على ذلك مراراً وتكراراً الرئيس عبد الفتاح السيسي.
 
والسنة الكونية اقتضت التباين بين بني البشر، ومن ثم يصعب أن تقوم المواطنة على طباع موحدة، أو في ضوء توجه ومسار واحد، ويقتضي ذلك أن يعي الإنسان مجريات ما يحدث في العالم بأسره، وألا ينفصل عن قضاياه، فما يصيب جزء من العالم ينتقل أثره إلى أجزاء أخرى؛ لذا فمسئولية الحفاظ عليه وحماية مقدراته وموارده فرض عين على كل إنسان ما دام الدم يجري في شرايينه.
 
وتتشكل الهوية العالمية من الدستور المجتمعي الأخلاقي لبني البشر، والذي يحض على التعاون والتعاضد، باعتبار أن الإنسانية كلٌ لا يتجزأ ولا يؤثر عليها متغيرات كنوع أو عرق أو عقيدة، وهذا ما تُبنى عليه مبادئ المواطنة العالمية؛ فالحقوق والواجبات يتساوى فيها جميع البشر بمختلف أطيافهم وألوانهم وأفكارهم ومعتقداتهم، ومن ثم ينبغي أن يتفاعل الإنسان مع أي شخص مهما اختلفت ثقافته وموطنه، وينتج عن ذلك انتقال هويته من منظور وطني محدود، إلى مفهوم وطني أشمل وأعم للعالم كله، وبالتالي يكتسب عديدًا من المهارات الحياتية، والتي تعد وظيفية في حد ذاتها، بل ومتطلب لاستمرارية النوع على ظهر البسيطة، مثل المشاركة المدنيةـ والفعالية السياسية، والتعاطف الثقافي، واحترام التنوع، والقدرة على التوفيق بين الصراعات من خلال آليات سلمية، بما في ذلك المناقشات والمفاوضات والقدرة على المشاركة بفاعلية في التغلب على التحديات المتجددة في العالم بأثره.
 
وثمت توافق واتفاق تامين على الحق في الحياة، والتي أقرتها الأديان السماوية، وبُنيت عليها الدساتير وما تمخض عنها من قوانين، وهذا الحق يضع الجميع دون استثناء تحت مسئولية التعايش السلمي والتضافر والتعاون لمواجهة تحديات الطبيعة وما تتعرض له من مخاطر بصورة مقصودة وغير مقصودة، ويتم ذلك تحت مرجعية التفاعل الإيجابي تجاه كوكب الأرض، واتجاه الإنسان نحو أخيه.
 
ويأتي إيمان الإنسان بأن العالم كله موطنه من اعتقاد صحيح وقناعة ذاتية يحثانه على دوره المنوط به كمواطن صالح على وجه البسيطة؛ حيث يحترم التنوع والتباين، ويمتلك الوعي السليم نحو ما يحاك ويمارس على سطح الأرض من أمور ترتبط بالجوانب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية والتقنية والبيئية، ومن ثم يسارع في تقديم مشاركاته الإيجابية في الأعمال الخيرية على كافة المستويات المحلية والعالمية؛ للحد من سلبيات الممارسات غير المسئولة والمتعلقة بالمجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية والتقنية والبيئية، وللحد أيضا من التفاوت بين بني البشر ومجتمعاتهم المتنوعة.
 
ويصعب أن يستند المعتقد في صورته الصحيحة وأن يتشكل الوعي الإيجابي بعيداً عن منظومة التعاطف والحب والانفتاح والرقي الفكري؛ لتتشكل الرغبة الجامحة نحو بناء مستقبل زاهر يهتم بحقوق الإنسان الدولية، ويعضد مبدأ المساواة في العالم بأسره، ويعمل على الحد من ظاهرة الفقر العالمي، والمعاناة الإنسانية، والاهتمام بالقضايا ذات الطابع العالمي.
 
ويدعم الاستيعاب العميق والصحيح لمفهوم المواطنة العالمية وما تشمله من قيم- مشاعر المواطن بالجمهورية الجديدة ويدفعه للارتباط بهذه المنظومة العالمية والانتماء لها؛ حيث يرتبط مستقبله بالمنظومة الكونية، وليس بالإطار الضيق الذي يعيش فيه فقط، كما يعد تنمية الوعي لدى المواطن بقضايا المواطنة العالمية ضرورة ذات طابع دولي، من أجل إعداده وفقاً للظروف والمتغيرات الدولية، ومن ثم تنمية شعوره نحو المستقبل الذي يتطلب التماسك والتضافر العالمي لمواجهة التحديات المستجدة التي تحيط بكوكبنا، ما يؤدي إلى الانسجام بين المجتمعات، من خلال معالجة الخلافات التي تنشأ بين مكوناتها، واستخدام لغة الحوار في حل المشكلات الاجتماعية المستحدثة، وبالطبع يسهم ذلك في حفظ حقوق المواطن المصري وحرياته، ويحفزه على تأدية الواجبات المطلوبة منه تجاه وطنه والعالم بأسره، من خلال تحمله المسئولية بسبب مشاركته في إدارة الشؤون المجتمعية التي تخص مصالح الإنسانية جمعاء.
 
ويؤكد الرئيس عبد الفتاح السيسي على أن المواطنة المصرية في أصولها تعمل على تعميق الإحساسٍ بالانتماء إلى الدولة المصرية، وإلى مجتمع إقليمي وعالمي يتسم بالإنسانية، والجمهورية الجديدة في دستورها تؤكد على أن يمتلك المواطن المصري الصفات العالمية، والتي تساعده في أن يسهم في بناء دولته، ويندمج في عالم أكثر أماناً وعدلاً وسلاماً، وتؤهله إلى أن يصبح مسئولاً في عالم يسوده السلام، ويتأتي ذلك من خلال:
 
 تقبل التحديات الحضارية، وما تفرضه من تداعيات تحتم على المواطن أن يمتلك وعياً بحقوق المواطنة العالمية ومسئولياتها، بما يسهم في زيادة أمن واستقرار الوطن والمواطن على السواء، وتنمية الوعي بالمواطنة العالمية الفعالة لمواجهة تلك التحديات.
 
 توعية المواطن المصري بمبادئ المواطنة العالمية وقضاياها المختلفة، ما يجعله مشاركًا في حل مشكلاته، والعمل على تطوير جودة الحياة فيه.
 مساعدة المواطن المصري على الاندماج في المنظومة الدولية وحركتها المتكاملة ومصلحتها الكلية التي تعلو فوق الجميع.
 
 أهمية تعزيز شعور المواطن المصري بالروابط المشتركة بينه وبين بقية أفراد الجماعة، كالدم والجوار والموطن وطريقة الحياة، بما فيها من عادات وتقاليد ونظم وقيم وعقائد ومهن وقوانين وغيرها.
 
 عرض قضايا المواطنة العالمية المتعددة من خلال برامج مقصودة بما يسهم في تنمية المعارف والقدرات والقيم والاتجاهات، والمشاركة في خدمة المجتمعات، ومعرفة الحقوق والواجباب.
 
وينبغي أن يتأصل لدى المواطن المصري أن المواطنة العالمية تسهم في بناء الدول ذات الصبغة المدنية التي تحترم حقوق الأفراد وحرياتهم؛ فهناك ضرورة لأن يشارك الجميع في الشأن العام، وبالتالي يتعزز مفهوم المواطنة العالمية الفاعلة في ذهن المواطن العالمي.
 
ومن المهم أن يُدرك المواطن المصري مدى مساهمة المواطنة العالمية في تنمية القيم الأساسية والمبادئ التي ترتكز عليها المجتمعات الإنسانية كافة، والمتمثلة في: كرامة الإنسان والعدالة والحرية والمساواة أمام القانون، فتعترف بالتعدد والتنوع العرقي والعقائدي، عندئذ تقدم مصلحة الأوطان على المصالح الخاصة للأفراد، وفي ضوء ذلك ينبغي أن يقتنع المواطن المصري بأن المواطنة العالمية تعمل على تنمية الإحساس بالانتماء وبالهوية العالمية دون غيرها.
 
وهناك دورٌ مهمٌ يقع على عاتق المؤسسات التعليمية في وطننا العزيز تجاه المواطن المصري؛ حيث ضرورة تنمية مبادئ المواطنة العالمية وقضاياها المختلفة لدى المتعلمين بمتنوع السلم التعليمي، ومن ثم فإذا تعلم المتعلم كيف يحيا مواطنًا متفاعلاً واعيًا مشاركًا فإن ذلك حتماً يؤدي إلى أن يشارك بفعالية في الحياة العامة، بحيث تصبح المشاركة أسلوب حياة أكثر منها معلومات تقف عند حد المعرفة.
 
ولا مناص من تشخيص واقع المواطنة العالمية والقيم المستخلصة من قضاياها والكشف عن المشكلات المجتمعية ومعالجة سلبياتها، والعمل على تنمية وعي المواطن المصري بها، تحقيقًا لمبدأ العدل والمساواة في الحقوق والواجبات، والذي إن تحقق أدّى تلقائيًا إلى ارتفاع الشعور بقيم المواطنة العالمية لدى المواطن المصري، وهو ما ينعكس إيجابيًا على مستوى التكامل الاجتماعي في المجتمعات قاطبة.
 
حفظ الله جمهوريتنا الجديدة وقيادتها السياسية وبلاد العالم قاطبة، ونفع بالبسيطة رجالاً حملوا على عاتقهم رسالة السلم والسلام، من أجل بني البشر.
 
 
                                                                                                                                   
 
                                                                                                                              بقلم
                                                                                                                  أ.د/ عصام محمد عبد القادر
                                                                                                           أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
                                                                                                          كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر








الموضوعات المتعلقة


مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة