- اتفاقية التجارة الحرة الأفريقية والمساعدة فى مواجهة وباء كورونا القاتل هدية مصرية لأشقائها الأفارقة
- التحركات المصرية فى القارة السمراء تستند إلى خطوات استراتيجية مدروسة وبرنامج زمنى لتنفيذ المشروعات التنموية
تقول المادة الأولى من دستور مصر: «إن جمهورية مصر العربية دولة ذات سيادة موحدة لا تقبل التجزئة، ولا ينزل عن شىء منها، نظامها جمهورى ديمقراطى، يقوم على أساس المواطنة وسيادة القانون. الشعب المصرى جزء من الأمة العربية يعمل على تكاملها ووحدتها، ومصر جزء من العالم الإسلامى، تنتمى إلى القارة الأفريقية، وتعتز بامتدادها الآسيوى، وتسهم فى بناء الحضارة الإنسانية».
على الأرض، وبداية من 2014 حولت مصر جملة «تنتمى إلى القارة الأفريقية» من جملة دستورية إلى واقع فعلى على الأرض، من خلال امتداد أفريقى وفق استراتيجية واضحة المعالم تتخذ من الدفاع عن المصالح والشواغل الأفريقية قاعدة راسخة، ومن مد يد العون والمساعدة والسلام والصداقة أساسا للتحرك.
وفى الوقت الذى تشهد فيه العاصمة الأمريكية واشنطن انعقاد القمة الأمريكية الأفريقية الثانية بحضور أفريقى رفيع المستوى، اتجهت الأنظار إلى مصر، بوصفها الفاعل الرئيسى فى القارة السمراء، وصاحبة أكبر تجربة تنموية فى سنوات قليلة، قادها الرئيس السيسى، حيث تنظر الدول الأفريقية لمصر على أنها نموذج ليس فقط للاستقرار والتنمية، وإنما لقدرة الدولة على التوسع خارجيا لصالح تحقيق الاستقرار والتنمية للدول الشقيقة، فقد استطاعت مصر أن تقدم نموذجا لـ«كيف تكون الدولة سندا ودعما للأشقاء».
يتذكر الجميع الثامن من يونيو 2014 جيدا، حينما أدى الرئيس عبدالفتاح السيسى اليمين الدستورية رئيسا لمصر، ففى خطابه رسم ملامح الرئاسة المصرية، التى تضمنت العمق الأفريقى لمصر، حيث قال الرئيس السيسى: «أما مصر الأفريقية رائدة تحرر واستقلال القارة السمراء، فإننى أقول لمن يحاول فصلها عن واقعها الأفريقى، لن تستطيع فصل الروح عن الجسد، فمصر أفريقية الوجود والحياة، وأقول لأبناء الشعب المصرى العظيم ـ الذى قامت حضارته العريقة على ضفاف نهر النيل الخالد ـ لن أسمح لموضوع سد النهضة أن يكون سببًا لخلق أزمة أو مشكلة أو أن يكون عائقًا أمام تطوير العلاقات المصرية سواء مع أفريقيا أو مع إثيوبيا الشقيقة، فإن كان السد يمثل لإثيوبيا حقها فى التنمية، فالنيل يمثل لنا حقنا فى الحياة.. النيل الذى ظل رمزًا لحياة المصريين منذ آلاف السنين وإلى جانب استمراره كشريان حياة المصريين، علينا أن نعمل ليصبح واحة للتنمية والتعاون فيما بين دول حوضه، وكما شهدت علاقات مصر الأفريقية تطورا تاريخيا بدءًا من مساندة حركات التحرر والاستقلال ومرورا بدعم أشقائنا الأفارقة، من خلال التعاون الفنى لبناء الكوادر الأفريقية فى شتى المجالات، فإن تلك العلاقات يتعين أن تتطور لتحقيق الشراكة فى التنمية فى شتى المجالات الصناعية والزراعية والتجارية، فمصر بوابة العالم إلى أفريقيا ونافذة أفريقيا على العالم ».
علاقات مصرية أفريقية قوية
منذ هذا التاريخ، بدأت مصر تستعيد علاقتها القوية والراسخة مع أفريقيا، وشهدت العلاقات المصرية الأفريقية زخما قويا يزداد يوما وراء الآخر، يعززه إرادة سياسية على أعلى المستويات بالارتقاء بالعلاقات مع دول القارة فى كل المجالات الاقتصادية والتجارية والصحية والاستثمارية، وهو ما انعكس فى التنسيق والتشاور المتواصل لتحقيق التكامل والوحدة، ومواجهة التحديات التقليدية وغير التقليدية التى تواجه عالمنا المعاصر، مرتكزين فى ذلك على عزيمة وإرادة صلبة، لتعزيز الجهود المبذولة لتوحيد الصف الأفريقى فى مواجهة الصراعات، التى تشهدها مناطق مختلفة من العالم وتأثيراتها على مسيرة التنمية فى الدول الأفريقية.
واصلت مصر التشاور على المستوى الثنائى مع كل دول القارة الأفريقية حول الشواغل والقضايا التى تواجهنا، وتابعت وتفاعلت من خلال دورها الرائد فى القارة الأفريقية مع التطورات السياسية والاقتصادية التى يشهدها العالم، كما قامت مصر بالعديد من التحركات الدبلوماسية للحفاظ على حقوق دول القارة ومكتسباتها، وهو الأمر الذى انعكس من خلال حجم الزيارات المتبادلة واللقاءات رفيعة المستوى بين مصر والدول الأفريقية على المستوى الرئاسى والمستوى الوزارى وكبار المسؤولين، سواء فى الإطار الثنائى أو تلك التى تمت على هامش اجتماعات المنظمات الدولية والإقليمية والتجمعات الأفريقية أو المحافل متعددة الأطراف، واستندت تحركات مصر فى القارة الأفريقية إلى خطوات استراتيجية مدروسة، وبرنامج زمنى لتنفيذ المشروعات التنموية اتساقا مع الخطط التنموية للدول الأفريقية، بجانب تكثيف الجهود لتعزيز الاستثمارات المتبادلة، وزيادة معدلات التبادل التجارى مع الأشقاء الأفارقة، لا سيما بعد دخول اتفاقية التجارة الحرة القارية حيز النفاذ، فضلا عن المساهمة فى بناء قدرات الكوادر الأفريقية فى مختلف المجالات، وبما يدعم جهود تحقيق التنمية المستدامة فى ربوع القارة الأفريقية، ويلبى تطلعات شعوبها فى النماء والرخاء والازدهار.
الصديق وقت الضيق
يدرك الأفارقة أهمية مقولة «الصديق وقت الضيق »، لذلك فإنهم يحملون كل التقدير لمصر لمساعدتها لهم فى الأزمات، منها أزمة فيروس كورونا الذى كان شاهدا على الدور القوى الذى تقوم به مصر تجاه دول القارة الأفريقية، فلم تنغلق مصر على نفسها، بل وضعت إنقاذ شعوب أفريقيا هدفا أمام أعينها، وقاد الرئيس السيسى سلسلة قمم عبر الفيديو كونفرانس من أجل وضع استراتيجية لمحاربة فيروس كورونا المستجد، ومن بينها تخفيف أعباء الديون على الدول الأفريقية ودعمها اقتصاديا، وخلال المشاركة فى إحدى جلسات قمة العشرين، تقدم الرئيس السيسى بمبادرة موجهة لدول مجموعة العشرين، لدراسة تخفيف أعباء الديون المستحقة على الدول الأفريقية، سواء بإعادة الجدولة أو التأجيل أو الإعفاء، بالتنسيق مع المؤسسات المالية الإقليمية والدولية، كالبنك الإسلامى للتنمية، والبنك الأفريقى للتنمية، وصندوق النقد الدولى والبنك الدولى، إلى جانب المانحين من الدول الصناعية الكبرى.
كما سلكت مصر طرقا عديدة للعمل على إنقاذ أفريقيا من الوباء القاتل، خاصة فى ظل تواضع إمكانياتها، منها مشاركة الرئيس السيسى فى مؤتمر القمة المصغر عبر وسائل الاتصال لمجموعة من القادة الأفارقة، أعضاء هيئة مكتب الاتحاد الأفريقى، التى شهدت الاتفاق بين قادة أفريقيا على إنشاء صندوق، لتوفير الموارد اللازمة لدعم جهود مكافحة وباء كورونا فى أفريقيا، ومجابهة التبعات الاقتصادية المتوقعة على الدول الأفريقية، وذلك على غرار الجهود السابقة لمكافحة انتشار وباء الإيبولا بعدد من الدول الأفريقية.
كما حرصت مصر على التعاون مع عدد من الدول الأفريقية فى المجال الاقتصادى، لزيادة الاستثمارات المصرية، وفتح الأسواق الأفريقية أمام المنتجات المصرية، واستكمال اتفاقية إنشاء منطقة التجارة الحرة القارية، وكذلك المساعدة فى تطوير البنية التحتية فى عدد من الدول الأفريقية، وتشير الأرقام الرسمية إلى أن الاستثمارات المصرية فى أفريقيا عام 2020 وصلت إلى 6 مليارات دولار، كما برزت بعض الاتفاقيات بين مصر ودول أفريقية للتعاون فى مجال الربط الكهربائى ومشروعات السكك الحديدية، فضلا عن التعاون المشترك بين مصر وعدد من الدول الأفريقية فى قطاع الزراعة والموارد المائية والرى والمرتبطة بحفر الآبار ومواجهة الفيضانات والجفاف وبناء السدود.
وفى المجال الطبى، أطلقت مصر فى سبتمبر 2019 مبادرة لفحص مليون مواطن أفريقى للكشف عن فيروس التهاب الكبد الوبائى.
إعادة تمركز مصر بقوة مع قارتها السمراء
وضع الرئيس السيسى عناصر عديدة تتكامل وتتناغم، لضمان إعادة تمركز مصر بقوة مع قارتها السمراء، ليس فقط ارتكانا على الرصيد الكبير الذى يوفره البعدان التاريخى والجغرافى، ولكن بالتوازى مع ذلك لبناء وترسيخ أسس تعاون مشترك بين مصر ودول القارة سياسيا واقتصاديا وثقافيا وشعبيا وأمنيا وإنسانيا، تعاون بناء ومشترك توظف فيه مصر قدراتها البشرية وخبراتها وإمكاناتها ومكانتها الدولية، لتعظيم مصالح الشعب المصرى وشعوب القارة الأفريقية، وهو ما ظهر أثره فى تجاوب قادة وزعماء القارة مع الرؤية المصرية، التى صاغت خريطة مستقبل القارة بخطط واقعية طموحة ترتقى لطموحات شعوب دول القارة فى عملية إعادة تمركز ممنهجة، تربط صفحات التاريخ وخرائط الجغرافيا بخريطة مستقبل، ولم تكن قمة المناخ cop27 بعيدة عن التحركات المصرية الداعمة لطموح وتطلعات القارة السمراء، فقد قطعت مصر طيلة السنوات الثمانية الماضية، وما زالت، خطوات ملموسة وبناءة على الصعيد المحلى والدولى فى طريق العمل المناخى لمواجهة أزمة تغير المناخ، التى تشكل تهديدا لكل مناحى الحياة، ولم يقتصر دور مصر فى مواجهة تغير المناخ على سلسلة الإجراءات الواسعة داخليًا، بل عملت أيضا على مساندة مصالح الدول الأفريقية الجارة والشقيقة، والدفع بهم نحو إجراءات التكيف مع تغير المناخ، باعتبارهم شركاء الموطن فى القارة السمراء.
نجحت مصر فى توقيع اتفاقية استضافة مركز الاتحاد الأفريقى لإعادة الإعمار والتنمية بعد النزاعات، كما أطلقت مصر برئاسة الرئيس السيسى، خلال رئاستها الاتحاد الأفريقى، منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية، عقب بدء سريان اتفاقية التجارة الحرة القارية المنظمة لها، التى كانت ضمن الأولويات، والتى أعلن عنها الرئيس خلال رئاسة مصر للاتحاد، وتسارعت الدول الأفريقية لإقامة تكتل اقتصادى بحجم 3.4 تريليون دولار يجمع 1.3 مليار شخص ليكون أكبر منطقة للتجارة الحرة منذ تأسيس منظمة التجارة العالمية، وهو ما يقدم فرصة ذهبية لإحداث تحول اقتصادى وتنموى فى القارة السمراء.
ونجحت مصر أيضا فى الفوز باستضافة وكالة الفضاء الأفريقية، حيث اتخذ المجلس التنفيذى للاتحاد الأفريقى قرارا باستضافة مصر لوكالة الفضاء الأفريقية.
يأتى هذا القرار بمثابة تقدير للثقة التامة فى قدرة الوكالة على خدمة القارة بأسرها، على صعيد تكنولوجيا الاستشعار عن بعد وعلوم الفضاء، لدفع جهود التنمية الوطنية والإقليمية الأفريقية وفقا لأجندة أفريقيا 2063.
انتهجت مصر سياسة تقوم على الالتزام الكامل بالقوانين الدولية، خصوصا القانون الدولى الإنسانى، والبحث عن مساحات التعاون واستكشاف الفرص مع الدول والشعوب الأخرى، وكان من نتاج هذه التحركات، أن ارتقت العلاقات مع دول القارة السمراء إلى مرتبة متقدمة على أجندة صانع القرار المصرى، وهذا الأمر تجلى فى مشاركة الرئيس السيسى فى القمم الأفريقية، بالإضافة إلى لقاءاته مع القادة والزعماء الأفارقة فى القاهرة والعواصم الأفريقية والدولية المختلفة، فضلا عن استنهاض الهمة المصرية فى إقامة المشروعات الحيوية للأفارقة مثل سد تنزانيا، وهو ما دفع مصر لتكون فى سنوات قليلة قلبا جديدا للقارة الأفريقية، وتكللت هذه الجهود بمنح الأفارقة ثقتهم فى الرئيس السيسى وتوليه رئاسة الاتحاد الأفريقى عام 2019، لتعبر مصر من خلال هذه الرئاسة عن رغبتها فى التقارب مع كل الدول الأفريقية وتحملها المسؤولية إزاء نظيراتها ودعمها للمصالح الأفريقية، سواء داخل القارة على المستوى الثنائى، وكذلك على المستوى الجماعى وعبر منظماتها الإقليمية والإقليمية الفرعية، أو من خلال المشاركة فى الفاعليات الدولية التى تتم عبرها مناقشة قضايا القارة وعلاقاتها مع المجتمع الدولى، وقدمت مصر خلال هذا العام العديد من المبادرات، كما عملت على تقديم الدعم إلى الدول الأفريقية فى العديد من المجالات، ومن أهمها المجال الأمنى والعسكرى، حيث حرصت على تطوير قدرات الجيوش الأفريقية، خاصة فى مناطق الاضطرابات فى الساحل الأفريقى، وكان إنشاء منظمة لمكافحة الإرهاب فى دول التجمع، يكون مقرها القاهرة، من أهم ثمار التحركات المصرية، كما سعت مصر إلى تطوير بنية السلم والأمن الأفريقى ودعمت مبادرة «إسكات البنادق»، التى تعد جزءا مهما من أجندة 2063 لتطوير القارة، وأولت إنشاء القوة الأفريقية الجاهزة أهمية كبيرة، واقترحت إنشاء وحدة خاصة لمكافحة الإرهاب تحت مظلة القوة الأفريقية الجاهزة، حيث تمثل قضايا انتشار الجماعات الإرهابية والصراعات بمناطق مختلفة فى القارة الأفريقية إحدى أهم القضايا التى حاولت مصر تقديم مبادرات للحد من تداعياتها ومنع تفاقمها.
وخلال الفترة الماضية، اتخذ الرئيس السيسى عددا من الخطوات المهمة، التى تستهدف إعلاء مصلحة أفريقيا وتغيير وجهة نظر العالم كله تجاه هذه القارة السمراء واعتبرها شريكا فى التنمية، ليس ذلك فقط بل، سعى أيضا إلى تعزيز التعاون بين مصر والدول الأفريقية، وبين الشعوب الأفريقية وبعضها البعض، وتركزت هذه الخطوات فى الدفاع عن مصالح أفريقيا ورفع صوتها من أجل الحق العادل فى السلام والاستقرار والتنمية، فلم يترك الرئيس السيسى مجالًا أو فاعلية دولية إلا وتحدث خلالها عن هموم القارة الأفريقية، من بينها ميونخ للأمن فى ألمانيا من أجل السلام فى أفريقيا، وقمة التيكاد فى طوكيو، وقمة السبع فى باريس، وقمة التعاون بين مجموعة العشرين، وغيرها من القمم الدولية.
صوت أفريقى قوى فى المحافل الدولية
من يتابع التحركات المصرية بداية من 2014 وحتى اليوم، سيجد أن أفريقيا دوما حاضرة وبقوة فى الخطاب المصرى، ولنأخذ هنا بعض الأمثلة:
خلال مشاركته بقمة مجموعة الدول السبع بفرنسا فى أغسطس 2019، كانت رسالة الرئيس واضحة وحاسمة، حينما خاطب قادة الدول الكبرى بقوله «لسنا فى حاجة لاستعراض التحديات التى تواجه قارتنا الأفريقية تفصيلًا، وإنما نحتاج للعمل سويًا لإيجاد حلول لها، وفق أولويات دول القارة، واستنادًا للعلاقة العضوية، بين تحقيق التنمية بكل أبعادها من جهة، والحفاظ على الأمن والاستقرار من جهة أخرى »، مشيرا إلى أن «الحديث عن النهوض بأفريقيا، ينبغى أن يتأسس على إرادة جماعية، تستهدف تسوية أزمات القارة، فضلًا عن مكافحة الإرهاب بكل أشكاله لتأثيراته المدمرة على جميع الأصعدة، لا سيما على جهود التنمية، وهو ما يجب أن يستتبعه مساءلة حقيقية لداعميه ومموليه، جنبا إلى جنب مع الحفاظ على الدولة الوطنية ومؤسساتها، وكل ذلك من شأنه أن يسهم فى تحقيق الأمن والاستقرار، وينأى بالشباب عن التطرف والهجرة غير الشرعية، ليتسنى التركيز على وضع آليات فعالة، للقضاء على الفقر وخفض البطالة، ومكافحة الأمراض المتوطنة، والتصدى لظاهرة تغير المناخ ».
خلال مشاركته بالغداء المصغر مع رؤساء المنظمات الاقتصادية الإقليمية الأفريقية الثمانية المعتمدة لدى الاتحاد الأفريقى، الذى عقد بمدينة سوتشى الروسية فى أكتوبر 2019 على هامش القمة الروسية الأفريقية، قال الرئيس السيسى: «ولا يزال تقديرنا بأن النهوض بشبكة البنية التحتية للنقل والانتقال والاتصالات فى أفريقيا يعد مسألة حيوية لتحقيق التكامل والنمو المنشودين على المستويين الإقليمى والقارى، نظرًا لأهمية البنية التحتية فى تسيير حركة الأفراد والبضائع والخدمات، فضلًا عن تعزيز قنوات التواصل ونقل البيانات والمعلومات، مما سينعكس على خفض تكلفة التجارة والاستثمار، ويوفر بيئة مواتية لتحقيق مستويات أعلى من التكامل الإنتاجى والاقتصادى، ويصب بشكل مباشر فى صالح تحقيق أولوياتنا، وفى مقدمتها التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ورفع مستوى معيشة المواطن الأفريقى، وفى هذا السياق، فإننى أعيد الدعوة لتكثيف العمل المشترك، والتعاون مع شركاء التنمية بهدف حشد الموارد اللازمة لتحقيق أهداف أجندة التنمية الأفريقية 2063، كما أننى أنتهز هذه المناسبة، وفى إطار الأولوية التى توليها دولنا الأفريقية لدور القطاع الخاص، لأتوجه باسم أفريقيا بدعوة مؤسسات القطاع الخاص الروسية والعالمية للاستثمار فى قارتنا، وأؤكد ضرورة اضطلاع مؤسسات التمويل الدولية والقارية والإقليمية بدورها فى تمويل التنمية بأفريقيا، وتوفير السيولة المالية لتعزيز التجارة وزيادة الاستثمارات ».
وفى كلمته أمام القمة الأفريقية الروسية، أكد الرئيس السيسى: «إن أفريقيا مقبلة على مرحلة مهمة، تشهد فيها تغيرات إيجابية كبيرة تتزايد فيها فرص التجارة والاستثمار وريادة الأعمال، وتتطور فيها مجالات وقدرات التصنيع والتحول الرقمى، وذلك بدفع من مجتمعات شابة طموحة، وسياسات حكومية تشجيعية جريئة ومحفزة لتحقيق تطلعات شعوبنا، وأود فى هذا السياق أن أؤكد للمشاركين فى محفلنا اليوم أننا قطعنا شوطًا طويلًا من الإصلاحات الاقتصادية والسياسية، فضلًا عن اتخاذنا خطوات ملموسة ومتلاحقة، لتحقيق عملية الاندماج الاقتصادى على المستويين الإقليمى والقارى، وآخرها دخول الاتفاقية القارية الأفريقية للتجارة الحرة حيز النفاذ، خلال قمة الاتحاد الأفريقى بالنيجر فى يوليو 2019، بما يجعل القارة مقصدًا لاهتمام شركاء التنمية الدوليين، وفى هذا الإطار، ترحب أفريقيا بالانفتاح على العالم، والتعاون مع شركائها بهدف تحقيق نقلة نوعية، سواء فى مجال بناء القدرات ونقل المعرفة، وتحديث منظومة التصنيع القارية، وتطوير البنية الأساسية والتكنولوجية، وإرساء قواعد الاقتصاد الرقمى».
وفى كلمته أمام قمة مجموعة العشرين وأفريقيا، التى عقدت بألمانيا فى نوفمبر 2019، أكد الرئيس السيسى: «تناولنا قضية تحقيق التنمية المنشودة فى أفريقيا لا يكتمل دون الخوض فى كيفية تهيئة المناخ المواتى، كشرط أساسى لإنجاح أى مسعى جاد للنهوض بقارتنا، فمن إصلاح عملية اتخاذ القرار الاقتصادى الدولى، والوفاء بالتعهدات الدولية المتصلة بالتنمية، مرورًا بتوفير التمويل والتكنولوجيا لمواجهة ظاهرة تغير المناخ، إلى منع التطرف ومكافحة الإرهاب بكل أشكاله، ومعالجة الهجرة غير الشرعية وغيرها من القضايا والتحديات التى تتشابك مع بعضها البعض، وتتداعى آثارها على مختلف المستويات الوطنية والإقليمية والدولية، فإن تعدد هذه الأوجه يكرس مفهوم وحدة المصير المشترك وقاعدة الفائدة المتبادلة ».
شدد الرئيس السيسى قائلا: «قارتنا الأفريقية تملك من المقومات والموارد المتنوعة والموقع الجغرافى المتميز جنبًا إلى جنب مع ما لديها من إرادة سياسية ورؤية واضحة المعالم، لتنفيذ الإصلاحات وإقامة مشروعات الربط والاندماج الإقليمى وتفعيل اتفاقية التجارة الحرة القارية، بما يؤهلها لأن تصبح أحد محركى النمو الاقتصادى العالمى ومن أبرز وجهات أنشطة الاستثمار، وهو ما يؤكده حفاظها على مدار السنوات الأخيرة على كونها واحدة من أسرع المناطق نموا، واقتران ذلك بارتفاع معدل نمو التجارة البينية، وتنامى تدفقات الاستثمار الأجنبى المباشر ».
وفى يناير 2020 وخلال قمة أفريقيا بريطانيا للاستثمار، أكد الرئيس السيسى انفتاح دول القارة الأفريقية التام للتعاون مع كل الشركاء، ومن بينهم بريطانيا، لا سيما فيما يتعلق بالمحاور الأربعة التالية ذات الأولوية لقارتنا:
أولًا: تكثيف تنفيذ المشروعات الرامية لتطوير البنية التحتية التى تسهم فى تحقيق الاندماج القارى، خاصة تلك المشروعات التى تقع ضمن أولويات برنامج تنمية البنية التحتية بالاتحاد الأفريقى، وعلى رأسها محور القاهرة- كيب تاون لربط شمال القارة بجنوبها، ومشروعات توليد الطاقة المتجددة وكل مشروعات الطرق والربط عبر خطوط السكك الحديدية.
ثانيًا: تفعيل كل المراحل التنفيذية لاتفاقية التجارة الحرة القارية الأفريقية، بما يُسهم فى تعزيز حركة التجارة البينية وزيادة تنافسية القارة على الصعيد الدولى، ويقيم سوقًا أفريقيًا جاذبًا للاستثمار الأجنبى.
ثالثًا: الدور المهم للقطاع الخاص المحلى فى تعزيز الجهود الوطنية للدول الأفريقية فى تحقيق التنمية، باعتباره أحد أهم محفزات النمو للنشاط الاقتصادى، وبالتالى فإن تدشين شراكات بين القطاع الخاص الأجنبى والأفريقى وتذليل أية عقبات فى طريقها، يُعد جزءا لا يتجزأ من استراتيجيتنا الوطنية.
رابعًا: تمكين الشباب والمرأة بدول القارة، وتوفير فرص العمل، باعتبار ذلك ركيزة أساسية لتحقيق التنمية والاستقرار الاجتماعى، وإكسابهم المهارات والخبرات التى تمكنهم من التعامل مع أدوات العصر وتيسير نفاذهم إلى التكنولوجيا المتقدمة لمواكبة التطورات العالمية ذات الصلة، وتعزيزًا لحقوق الإنسان بمفهومها الشامل.
وفى مؤتمر طوكيو الدولى للتنمية فى أفريقيا «التيكاد » فى أغسطس 2019، أشار الرئيس السيسى إلى حجم التحديات التى مازالت تواجه دول أفريقيا، فى ظل مناخ دولى تجتاحه موجات الحمائية الاقتصادية والتجارية، فضلًا عن التوقعات المتشائمة بتراجع النمو العالمى، وتفاقم تداعيات ظاهرة تغير المناخ، ودعا الرئيس السيسى المشاركين إلى تكثيف التعاون العلمى والتنموى المشترك للاستفادة من قُدرات القارة الأفريقية الطبيعية فى تنويع مصادر الطاقة، من خلال دعم مشاريع الطاقة المُتجددة والنظيفة، بما يُسهم فى تخفيف الآثار البيئية لظاهرة تغير المُناخ، لافتا إلى أنه فى الوقت الذى تلتزم فيه أفريقيا بالعمل على حماية كوكبنا، وفقًا لاتفاق باريس للمُناخ، فإنها تدعو دول العالم المُتقدم إلى الالتزام بتعهداتها، لا سيما وأن هذه الدول هى الأكثر تأثيرًا على مُناخ الأرض والأكثر استفادة من مواردها.
وقال الرئيس السيسى: إن مصر أطلقت المبادرة الأفريقية للطاقة المُتجددة، نيابة عن القارة الأفريقية فى 2015، كإطار فعال لحشد الاستثمارات لقطاع الطاقة المُتجددة، وجاءت الخطوة المصرية تأكيدًا على أن الطاقة المتجددة سوف تلعب دورا رئيسيا بأجندة الاتحاد الأفريقى حتى عام 2063 لتحقيق التنمية المستدامة بالقارة.
وخلال القمة السادسة للمشاركة بين الاتحاد الأفريقى والاتحاد الأوروبى بالعاصمة البلجيكية بروكسل 16 فبراير 2022، طالب الرئيس السيسى بضرورة دعم القارة الأفريقية لمواجهة أزمة التغيرات المناخية، عبر توفير تمويل المناخ المُيسر، الذى يُعد حجر الزاوية للجهود القائمة فى هذا الإطار.
الشاهد، أن مصر أثبتت قولا وفعلا أنها أفريقية الانتماء وأكثر المدافعين عن حقوق الأفارقة، بعدما حمل الرئيس السيسى، منذ 2014 وحتى اليوم، لواء الدفاع عن حقوق القارة السمراء فى التنمية والأمن والاستقرار.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة