العالم فى حالة تحول كبرى، على مدار عقود، لكنه يشهد تحولات وإعادة ترتيب أوراق كبرى، خاصة فى الاقتصاد.. وعلى مدى ثلاثة عقود منذ ما بعد الحرب الباردة تتفاعل التحولات الكمية بشكل يتجاوز أى تصور مسبق، فقد كان فيروس كورونا كاشفا عن مدى التشابك والاتصال والتواصل بين دول العالم وأنظمتها الاقتصادية، وبشكل يتجاوز ما كان متصورا من قبل، ثم جاءت الحرب الروسية الأوكرانية لتكشف عن مدى التشابك والاعتمادية الاقتصادية داخل أوروبا نفسها، وباقى دول العالم، لا يوجد اقتصاد لم يتأثر بالتحولات الجارية.
ولا يمكن فصل ما يشهده العالم من منافسات وصراعات، عن التحولات التى يشهدها على مدار العقود الأخيرة، حيث انعكاسات الحرب فى أوكرانيا وقبلها كورونا، على الاقتصاد بالتضخم، كشفت عن أن الأزمات تتجاوز مكانها الجغرافى، لتمتد إلى كل العالم، نتيجة ارتباط خطوط الاقتصاد العالمى، وترابطها، فضلا عن ثورة تقنية أنتجت أنماطا من الاقتصاد تجاوزت الأشكال التقليدية للعصر الصناعى، حيث غيرت الموجة الثالثة واتفاقيات التجارة من سياقات وقدرات الدول على العمل بانعزال عن اقتصاد عالمى متشابك.
على مدار السنوات الأخيرة، تحرص الدولة المصرية على مد وتوسيع الشراكة والتعاون والتنسيق مع مختلف التجمعات الكبرى، ضمن سياسة خارجية قائمة على التوازن، وأعادت الدولة المصرية مع الرئيس عبدالفتاح السيسى بناء دائرتها الأفريقية، وسَّعت من التفاعل مع الدائرة المتوسطية، وفى الوقت ذاته تقوم بدور الجسر بين كتل فاعلة «أفريقيا وأوروبا، والصين واليابان»، وضعا فى الاعتبار الانحياز إلى مطالب أفريقيا المشروعة فى التنمية والطاقة، بحيث لا تبقى القارة مجرد مصدر للمواد الخام، وتحصل على فرصة للتنمية والتصنيع والحصول على القيمة المضافة، ضمن تنمية حقيقية.
وخلال نوفمبر 2021 تسلمت مصر رئاسة قمة السوق المشتركة لدول شرق وجنوب أفريقيا «الكوميسا»، وقبلها أطلق الرئيس استراتيجية متوسطة المدى لتوسيع وتعميق التكامل الإقليمى والنشاط الاقتصادى والتنمية بين دول التجمع، بالتناغم مع اتفاقية منطقة التجارة الحرة فى أفريقيا التى دخلت حيز التنفيذ بالفعل.
قاريا، توسع مصر التعاون مع الدول الأفريقية، سياسيا واقتصاديا، وتسعى لتبادل الخبرات وتوطين الصناعة، وهو أمر يتطلب تأمين الطاقة، لأنها الأساس للصناعة والتنمية، حيث يُحرم أكثر من نصف سكان أفريقيا من الكهرباء، بينما يفترض أن تفى الدول الصناعية الكبرى بتعهداتها فى مساندة الدول الأفريقية، للدخول إلى عصر الطاقة المتجددة والكهرباء، وهو أمر يتطلب تمويلا كبيرا، يمكن أن يتوافر من الدول التى تحصل على مصالحها الغذائية والزراعية من أفريقيا، أو تتسبب فى التغيرات المناخية.
وسعت مصر على مدار السنوات الماضية لعقد قمم أفريقيا وروسيا، وأفريقيا والصين، وأفريقيا واليابان، لبناء علاقات متوازنة تحقق مصالح كل الأطراف، خاصة أن السوق الأفريقى به الكثير من الفرص الواعدة، وكانت الدورة السادسة للقمة «الأفريقية - الأوروبية» فى العاصمة البلجيكية بروكسل خلال فبراير الماضى، بحضور قادة ورؤساء حكومات أكثر من 50 دولة أعضاء فى الاتحادين الأوروبى والأفريقى، لتأكيد حق أفريقيا فى التنمية، حتى لا تدفع القارة ثمنا مضاعفا، مرة من الاستغلال الاستعمارى، ومرة بسبب التغير المناخى الناتج عن أنشطة الدول الصناعية الكبرى.
تكتسب القمة الأمريكية الأفريقية أهمية فى ظل هذا التوقيت، ويضاعف حضور الرئيس عبدالفتاح السيسى فى القمة أهمية كبيرة، ويركز الرئيس السيسى، على تأكيد مطالب القارة والدول الأفريقية، وتعزيز الشراكة الأفريقية الأمريكية لمواجهة أزمة الأمن الغذائى، وتيسير اندماج الدول الأفريقية فى الاقتصاد العالمى، وحقها فى تحقيق نمو اقتصادى عادل.
القمة الأفريقية الأمريكية ـ حسب تقرير زميلى محرر الرئاسة ومدير تحرير اليوم السابع محمد الجالى من واشنطن ـ تعكس تزايد الاهتمام العالمى بالقارة الأفريقية، خاصة من الجانب الأمريكى الذى يسعى لزيادة تواجده فى القارة، موضحا أن القمة تركز على مساعدة الدول الأفريقية فى مواجهة تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية، خاصة فيما يتعلق بتوفير الغذاء وأسعار الطاقة وسبل التكيف مع متطلبات مواجهة التغيرات المناخية ومساعدة الدول الأفريقية على التوجه نحو الطاقة الجديدة والمتجددة، لافتا إلى أن انعقاد القمة يأتى متزامنا مع الاستراتيجية الأمريكية تجاه أفريقيا جنوب الصحراء، التى أعلنتها فى أغسطس الماضى.
أجندة القمة، حسب تصريح المتحدث باسم الرئاسة السفير بسام راضى، تتناول قضايا التنمية والقضايا الأمنية وسبل مواجهة تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية، وما بعد جائحة كورونا، ويركز الرئيس عبدالفتاح السيسى، فى كلمته اليوم الخميس، أمام قمة قادة الولايات المتحدة وأفريقيا، على إطار الاستراتيجية المصرية التى تم عرضها خلال رئاسة مصر للاتحاد الأفريقى، وأهمية دعم اندماج القارة الأفريقية فى الاقتصاد العالمى وما لذلك من نتائج إيجابية للاستفادة من الاقتصاد العالمى وجذب الاستثمارات ونقل التكنولوجيا الحديثة وتوطين الصناعات ومواجهة قضايا تغير المناخ.
وبالطبع فإن الولايات المتحدة صاحبة أكبر اقتصاد، فضلا عما تمتلكه من نفوذ دولى وقدرات على التداخل، ومن هنا تأتى أهمية القمة «الأفريقية - الأمريكية»، حيث تلعب مصر والدول الأفريقية الحاضرة فى القمة، دورا فى عرض مطالب القارة واحتياجاتها فى التنمية والطاقة والخدمات، مقابل ما تؤمنه القارة للعالم من المواد الخام، والإنتاج الزراعى والحيوانى، وهى معادلة عادلة تتطلب تفاهمات توفرها مثل هذه القمة، التى تحمل أملا فى أن تنتبه الولايات المتحدة لأهمية أفريقيا، وتسعى لدور فاعل يبنى شراكات تحقق مصالح كل الأطراف، بعد بناء جسور الثقة والتعاون.