سوزان طه حسين «الفرنسية» التى كانت عين العميد التى يبصر بها
شخصيات ورموز مصرية كانت وما زالت مؤثرة، ولها صيت كبير، سواء على المستوى المحلى أو العربى والعالمى، أثرت وتؤثر فينا، فى مجالات كثيرة ومتنوعة سواء فنية أو علمية أو دينية أو اقتصادية أو سياسية وغيرها الكثير والكثير.
وتحرص «اليوم السابع» على إعادة حكايات تلك الرموز وتاريخها المُضىء، وفى إطار حرص الدولة وتوجُهها بإحياء الهوية المصرية ورموزها، حفاظا على تاريخنا العريق وللاستفادة من تلك القصص المُلهمة، وتقديم القدوة الحسنة للشباب والأجيال القادمة، وذلك من خلال تناول بروفايل لأبرز الشخصيات المُتميزة فى مصر، أسبوعيا على صفحات «اليوم السابع».
عارض أهلها زواجها منه بحجة أنه أجنبى أعمى فحسمت أمرها قائلة: «اخترت حياة رائعة وليس ثمة ما يدعو للخجل»
قرأت له الكثير من المراجع وأمدته بالكتب بطريقة «برايل» وساعدته على الاطلاع باللغة الفرنسية واللاتينية فتمكن من الثقافة الغربية.
هذه السيدة الفاضلة، قال فيها عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين «أنه منذ أن سمع صوتها لم يعرف قلبه الألم».. هذه الجملة تلخص وتختزل بعمق شديد العلاقة العاطفية والزوجية التى ربطت بين السيدة الفرنسية سوزان والدكتور طه حسين، منذ أن تلاقيا للمرة الأولى فى فرنسا فأصاب قلب كل منهما سهم الحب الذى بات بعد ذلك علاقة استمرت أكثر من نصف قرن، أحبته منذ الوهلة الأولى واخترق صوتها المختزل لكل الصفات التى أحبها فيها أذنه إلى قلبه مباشرة، فالأذن تعشق قبل العين أحيانًا».
هى من اتخذت القرار أن تتزوج هذا الرجل الضرير الذى جاء من الشاطئ الآخر للمتوسط إلى الشاطئ الفرنسى مرتين، الأولى إلى مونبلييه والثانية إلى باريس، فى المرة الأولى عام 1914 بعد حصوله على الدكتوراه، حيث أوفدته الجامعة المصرية إلى مونبلييه، لمتابعة التخصص والاستزادة من فروع المعرفة والعلوم العصرية، فدرس فى جامعتها الفرنسية وآدابها، وعلم النفس والتاريخ الحديث، وبقى هناك حتى سنة 1915 وعاد إلى مصر.
أثار خلالها معارك وخصومات متعددة، محورها الكبير بين تدريس الأزهر وتدريس الجامعات الغربية ما دفع بالمسؤولين إلى اتخاذ قرار بحرمانه من المنحة المعطاة له لتغطية نفقات دراسته فى الخارج، لكن تدخل السلطان حسين كامل حال دون تطبيق هذا القرار، فعاد إلى فرنسا من جديد لمتابعة التحصيل العلمى، ولكن فى العاصمة باريس درس فى جامعتها مختلف الاتجاهات العلمية فى علم الاجتماع والتاريخ اليونانى والرومانى والتاريخ الحديث، وأعد خلالها أطروحة الدكتوراه الثانية، وعنوانها: «الفلسفة الاجتماعية عند ابن خلدون»، وكان ذلك عام 1918 إضافة إلى إنجازه دبلوم الدراسات العليا فى القانون الرومانى، والنجاح فيه بدرجة الامتياز.
شاركت مصر فى الحرب إلى جانب الحلفاء، ولكنها كانت فى أضعف حالاتها السياسية والعسكرية والاقتصادية، لكن النهضة العلمية هى الوحيدة التى احتفظت بتوهجها فأنشئت الجامعة الأهلية عام 1908 ودرس وتخرج فيها طه حسين ثم تم الإعلان عن جامعة فؤاد الأول.
فى تلك السنوات ورغم ظروف الحرب يمضى طه حسين الذى فقد بصره صغيرًا لكنه لم يفقد العقل والبصيرة فى طريقه للعلم وسط صعوبات جمة، لكن القدر كان رحيمًا للغاية به ويسوق إليه فى طريقه تلك الفتاة الجميلة.
اسمها الحقيقى سوزان بريسو السويسرية الفرنسية الجنسية التى التقته، فأحبته فقد شغفها حبا وأحبها هو حبا جما فتمسكت به وبالزواج منه رغم معارضة أهلها الذين وقفوا ضد هذا الزواج بقسوة لأن، كما قالوا لها كلمات غليظة يصفون بها ابن قرية الكيلو بالمنيا والقادم من الشرق: «زوج أجنبى، أعمى، ومسلم، إنه ضرب من الجنون»، لكنها حسمت أمرها قائلة: «كنت قد اخترت حياة رائعة، وليس ثمة ما يدعو للخجل».
أدرك طه حسين أنه ولد مرتين، مرة عندما أطل على الدنيا عام 1888م، والمرة الثانية عندما تعرف على شريكة العمر ورفيقة الدرب سوزان، ومعها بدأ دنيا جديدة بعيون مبصرة، كانت عينه التى يرى بها الدنيا وسنده الذى يتكئ عليه فى دروب الحياة، وقال لها ما لم يقله فطاحل الشعر العذرى: «يا سوزان بدونك أشعر أننى أعمى حقًا.. وأنا معك فإننى أتوصل إلى الشعور بكل شىء وأمتزج وأتعرف على كل الحياة وكل الأشياء التى تحيط بى».
تعرف طه حسين على سوزان بريسو فى باريس عندما كان يدرس هناك عام 1915، تحدثا وتصافحا كأنهما تعانقا بكفيهما، سرت قشعريرة الحب بينهما، وتزوجا بالفعل عام 1917 وسط ظروف صعبة فى ظل الحرب العالمية الأولى، وعن تلك الأوقات تقول: «لقد تعلمت فى تلك الأيام أن آخذ نصيبى من كل المحن التى اختصت بها الحياة الرجل الذى كنت أحب، الجسدية منها أو المحن الأخرى».
تقرأ سوزان إعلانًا فى جريدة محلية أن طالبًا شابًا أجنبيًا أعمى يحتاج قارئًا، ثم تلتقيه لتنطلق قصة بدأتها بتردد استحال إلى يقين، جعلها تغادر بلادها وحياتها لأجله، عن لحظة اللقاء تقول: «لم يكن ثمة شىء فى ذلك اليوم ينبئنى بأن مصيرى كان يتقرر، ولم يكن بوسع أمى التى كانت بصحبتى أن تتصور أمرًا مماثلًا».
قراءات يومية متبوعة بنقاشات حول الأدب الفرنسى واللغة الفرنسية، تجعل من سوزان «أستاذته»، كما يصفها طه فى كتابه «الأيام» بعد حين: «أنا مدين لها أن تعلمت الفرنسية، وأن عمقت معرفتى بالأدب الفرنسى، وأنا مدين لها أن تعلمت اللاتينية ونجحت فى نيل إجازة الآداب، وأنا مدين لها أخيرًا أن تعلمت اليونانية واستطعت أن أقرأ أفلاطون فى نصوصه الأصلية».
كان لهذه السيدة عظيم الأثر فى حياته، فقامت له بدور القارئ فقرأت له الكثير من المراجع، وأمدته بالكتب التى تمت كتابتها بطريقة «برايل» حتى تساعده على القراءة بنفسه، كما كانت الزوجة والصديق الذى دفعه للتقدم دائمًا، ساعدته على الاطلاع أكثر فأكثر باللغة الفرنسية واللاتينية، فتمكن من الثقافة الغربية إلى حد بعيد، وأثمر الزواج عن اثنين من الأبناء هما: أمينة ومؤنس.
قصة السيدة سوزان التى ارتضت أن يقترن اسمها باسم عميد الأدب العربى رغم أنها ابنة الحضارة الغربية بعاداتها وتقاليدها وتشريعاتها وقوانينها الصارمة، تستحق أن تكون النموذج فى العطاء والوفاء والتضحية وفى الحب الذى لا نهاية له، هى قصة تقارن بحكايات العطاء والوفاء فى التاريخ الإنسانى، فاستحقت أن تكون رفيقة دربه طوال 60 عامًا تقريبًا حتى توفى فى 28 أكتوبر عام 1973.
فى عام 1895 ولدت سوزان بريسو، أى بعد مولده بحوالى 7 سنوات، ونشأت نشأة فرنسية كاثوليكية، واشتغلت بالتدريس فى بداية حياتها العملية، وتسببت أحداث الحرب العالمية الأولى فى تهجيرها مع عائلتها إلى مدينة «مونبلييه» فى جنوب فرنسا، فى تلك المرحلة بالتحديد سنة 1915م، تعرفت إلى «طه حسين» الشاب المصرى طالب الدراسات العليا كفيف البصر، الذى كان فى حاجة لمن يقرأ له الكتب والمراجع التى تساعده على إتمام دراسته.
وعقب وفاته كتبت تقول: «ذراعى التى تمسك بذراعك لا فائدة منها، ويدى بدونك تبدو بلا جدوى»، ولم تطل حياتها بعده حيث توفيت بعده بعدة سنوات قليلة، وكما تقول فى كتابها الذى أصدرته بعد وفاته بعنوان « معا»، باللغتين العربية والفرنسية: «كان حبًّا من أول همسة، وزواجًا متينًا لم تفتُر فيه المحبة، ولم يتوقف أحد الزوجين فيه عن مساندة ودعم الآخر، وكما تحدَّيَا عقبات عديدة ليتزوجَا «من بينها اختلاف القومية والديانة» فقد تغلَّبا معًا على مصاعب الحياة فى رحلتهما الطويلة غير التقليدية، وهو «طه حسين» الكاتب والمترجم والأكاديمى والمنشغل بالشأن العام، وهو الظاهرة الأدبية والثقافية المصرية والعربية الفريدة، والشخصية التى لن تتكرر فى تاريخ الأدب العربى.
«إننا لا نحيا لنكون سعداء» عبارة على لسان «طه حسين» تفتتح بها «سوزان» كتابها عنه، أو بالأدق كتابا عنهما، قصة حياة امتدَّت قرابة 60 عامًا، معه، مع الجانب الإنسانى الدافئ لعميد الأدب العربى. شرعت سوزان طه حسين فى تدوين هذه المذكرات بعد وفاة زوجها الذى جمعت بينه وبينها علاقة فريدة من نوعها، فهو المصرى المسلم وهى الفرنسية المسيحية، هو الأديب والمفكر الذى أفنى عمره فى البحث والتأليف وهى عيناه اللتان كان يرى ويقرأ بهما العالم، هما الزوجان اللذان لم يحييا حياة عادية، ولم يكن حبهما عاديًّا، سنتان استغرقتهما كتابة سوزان لهذا الكتاب مستخدِمةً لغتها الفرنسية التى تتقنها، وأرادت له أن يترجَم إلى العربية.
هذه الحياة الحافلة والسيرة الملهِمة كتبتها «سوزان طه حسين» فى كتاب « معًا» سطرته عقب وفاة زوجها، إحياءً لذكراه التى لم يطوِها الموت ولا النسيان، فقد كانت هى أيقونة الحب والصداقة فى حياة زوجها، كانت العلاقة الأولى هى إعجاب من سوزان بفكر هذا الشاب المصرى طه حسين مما دفعها لأن تساعده وتقرأ له الكتب والمراجع، وكانت البداية صداقة برباط سماوى لا تدركه سوى القلوب الصافية والعقول النهمة لمعرفة الحب، حيث كان يناديها طه حسين فى ذلك الوقت «صديقتى» ولم يكن يدرى بأن الصداقة فى عمقها حب شديد مسافته مسافة السماء وقربه قرب نظرة وشغف.
يصارح طه حسين سوزان بحبه لها، ولكن الأمر لم يكن بهذه الصورة السهلة لسوزان، فقد كانت تدرك بأحكام عقلها بأنها كيف ستتزوج بإنسان فاقد البصر، وقالت له، فى بادئ الأمر، وأنا لا أحبك، كانت تقولها له وهى تبكى، وابتعدت، ولكن شعور ما فى داخلها غير نظرتها، حيث اكتشفت أن قوة القلب أقوى من الأمور العقلانية، وأدركت سوزان أن للقلب طريق آخر مخالف للعقل، وللقلب أحكام ومجريات أخرى.
أعلنت سوزان لأسرتها رغبتها فى الزواج من طه حسين الشاب المصرى الذى أتى من نشأة وبيئة مختلفة تمامًا عنها، وكانت أسرتها من المتمسكين بعقيدتهم الكاثوليكية، وغير ذلك أنه كفيف البصر أيضًا، فاعترضت أسرتها بشدة وظلت المحاولات لإقناعهم بإتمام ومباركة هذه الزيجة، وكان لسوزان عمها وهو «قس» رجلا عاقلا مهذبا وواعيا، جلس مع عميد الأدب طه حسين وانبهر به، واستطاع أن يقنع أهلها بهذه الزيجة، وتمت بالفعل، وتحمل جمل طه لها عمقا وحبا وصدقا، معلنًا لها كم كانت فريدة فى حياته، وكم كانت بمثابة النور الذى حرمه منه الله فى نفسه وأرسله له فى إنسان آخر، فقد ظلت علاقة طه حسين بزوجته وطيدة وصادقة مليئة بالحب والتضحيات حتى وفاتها.
عام 1977 أصدرت دار المعارف ترجمة كتاب «معك» لسوزان طه حسين، زوجة عميد الأدب العربى الراحل، والذى صدرت طبعته الفرنسية للمرة الأولى عام 2011، أى بعد سبعة وثلاثين عامًا على صدور الطبعة العربية الأولى.
كانت سوزان طه حسين تكتب وتكتب رغم ضعف نظرها، وتأثرت عيناها بمرض تكثف فى العدسة، وأجرت عملية جراحية ناجحة، لكنها تخطت هذه الصعوبات، وسودت خلال أشهر كثيرة مئات الصفحات فى وحدة تامة بمنزل عميد الفكر العربى طه حسين فى الهرم المعروف بـ«رامتان» حيث كانت تقيم منذ ذلك الوقت وحدها، وكانت المرأة التى تساعدها على إدارة المنزل تنصرف بعد الظهر، بينما سوزان تكتب باستمرار مع تعديلات وتغييرات وإضافات ومراجعات.
يبدأ كتاب «معك» باستعادة سوزان طه حسين لمقولة عميد الأدب العربى: إننا لا نحيا لنكون سعداء، وتردف: عندما قلت لى هذه الكلمات فى عام 1934 أصابنى الذهول، لكننى أدرك الآن ماذا كنت تعنى، وأعرف أنه عندما يكون شأن المرء شأن طه، فإنه لا يعيش ليكون سعيدًا، وإنما لأداء ما طُلب منه.
وتتابع سوزان طه حسين: لقد كنا على حافة اليأس، ورحت أفكر: لا إننا لا نحيا لنكون سعداء، ولا حتى لنجعل الآخرين سعداء، لكنى كنت على خطأ، فلقد منحت الفرح، وبذلت ما فى نفسك من الشجاعة والإيمان والأمل.
الكتاب فى شكل الرسائل، التى تكتبها سوزان طه حسين، موجهة حديثها إلى عميد الأدب العربى، تستعيد فى هذه الرسائل لحظاتهما، بل وتحكى أيضًا فى الكتاب لحظات حساسة مر بها الوطن، ومنها فترة ما بعد حرب أكتوبر، وهى الأيام التى شهدت مرض طه حسين الأخير، ورحيله.
ثم تعود سوزان لتحكى عن لحظات لقائها الأولى بطه حسين، فتقول: أول مرة التقينا فيها كانت فى 12 مايو 1915، فى مونبيليه، ومنذ زواجنا كنا نحتفظ لهذا اليوم بوضع خاص، لم يكن ثمة شىء فى ذلك اليوم ينبئنى بأن مصيرى كان يتقرر، ولم يكن بوسع أمى التى كانت بصحبتى أن تتصور أمرًا مماثلًا، وكنت على شىء من الحيرة، إذ لم يسبق لى فى حياتى أن كلمت أعمى.
تحكى سوزان عن الأستاذ الإيطالى الذى كان يدرس لطه حسين اللغة اللاتينية، والذى شاهدها بينما تزور طه فى غرفته التى كانت مخصصة له فى فترة الطلبة، وكان يشاهدها بينما تقرأ له بعض الفصول من كتاب فرنسى، وهو الأستاذ الذى تنبأ بأنهما سيتزوجان بقوله: سيدى، هذه الفتاة ستكون زوجتك.
كما تحكى سوزان فى مستهل الكتاب عن عودة طه حسين لمصر، إبان الحرب العالمية الأولى، فى ظروف شديدة القسوة، حيث كان حزينًا لعدم متابعته دراسته، التى كانت لا تزال فى بدايتها، وأخيرًا حصل مع آخرين على إذن بالعودة عام 1916.
حضر الفن بقوة فى علاقة طه حسين وزوجته الفرنسية، بالموسيقى والرسم والغناء، نسج الاثنان تفاصيل ملأت حياتهما وعززت ودادهما، عن البدايات تحكى: «لم نكن أغنياء، لكن طه وجد وسيلة يتمكن بها من إهدائى بمناسبة عيد ميلادى، فقد اشترى من شارع بونابرت نسخة من لوحة «عذراء لندن» لبوتشيللى، هذه اللوحة بقيت دومًا فى غرفتى».
وتتابع «كانت أجمل لحظاتنا هى الفترات التى نقضيها ونحن نستمع إلى الحفلات الموسيقية التى كانت تقدم كل أحد فى السوربون، لم تكن باهظة، إلا أننا كنا نضطر أحيانًا للاستغناء عنها، وكنا نعزى أنفسنا بقراءة كتاب جميل».
الأصدقاء كانوا أحد أسباب ثراء حياة الزوجين وصخبها، ربطتهما علاقات مع مصريين وعرب، كذلك أوروبيين وأمريكيين، مثقفين ومستشرقين ورجال دين، وعندما كان يحتاج طه بعض العزلة والتقرب من الطبيعة، كانت تصحبه سوزان إلى فرنسا وإيطاليا فى نزهات استمرت حتى آخر أيامه.
فى سنواته الأخيرة، خفت وهج الحياة، قلّ السفر وغاب الأصدقاء، بعد تدهور صحته، نتيجة آلام فى العمود الفقرى أثرت على النخاع الشوكى، فأجرى عملية جراحية بات يمشى بعدها بصعوبة، تستعيد سوزان تلك السنوات العصيبة، مؤكدة أنها لم تكن بمجملها عقيمة: «كانت مفيدة فى كثير من الأحيان، وجميلة أحيانًا، كنا أكثر قربًا واحدنا من الآخر».
تحكى تفاصيل كان يفعلها طه بعفوية فى السنوات الأخيرة: «تبدو عادية بين أى زوجين»، غير أنها كانت تقيم لها اعتبارًا كبيرًا: «أملك صندوقا صغيرا لوضع أدوات الزينة، ليس عريضا لكنه عالٍ بما يكفى، لا أستطيع أن أنظر إليه الآن بلا مبالاة، فعندما كنا نذهب فى رحلة خاصة، كان يحمله بعناية وبفخر رقيق حنون يؤثر فى نفسى تأثيرًا عميقًا».
تقول سوزان لم يكن يبدو عليه المرض إطلاقًا ذلك السبت 27 أكتوبر ومع ذلك، ففى نحو الساعة الثالثة من بعد الظهر شعر بالضيق، كان يريد أن يتكلم، لكنه كان يتلفظ الكلمات بعسر شديد، وهو يلهث، ناديت طبيبه والقلق يسيطر علىَّ، لكنى لم أعثر عليه، فركبنى الغمُّ، وعندما وصل، كانت النوبة قد زالت، وكان طه قد عاد إلى حالته الطبيعية. وفى تلك اللحظة وصلَتْ برقية الأمم المتحدة التى تعلن فوزه بجائزة حقوق الإنسان، وانتظاره فى نيويورك فى العاشر من ديسمبر لتسلُّم الجائزة، وكان الطبيب هو الذى قرأها له، مهنئًا إيَّاه بحرارة، غير أنه لم يُجِبْ إلا بإشارة من يده كنت أعرفها جيدًا كأنها تقول: «وأية أهمية لذلك؟!»، ثمَّ جاءت الليلة الأخيرة، نادانى عدَّة مرات، لكنه كان ينادينى على هذا النحو بلا مبرِّرٍ منذ زمن طويل، ولما كنت مرهقة للغاية، فقد نِمْتُ، نمتُ ولم أستيقظ، وهذه الذكرى لن تكفَّ عن تعذيبى.
دفن طه حسين بالقرب من مسجد الإمام الشافعى، ولم يسمح لزوجته سوزان بالذهاب إلى المقبرة يوم الجنازة ربما لتلافى الانفعال الشديد والإرهاق الكبير، كما أن «أمينة» ابنته لم تذهب أيضًا كى تبقى بصحبة والدتها.
بعدها بأيام قليلة قررت سوزان أن تذهب لأول مرة إلى مقبرة الدكتور طه حسين، كان ذلك فى شهر نوفمبر 1973.
يوم 26 يوليو عام 1989، توفيت فى القاهرة سوزان طه حسين، عن عمر ناهز 94 عاما، قضت منها 75 عاما فى مصر، ودفنت فى المقبرة اللاتينية بالقاهرة القديمة.
سوزان طه حسين
سوزان طه حسين
سوزان طه حسين
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة