ـ تخصصت فى الطاقة الذرية حتى يكون علاج السرطان بالذرة مثل الأسبرين
ـ العالم مصطفى مشرفة يهدد باستقالته من الجامعة بسبب رفض الأساتذة الإنجليز تعيين سميرة أول معيدة فى كلية العلوم.. توصلت إلى معادلة علمية مهمة تساعد على تفتيت المعادن الرخيصة وبالتالى صناعة القنبلة الذرية من مواد فى متناول الدول النامية
شخصيات ورموز مصرية كانت وما زالت مؤثرة، ولها صيت كبير، سواء على المستوى المحلى أو العربى والعالمى، أثرت وتؤثر فينا، فى مجالات كثيرة ومتنوعة سواء فنية أو علمية أو دينية أو اقتصادية أو سياسية وغيرها الكثير والكثير.
وتحرص «اليوم السابع» على إعادة حكايات تلك الرموز وتاريخها المُضىء، وفى إطار حرص الدولة وتوجُهها بإحياء الهوية المصرية ورموزها، حفاظا على تاريخنا العريق وللاستفادة من تلك القصص المُلهمة، وتقديم القدوة الحسنة للشباب والأجيال القادمة، وذلك من خلال تناول بروفايل لأبرز الشخصيات المُتميزة فى مصر، أسبوعيا على صفحات «اليوم السابع».
الدكتورة سميرة موسى.. هى أول عالمة ذرة عربية ومصرية فى التاريخ، وأول معيدة فى كلية العلوم جامعة القاهرة وأول امرأة تحاضر فى مدرج الجامعة، وقبل ذلك كانت أول فتاة تحصل على المركز الأول فى التوجيهية «الثانوية العامة» عام 1935 على مستوى القطر المصرى.
صراع والدتها مع مرض السرطان كان الدافع الرئيسى وراء اتجاهها إلى دراسة العلوم بغية التوصل لاستخدامات نافعة للطاقة النووية، خاصة فى مجال الطب، وآمنت بالاستخدام السلمى للطاقة الذرية وقالت ذات مرة: «أتمنى أن يصبح استخدام الطاقة الذرية فى علاج السرطان فى متناول الجميع كقرص الأسبرين»، حتى يتمكن كل مريض بهذا المرض اللعين من العلاج والشفاء.
سميرة موسى كانت مثل شعاع حلم ووميض ضوء ينتظر دوره ليرسل بأنواره على حلم أكبر للوطن فى مجال الطاقة الذرية السلمية، لكنه حلم لم يكتمل، وتم اغتياله بفعل فاعل وبأياد سوداء لا تتمنى أبدًا لأحد من أبناء أو بنات مصر أن يتفوق ويبزغ نجمه العلمى.
البداية من قرية صنبو الكبرى التابعة لمركز زفتى بمحافظة الغربية، حيث ولدت الطفلة سميرة موسى فى 3 مارس 1917، وكانت لها شقيقة واحدة، ومن الأشقاء اثنان وكان والدها يتمتع بمكانة اجتماعية مرموقة بين أبناء قريته، فكان منزله بمثابة مجلس علم ومنتدى ثقافى يلتقى فيه أهل القرية ليناقشوا كل الأمور السياسية والاجتماعية، وسط هذا المناخ الثقافى والاجتماعى تربت سميرة وتفتح وعيها، فالتحقت مثل أطفال جيلها بكتاب القرية وحفظت أجزاءً من القرآن ثم التحقت بمدرسة القرية الأساسية وتفوقت فى تعليمها بفعل ما يحدث فى بيتها من نقاشات وحوارات ثقافية وسياسية واجتماعية فاهتمت بقراءة الصحف والمجلات الصادرة فى ذلك الوقت.
ينتقل والدها إلى القاهرة من أجل استكمال تعليمها وتلتحق سميرة بمدرسة قصر الشوق ثم بمدرسة الأشراف الثانوية الخاصة والتى أسستها وأدارتها نبوية موسى الناشطة النسائية السياسية المعروفة ويشترى الأب ببعض أمواله فندقا فى حى الحسين حتى يستثمر أمواله فى حياة القاهرة، وتتفوق سميرة وتحصل على المركز الأول فى شهادة التوجيهية «الثانوية العامة فيما بعد» عام 35 كأول فتاة تحصل على المركز الأول فى التوجيهية على مستوى القطر المصرى.
ولم يكن فوز الفتيات بهذا المركز مألوفًا فى ذلك الوقت، إذ لم يكن يسمح لهن بدخول الامتحانات التوجيهية إلا من المنازل، حتى تغير هذا القرار عام 1925 بإنشاء مدرسة الأميرة فايزة، وهى أول مدرسة ثانوية للبنات فى مصر.
كان لتفوقها المستمر أثر كبير على مدرستها، حيث كانت الحكومة تقدم معونة مالية للمدرسة التى يخرج منها الأول، مما دفع ناظرة المدرسة نبوية موسى إلى شراء معمل خاص حينما سمعت يومًا أن سميرة تنوى الانتقال إلى مدرسة حكومية يتوفر فيها معمل.
ويذكر عن نبوغها وتفوقها وذكائها الشديد أنها تمكنت من تأليف كتاب فى علم الجبر الحديث، وصياغة كتاب الجبر الحكومى فى السنة الأولى من الثانوية، وطبعته على نفقة أبيها الخاصة، الذى انتابته فرحة شديدة وقرر طباعة 300 نسخة من كتاب ابنته، على نفقته الخاصة ويوزعها على أصدقائها وزميلاتها بالمجان.
لم تجعل أمامها هدفا للالتحاق بالجامعة سوى هدف واحد وهو الالتحاق بكلية العلوم جامعة فؤاد الأول «القاهرة حاليًا»، رغم أن مجموعها كان يؤهلها لدخول كلية الهندسة فى الوقت الذى كانت أمنية أى فتاة فى ذلك الوقت هى الالتحاق بكلية الآداب، فى كلية العلوم لفتت نظر أستاذها الدكتور على مصطفى مشرفة، وهو أول مصرى يتولى عمادة كلية العلوم، تأثرت به تأثرًا مباشرًا، ليس فقط من الناحية العلمية بل أيضًا بالجوانب الاجتماعية فى شخصيته.. ويستمر تفوق الطالبة الجامعية سميرة موسى فى الجامعة وتحصل على بكالوريوس العلوم وكانت الأولى على دفعتها.
كان لا بد من تعيينها كمعيدة فى الكلية وثار جدل كبير بين أساتذة الكلية، خاصة من الإنجليز «كيف لطالبة مصرية تتفوق وتعين كمعيدة وهى سابقة لم تحدث فى تاريخ الجامعة والكلية من قبل». أصر الإنجليز على رفض تعيين سميرة موسى كمعيدة فى الكلية، لكن أمام إصرار أستاذها الكبير والعالم المصرى على مصطفى مشرفة وتهديده بالرحيل عن الجامعة، فقد وضع استقالته على مكتب رئيس الجامعة، الدكتور أحمد لطفى السيد مهددًا برحيله إذا لم يتم تعيين سميرة موسى بالجامعة، وبالفعل اجتمع مجلس الوزراء وأصدر قرارًا بتعيينها، وكانت أول امرأة تحصل على لقب معيدة بكلية العلوم، وأول فتاة تحاضر الطلاب بالجامعة.
والدكتور على مصطفى مشرفة باشا «11 يوليو 1898 - 15 يناير 1950».. هو عالم الفيزياء النظرية المعروف، من مواليد دمياط، والمعروف بأينشتاين العرب، كان أول مصرى يحصل على درجة دكتوراه العلوم من إنجلترا من جامعة لندن عام 1924، وتم تعيينه أستاذًا للرياضيات فى مدرسة المعلمين العليا ثم للرياضيات التطبيقية فى كلية العلوم عام 1926، ومنح لقب أستاذ من جامعة القاهرة، وهو دون الثلاثين من عمره، وتم انتخابه فى عام 1936 عميدًا لكلية العلوم، فأصبح بذلك أول عميد مصرى لها.
ودافع الدكتور مشرف بشدة عن تلميذته حتى تم تعيينها وتجاهل احتجاجات الأساتذة الأجانب الإنجليز، وبفضل دعمه وتشجيعه لها بشكل مستمر حصلت سميرة موسى على شهادة الماجستير فى موضوع «التواصل الحرارى للغازات».
كما سافرت سميرة فى بعثة إلى بريطانيا درست فيها الإشعاع النووى وحصلت على الدكتوراه فى الأشعة السينية - الإشعاع الذرى - وتأثيرها على المواد المختلفة.
أنجزت سميرة الرسالة فى عام ونصف العام تقريبًا، وقضت السنة الثانية فى أبحاث متصلة توصلت من خلالها إلى معادلة مهمة «لم تلقَ قبولا فى العالم الغربى آنذاك»، تمكنت من تفتيت المعادن الرخيصة مثل النحاس، ومن ثم صناعة القنبلة الذرية من مواد قد تكون فى متناول الجميع، ولكن لم تدوِّن الكتب العلمية العربية الأبحاث التى توصلت إليها سميرة موسى.
وقبل عودتها بأيام من بريطانيا تتلقى سميرة موسى دعوة لزيارة الولايات المتحدة الأمريكية فى صيف 1952، وعقب قيام ثورة 23 يوليو مباشرة للدراسة فى جامعة أوكوردج بولاية تنيسى الأمريكية وأتيحت لها فرصة إجراء بحوث فى معامل جامعة سان لويس بولاية ميسورى الأمريكية وتواصل زيادة معارفها وعلومها وخبرتها العلمية فى الجامعة الأمريكية فى نفس المجال والتخصص.
لم تنبهر سميرة ببريق الحياة الأمريكية أو تنخدع بمغرياتها، ففى خطاب إلى والدها قالت: ليست هناك فى أمريكا عادات وتقاليد كتلك التى نعرفها فى مصر يبدو أن كل شىء ارتجاليًا، فالأمريكان خليط من مختلف الشعوب كثيرون منهم جاءوا إلى هنا لا يحملون شيئًا على الإطلاق، تصرفاتهم فى الغالب كتصرف زائر غريب يسافر إلى بلد يعتقد أنه ليس هناك من سوف ينتقده لأنه غريب.
وتؤكد سميرة موسى فى رسائلها لوالدها: «أنه لو كان فى مصر معمل مثل المعامل الموجودة هنا - فى الولايات المتحدة - كنت أستطيع أن أصنع أشياء كثيرة».
ويعلق السفير محمد الزيات مستشار مصر الثقافى فى واشنطن وقتها أن كلمة «أشياء كثيرة» التى تقصدها الدكتور سميرة موسى، كانت تعنى بها أن فى قدرتها اختراع جهاز لتفتيت المعادن الرخيصة إلى ذرات عن طريق التوصيل الحرارى للغازات ومن ثم تصنيع قنبلة ذرية رخيصة التكلفة.
أحلام وآمال سميرة لمصر ولوطنها العربى كانت كثيرة وكثيرة جدا فقد كانت تأمل أن يكون لمصر وللوطن العربى مكان وسط هذا التقدم العلمى الكبير، حيث كانت تؤمن بأن زيادة ملكية السلاح النووى يسهم فى تحقيق السلام، لأن أى دولة تتبنى فكرة السلام لا بد وأن تتحدث من موقف قوة، فقد عاصرت ويلات الحرب وتجارب القنبلة الذرية التى دمّرت هيروشيما وناجازاكى فى عام 1945، كانت تأمل أن تسخر الذرة لخير الإنسان، وتقتحم مجال العلاج الطبى، حيث كانت تقول: أمنيتى أن يكون علاج السرطان بالذرة مثل الأسبرين. وكانت عضوا فى كثير من اللجان العلمية المتخصصة، وعلى رأسها «لجنة الطاقة والوقاية من القنبلة الذرية» التى شكلتها وزارة الصحة المصرية.
لم تكن سميرة موسى فتاة وطالبة كلية العلوم منغلقة على ذاتها ودراستها العلمية فقط، وإنما كانت منفتحة على المجتمع الجامعى والخارجى وشاركت فى جميع الأنشطة الحيوية حينما كانت طالبة بكلية العلوم، وانضمت إلى ثورة الطلاب فى نوفمبر عام 1932، والتى قامت احتجاجًا على تصريحات اللورد البريطانى اليهودى «هربرت صمويل» - والذى تم تعيينه أول مندوب سام فى فلسطين وكان لتلك التصريحات الدور الأكبر فى نكبة فلسطين: «لقد كنت الأول من الشعب اليهودى الذى قدر له أن يحتل مقعدًا فى الوزارة البريطانية» «كان وزير داخلية بريطانيا منذ العام 1916»، ولعل الفرصة قد سنحت أمامى لتنفيذ أمانى الشعب اليهودى القديمة وإعادة إنشاء دولة يهودية فى فلسطين».
وشاركت فى مشروع القرش لإقامة مصنع محلى للطرابيش وكان على مصطفى مشرفة من المشرفين على هذا المشروع، كما شاركت فى جمعية الطلبة للثقافة العامة والتى هدفت إلى محو الأمية فى الريف المصرى، وفى جماعة النهضة الاجتماعية والتى هدفت إلى تجميع التبرعات لمساعدة الأسر الفقيرة، كما انضمت أيضًا إلى جماعة إنقاذ الطفولة المشردة، وإنقاذ الأسر الفقيرة.
وقامت بالمشاركة فى تأسيس هيئة الطاقة الذرية بعد ثلاثة أشهر فقط من إعلان «دولة إسرائيل» عام 1948. كما حرصت على إيفاد البعثات للتخصص فى علوم الذرة، فكانت دعواتها المتكررة إلى أهمية التسلح النووى، ومجاراة هذا المد العلمى المتنامى. كما نظمت مؤتمر الذرة من أجل السلام الذى استضافته كلية العلوم، وشارك فيه عدد كبير من علماء العالم.
أما الوجه الآخر للدكتورة سميرة موسى فقد كانت مولعة بالقراءة، وحرصت على تكوين مكتبة كبيرة تضم كتبًا متنوعة، منها: الأدب، والتاريخ، وكتب السير الذاتية، وقد تم التبرع بها إلى المركز القومى للبحوث، كما أجادت استخدام النوتة، والموسيقى، وفن العزف على العود، بالإضافة إلى تنمية موهبتها الأخرى فى فن التصوير بتخصيص جزء من بيتها للتحميض والطبع، وكانت تحب التريكو والحياكة، وتقوم بتصميم ملابسها وحياكتها بنفسها.
وتأثرت سميرة بإسهامات علماء المسلمين الأوائل أمثال الخوارزمى وابن سينا وأبوبكر الرازى وابن الهيثم، وأيضًا بأستاذها العالم الكبير على مصطفى مشرفة، وقد كتبت مقالة حول دور محمد بن موسى الخوارزمى فى إنشاء علوم الجبر، ولها أيضًا عدة مقالات تتناول بصورة مبسطة عن الطاقة الذرية، وأثرها، وطرق الوقاية منها، وتشرح تاريخ الذرة وتكوينها، والانشطار النووى وآثاره المدمرة، وخصائص الأشعة وتأثيرها البيولوجى.
فى آخر رسالة لها كانت تقول لوالدها: «لقد استطعت أن أزور المعامل الذرية فى أمريكا، وعندما أعود إلى مصر سأقدِّم لبلادى خدمات جليلة فى هذا الميدان، وسأستطيع أن أخدم قضية السلام»، كان من بين أحلامه الكثيرة إنشاء معمل خاص لها فى منطقة الهرم بمحافظة الجيزة.
تكريم عالمة مصر.. لم تنس مصر ابنتها البارة العالمة سميرة مصر وتم تكريمها فى عام 1953، وكرمها الرئيس الراحل محمد أنور السادات عندما منحها وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى عام 1981 وتم إطلاق اسمها على إحدى مدارس وزارة التربية والتعليم بقريتها. كما أطلق اسمها على أحد معامل كلية العلوم، وتم إنشاء قصر ثقافة يحمل اسمها فى قريتها صنبو الكبرى عام 1998. كما قررت الدولة إطلاق اسمها على أحد المحاور الكبرى فى المشروع القومى للطرق الذى تنفذه مصر حاليًا، وقد تم تسجيل قصتها فى سيرة ذاتية بعنوان «اغتيال العقل العربى: سيرة ذاتية لأولى شهداء العلم الدكتورة سميرة موسى».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة