حالة من القلق تنتاب الأمريكيين فى ظل استمرار جرائم إطلاق النار المتفرقة فى ظل تعثر الاتفاق على تشريعات تفرض المزيد من القيود على حيازة السلاح، وأجواء الشحن والاستقطاب المستمرة منذ الانتخابات الأمريكية الأخيرة، والمرشحة للتزايد مع احتمالات انتزاع الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب لبطاقة الترشح للانتخابات المقبلة فى 2024، وهو ما دفع العديد من مراكز الأبحاث ومراكز الفكر الأمريكية إلى توقع اندلاع حرباً أهلية بين الأمريكيين.
وفى مقال بموقع "ناشيونال انترست"، قال الباحث بجامعة هارفارد نيكو إيماك، إنه ومن واقع أعمال العنف فى أمريكا التى تبدو منعزلة، يمكن للمرء أن يجادل بأن الحرب الأهلية الأمريكية الثانية قد بدأت بالفعل.
وأضاف الكاتب المتخصص في قضايا السياسة والثقافة والهوية، أن أعمال العنف هذه التي يرتكبها مسلحون منفردون وجماعات يمينية متطرفة هي جزء من حركة أكبر للإرهاب المحلي لها مقومات حرب أهلية مكتملة الأركان.
وأوضح أن عدد ضحايا القتل في أمريكا قد يبدو صغيرا نسبيا عند قياسه مقابل عدد سكان الولايات المتحدة الذين يزيد عددهم على 300 مليون نسمة، لكن عند مقارنته بمقياس أكاديمي واحد للحرب الأهلية؛ فإن النتيجة ستكون مذهلة.
وأشار الكاتب إلى أنه لا ينظر للحرب الأهلية الجديدة من منظور العمل العسكري التقليدي، حيث يتبادل جيشان إطلاق النار في حقل عشبي، بل ينظر إليها من خلال تعريف وكالة المخابرات المركزية الأمريكية للتمرد المفتوح، الذي تشمل دوافعه قضايا السياسة المتعلقة بالعرق والجنس والهجرة.
وقال إن الأبحاث التي أجراها الباحث أستاذ السياسة في كلية دارتموث الأمريكية بنيامين فالنتينو حول كمبوديا وألمانيا النازية ورواندا تظهر أن أقلية صغيرة -جيدة التسليح والتنظيم- يمكن أن تولد قدرا هائلا من إراقة الدماء عند إطلاق العنان لها على ضحايا غير مسلحين وغير منظمين، مشيراً إلى أن المختص في العلوم السياسية الأمريكي جون مولر قدّر أنه خلال الإبادة الجماعية في رواندا كان 2% فقط من سكان الهوتو مسؤولين عن الأغلبية العظمى من عمليات القتل.
واستشهد إيماك بما كتبته باربرا والتر الخبيرة البارزة في العنف السياسي في كتابها "كيف تبدأ الحروب الأهلية؟" وهو من أكثر الكتب مبيعا في نيويورك تايمز، إذ قالت "لا أحد في أمريكا يريد أن يصدّق أن ديمقراطيتهم المحبوبة تتدهور أو تتجه نحو الحرب.
وختم بالقول إنه وبدلا من النظر إلى احتمال نشوب حرب أهلية فقط من خلال عدسة الجماعات المسلحة الرسمية، يجب على صانعي السياسات تسليط الضوء على العدد المتزايد من الضحايا في أمريكا على أيدي حركة لامركزية لتفوّق البيض والسياسات المحافظة "المتطرفة" والإرهاب المحلي.
وبخلاف ملف حيازة السلاح داخل الولايات المتحدة ، وفشل الحزبين الديمقراطي والجمهوري في الاتفاق علي تشريع يحد من ضوابط الحيازة داخل البلاد ، واستمرار عمليات العنف المنفردة وجرائم القتل التي يروح ضحيتها العشرات شهريا، شهدت الولايات المتحدة عدد من أعمال العنف الكبرى خلال السنوات القليلة الماضية، من بينها الاحتجاجات الدموية التي صاحبت جريمة مقتل الشاب الأمريكي ذوو الأصول الأفريقية جورج فلويد ، وكذلك الأحداث الدامية المعروفة اعلامياً باسم أحداث اقتحام الكونجرس ، ليلة 6 يناير 2021 ، حينما قاد متطرفون من انصار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب محاولة تمرد لقلب نتائج الانتخابات الأخيرة ، اعتراضاً علي فوز جو بايدن.
وفي ختام الشهر الماضي ، أدانت هيئة محلفين في واشنطن ستيوارت رودس مؤسس مليشيا "حراس القسَم" (Oath Keepers) اليمينية، بتهمة التمرد على سلطة الدولة، بسبب دوره في اقتحام الكونجرس.
وفي ختام محاكمة على مدى شهرين أمام محكمة فدرالية في واشنطن و3 أيام من المداولات، خلصت هيئة المحلفين المؤلفة من 12 عضوا إلى أن رودس ورفيقه في المليشيا كيلي ميجس مذنبان بتهمة التمرد، فيما تمت تبرئة 3 متهمين آخرين من هذه التهمة التي تصل عقوبتها إلى السجن 20 سنة.
لكن المتهمين الخمسة -وجميعهم أعضاء في المليشيا نفسها- أدينوا معا بتهمة أخرى، وهي إعاقة سير إجراء رسمي.
وفي سبتمبر الماضي ، كشف استطلاع أجرته شبكة سي بي اس نيوز ان 64% من الأمريكيين يعتقدون ان الولايات المتحدة ستشهد زيادة في العنف السياسي خلال السنوات القليلة المقبلة، وهو رقم ارتفع بشكل كبير خلال الأشهر الأخيرة.
جاء في الاستطلاع ان ما يزيد قليلاً عن نصف الأمريكيين - 51 بالمائة - توقعوا زيادة في العنف السياسي عندما ُرح السؤال في يناير 2021، وقال 57 بالمائة نفس الشيء في ديسمبر ، مما يعني أن الاستطلاع الجديد يمثل المرة الأولى التي عبر فيها أكثر من 6 من كل 10 أمريكيين عن زيادة توقع العنف السياسي.
وقال 10 في المائة فقط من المشاركين في الاستطلاع الأحدث إنهم يتوقعون انخفاضًا في العنف السياسي في السنوات القليلة المقبلة ، بينما قال 26 في المائة إنهم لا يتوقعون تغيير المستوى.
وبخلاف أحداث الشغب في الكابيتول ، أصبحت التهديدات بالعنف السياسي أمرًا معتادًا إلى حد ما في القضايا الوطنية المشحونة.
وعلى سبيل المثال، تم القبض على رجل خارج منزل القاضي بريت كافانو في يونيو في الأيام التي سبقت إلغاء المحكمة العليا لقضية رو ضد وايد ـ الحق في الإجهاض ـ كما زادت التهديدات ضد سلطات إنفاذ القانون الفيدرالية في الأسابيع الأخيرة بعد أن فتش مكتب التحقيقات الفيدرالي منزل الرئيس السابق ترامب في فلوريدا.
على الرغم من التوقعات المتزايدة للعنف السياسي ، قالت أغلبية كبيرة - 86 في المائة - إن القوة أو العنف غير مقبول دائمًا لتحقيق أهداف سياسية، بينما قال 14 في المائة إنه يمكن أن يكون مقبولاً إذا شعروا أنه ضروري.
كما وجد الاستطلاع أن الأمريكيين لديهم آراء متشائمة حول مستويات الديمقراطية في البلاد، حيث قال 54 في المائة من المشاركين في الاستطلاع إنهم يعتقدون أن الولايات المتحدة ستكون أقل ديمقراطية بعد جيل من الآن، مقارنة بـ 19 في المائة ممن أشاروا إلى أنهم يعتقدون أن البلاد ستكون أكثر ديمقراطية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة