بيشوى رمزى

"حماية الإنسان".. من نظريات "الصراع" الدولى إلى "المهادنة"

الثلاثاء، 06 ديسمبر 2022 03:31 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

ربما يبقى مفهوم "الصراع" مرتبطا بالعلاقات الدولية، في ظل هيمنة البعد "المصلحي" عليها، وهو ما يبدو طبيعيا في حالات المنافسة بين القوى الساعية نحو الهيمنة والسيطرة بحثا عن دور أكبر، سواء إقليميا أو دوليا، بينما يمتد إلى العلاقة بين الحلفاء، مع تنامي الطموحات لدى القوى الأصغر نسبيا، مما يؤدي في الكثير من الأحيان، إلى تضارب المصالح، فتتحول التحالفات الناعمة إلى "منافسة"، ومن ثم تكون مرشحة للتفاقم لتصل إلى حد الصراع، وهو ما يبدو في الكثير من المواقف الدولية السابقة، والتي تبرز مع التحولات الكبيرة التي يشهدها النظام الدولي، منها على سبيل المثال، الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، والتي تحول فيها التحالف بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، في إطار اصطفافهما معا في معسكر "الحلفاء"، خلال الحرب، إلى "منافسة" حول القيادة العالمية، سرعان ما اتخذت صيغة "الصراع"، في إطار الحرب الباردة، والتي استمرت لأكثر من 4 عقود، انطلقت على إثرها حقبة دولية جديدة تقوم على الهيمنة الأحادية للعالم، منذ التسعينات من القرن الماضي.

والمتابع لطبيعة التحولات التي تشهدها الصراعات الدولية، بين القوى الكبرى، خلال العقودالماضية، ربما يلحظ أنها تحمل طبيعة "نظرية"، على أسس أيديولوجية، على غرار الحرب الباردة، والتي قامت في الأساس بين الفكر الرأسمالي الأمريكي، والشيوعية السوفيتية، وحتى عندما هيمنت الولايات المتحدة بمفردها على مقاليد السيطرة الدولية، ولم تجد منافسا لها، قامت بالتنظير لـ"صراع الحضارات"، والذي يقوم على تحويل وجهة الصراع من طبيعته الأيديولوجية إلى البعد الديني، بين الحضارة الإسلامية والغرب المسيحي، وهي الرؤية التي أرساها السياسي الامريكي صموئيل هنتنجتون، في مقال، تحول إلى كتاب، في التسعينات من القرن الماضي، ليتحول نحو التطبيق العملي مع بداية الألفية، في أعقاب أحداث 11 سبتمبر، وهو ما يمثل ترجمة لرؤية واشنطن القائمة في الأساس على حقيقة مفادها أن استمرار هيمنتها مرتبط بالأساس في استمرار الحالة الصراعية، حيث تبقى قادرة على الاحتفاظ بقيادتها لحلفائها، خاصة في أوروبا الغربية، عبر خلق "فزاعة" جديدة، بعد انهيار "الشبح" السوفيتي، وتقديم نفسها مجددا باعتبارها القوى الوحيدة القادرة على حمايتهم، من المخاطر المحدقة بهم، وبالتالي ضمان ولائهم لها، واستمرارهم في الدوران في فلكها، بالإضافة إلى شغلهم، عبر وضعهم في حالة "صراع دائم"، عن أية طموحات، لمزاحمة القوى الأمريكية على عرش النظام الدولي.

إلا أن المرحلة الراهنة، والتي ستتمخض، لا محالة، عن تغيير كبير في صورة النظام العالمي، تبدو مرتبطة بـ"الصراع اللا محدود"، وهو ما يبدو في تنوع الصراعات، وشموليتها وتمددها، لتطال أطراف المعسكر الواحد، سواء في صورتها الدولية التقليدية، كالصراع بين الشرق والغرب، في صورة الحرب في أوكرانيا، وما يتخلله من تضارب عنيف في المصالح بين الحلفاء في المعسكر الغربي (أمريكا وأوروبا الغربية"، أو حالة الصراع مع الطبيعة، في إطار ظاهرة التغيرات المناخية، وما نجم عنه من صعود معسكرات جديدة، بين الدول المتقدمة والنامية، وما تخلله هو الاخر من تنصل القوى الكبرى من تنصل من التزاماتها، مما زاد من حدة الفجوة بين الدول، سواء بين الحلفاء أو الخصوم، فأصبحت النظريات والرؤى غير قادرة على مجابهة الواقع الدولي الجديد.

وهنا أصبحت الخيارات المتاحة تتجاوز الأبعاد الأيديولوجية أو النظرية الضيقة، في ظل تهديدات تطال الحياة على الكوكب، سواء بسبب أزمات وجودية، تطال أكثر القطاعات المرتبطة بحياة الشعوب، كالغذاء والطاقة، ناهيك عما هو أخطر من ذلك في ظل تفشي الأوبئة وامتدادها والتداعيات المترتبة على التغيرات المناخية، والتي قد تدمر دولا بأكملها، حال العجز الدولي عن احتوائها.

وبالتالي أصبح الخيار المتاح أمام العالم، متجسدا في الخروج من "بوتقة" الصراع التي تهيمن على العالم، والتي تمثل ضمانة لاحتفاظ بعض القوى بمكانتها الدولية، إلى الاستقرار، القائم ليس على تطابق الرؤى، وإنما التوافق على مباديء رئيسية، تدور، في جوهرها، حول "حماية" الانسان، من المخاطر التي تهدده، عبر التحول من حالة "الصراع الدائم"، نحو "المهادنة"، في صورتها الشاملة، والتي تتضمن تهدئة وتيرة النزاعات الدولية الدائمة، من جانب، والتصالح مع الطبيعة من جانب أخر.

 

حالة "المهادنة" المرجوة تتطلب قدرا كبيرا من المرونة الدولية، في التحول نحو إعادة صياغة المباديء والنظريات، التي طالما ساهمت القوى الكبرى في تعزيزها على مدار عقود طويلة من الزمن، باعتبارها الوسيلة التي تحتفظ بها بمكانتها العالمية، عبر تحويلها من أداة لـ"الحماية" إلى أدوات لتأجيج الصراعات، بما تفرضه الأولويات القائمة، لتصبح القوانين العالمية الحاكمة من "لحم ودم" من خلال توجيهها لخدمة الشعوب، في المقام الأول، بعيدا عن الطبيعة "الصماء"، التي اتسمت بها لسنوات، لخدمة أجندات معينة، والقائمين عليها هنا أو هناك، بينما أصبح الإنسان وحقه في الحياة الآمنة المستقرة، مجرد "حبر على ورق"، أو بالأحرى وسيلة لتدمير الدول وجر الشعوب نحو دائرة لا نهائية من الفقر والجوع ناهيك عن الحروب الدائمة.

 

ولعل التوجه نحو الخروج على المباديء القائمة، بات يمثل أولوية قصوى لدى قطاع كبير من الشعوب، سواء في الغرب أو الشرق، وهو ما يبدو في الاحتجاجات التي تشهدها العديد من دول العالم، خاصة في الغرب، والتي تحمل في طياتها تمردا على سياسات الأنظمة الديمقراطية التي انبرت دفاعا عن الديمقراطية وحقوق الانسان، إلى حد استلهام نماذج طالما وصفوها بالديكتاتورية، وانتهاك حقوق الإنسان، على غرار خروج قطاعات كبيرة في أوروبا احتجاجا على الاجراءات التي اتخذتها دولهم ضد روسيا على خلفية الحرب الراهنة في أوكرانيا، أو قبل ذلك مع تفشي كورونا، وفشل الدول المتقدمة ذات الامكانات الهائلة في احتواء الوباء، في الوقت الذي نجحت فيه دولا موصومة بـ"عار" الرجعية، من وجهة نظر الغرب، من اتخاذ خطوات جادة لتحقيق طفرة كبيرة في مواجهته.

وهنا يمكننا القول بأن تحويل المباديء والنظريات الدولية، من أداة للصراع إلى وسيلة لتحقيق المهادنة هو السبيل الوحيد لـ"حماية الإنسان"، عبر صياغة حالة من الاستقرار، وهو ما يمثل في جوهره الهدف من وراء النظام العالمي، والذي تبقى الأولوية لديه في حماية السلم والأمن الدوليين، في ظل أزمات تتسم بدرجة عالية من التداخل والتعقيد.







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة