- الدكتور زاهى حواس لـ"اليوم السابع": علم المصريات أحد أهم علوم الدراسات الإنسانية فى كبرى جامعات العالم
- الدكتور حسين عبد البصير: "المتحف الكبير" سيكون أعظم مشروع ثقافى وأثرى خلال القرن 21
- مصر قادرة على العطاء الحضارى بكثافة وإدهاش للجميع عبر التاريخ
أضاف، في تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"، أما قبل 100 عام فكان الكشف الأثري الذي هز العالم كله، فلا توجد دولة في العالم لا تعرف ولا تحتفي بالملك الشاب توت عنخ آمون، وكان الاكتشاف بمثابة أحد أهم فصول التاريخ للكشف عن الحضارة المصرية بشكل خاص والحضارة الإنسانية بشكل عام.
استكمل الدكتور زاهي حديثه بقوله: وحاليًا مصر تستعد لتقديم خدمة جديدة للإنسانية والعالم والكشف عن أسرار جديدة بافتتاح المتحف المصري الكبير بما يحويه من كنوز وقطع أثرية فريدة وأنشطة ثقافية وفينة متنوعة، وتكشف فيه للعالم لأول مرة كافة القطع الأثرية للفرعون الذهبي توت غنخ آمون، ليكون المتحف بمثابة أعظم مشروع ثقافي في القرن الـ21، وليؤكد من جديد للعالم كيف أن مصر تحترم حضارتها وتاريخها وثقافتها.
أما عن المحطات الثلاثة وتاريخها يرويها الدكتور حسين عبدالبصير عالم الآثار المصرية لليوم السابع في السطور التالية..
1822.. فك رموز حجر رشيد ونشأة علم المصريات
يقول الدكتور حسين عبدالبصير، يعتبر اكتشاف حجر رشيد الأثري واحدا من أهم الاكتشافات الأثرية في تاريخ الإنسانية، ومفتاحا مهما لكشف أسرار اللغة المصرية القديمة، ونافذة مضيئة أطل العالم كله منها على سحر مصر القديمة.
واكتشف حجر رشيد الضابط الفرنسي بيير- فرانسوا أكسافييه بوشار يوم 15 يوليو 1799 أثناء قيام قواته بتوسعة قلعة قايتباي بمدينة رشيد، ونُحت حجر رشيد من الحجر الديوريتى الجرانيتى. ولهذا الحجر لونان هما اللون الوردى واللون الرمادى. ويبلغ طوله حوالي 112 سم وعرضه 75 سم وسمكه 28 سم ووزنه 762 كيلو جراما.
وكتب النص المنقوش على الحجر فى ثلاث نسخ تمثل الكتابة الهيروغليفية (الكتابة المقدسة) على قمة الحجر، والكتابة الديموطية (الكتابة الشعبية) فى منتصف الحجر، والكتابة اليونانية القديمة (فى أسفل الحجر). والباقى من نص الكتابات الهيروغليفية أربعة عشر سطرا وتطابق الثمانية والعشرين سطرا الأخيرة من النص المصرى القديم، والمتبقى من الكتابة الديموطية اثنان وثلاثون سطرا، ونص الكتابة اليونانية القديمة شبه كامل فى أربع وخمسين سطرا.
ويسجل نص الحجر مرسوما يخص الملك بطليموس الخامس، أقره مجمع الكهنة فى منف عام 196 قبل الميلاد. ويؤكد على العبادة الملكية الخاصة بالملك ابن الثلاثة عشر عاما فى الذكرى الأولى لجلوسه على العرش. ويشير إلى أفضاله على المعابد المصرية وكهنتها مثل منحها كميات كافية من القمح، وإسقاط الديون عن كاهل الشعب المصري والمعابد، والعفو عن المساجين والهاربين من العدالة إلى خارج مصر والسماح لهم بالعودة، وترميم وإصلاح حالة المعابد. وردا لجميله، قرر مجمع الكهنة تزيين المعابد والمقاصير بتماثيل الملك إلى جوار تماثيل الآلهة المصرية، واعتبار مناسبة ميلاده وتتويجه عيدا للبلاد، وكتابة هذا القرار بثلاثة خطوط. وفقدت الأجزاء العليا والسفلى للحجر. ويبدو أن جزأه العلوي كان على شكل اللوحة الملكية المصرية من زمن الفراعنة على شكل قرص شمس مجنح يحدد إطار اللوحة العلوي وأسفله يقف الملك والآلهة.
الدكتور زاهي حواس والزميل محمد أسعد داخل المتحف المصري الكبير
وشغل الجميع بمحاولات تفسير الكتابة الهيروغليفية مثل المؤرخ الإغريقى خايرمون، ثم الأديب المصرى حورابللو، ثم المؤرخ كليمنت السكندرى، ثم الأب أثناسيوس كيرشر.
ووزع المتحف البريطانى نسخا عديدة من الحجر على المعاهد والجامعات الأوروبية للتوصل لسر الكتابات التى يحملها. فحاول فك طلاسمه عالم الطبيعة الفرنسى سلفستر دى ساسى وتلاه الدبلوماسى السويدى يوهان ديفيد أكربلاد، ثم الطبيب البريطانى توماس يونج.
وتعتبر محاولات جان-فرانسوا شامبليون هى المحاولات الناجحة لفك أسرار اللغة المصرية القديمة. وساعده فى ذلك حجر رشيد ومسلة فيلة فى أحد ميادين إنجلترا ومعرفته باللغة القبطية وباللغة الإغريقية ونتائج الباحثين السابقين عليه خصوصا كيرشر ويونج ورؤيته المنهجية فى المقارنة والاستنباط والتحليل. وتمكن شامبليون فى النهاية من التوصل إلى الأبجدية المصرية القديمة عن طريق مقارنة الخطوط الثلاثة والأسماء الموجودة فى الخراطيش. وقدم شامبليون اكتشافه الجديد فى خطاب أرسله إلى البارون الفرنسى بون-جوزيف داسييه، سكرتير الأكاديمية الفرنسية للكتابات والآداب، كى يتلوه على مسامع أعضاء الأكاديمية فى 27 سبتمبر عام 1822 معلنا مولد علم المصريات كعلم أكاديمى بشكل رسمى.
يهنى الدكتور حسين عبدالفصل هذا الفصل بقوله: إن قصة اكتشاف حجر رشيد وفك أسرار النصوص المكتوبة عليه هى باختصار قصة تلاقى بل تلاقح الشرق والغرب فى لحظة تاريخية معينة قائمة على التعاون وبعيدة عن الصراع التقليدى بين حضارات الشرق والغرب من أجل فك شفرة سر حضارة من حضارات العالم القديم، بل سيدة العالم القديم، لا تكرر كثيرا فى تاريخ التعاون بين الحضارات الإنسانية.
1922.. اكتشاف مقبرة الفرعون الذهبي توت عنخ آمون
هنا يتحدث الدكتور حسين عبدالبصير ويقول: عندما اكتشفت مقبرة الفرعون الذهبي الملك توت عنخ آمون اتضح أمامنا كوضوح الشمس كيف كانت الثروة وكيف كان الجمال متجسدًا في آثار مصر الفرعونية، وهي آثار ملك لم يحكم طويلاً ومات صغيرًا في أوائل القرن الرابع عشر قبل الميلاد، وهو ما يزال بعد في الثامنة عشرة من عمره القصير جدًا، فما بالنا بآثار ملوك عظماء أمثال تحتمس الثالث وأمنحتب الثالث وأخناتون ورمسيس الثاني العظيم. وساهم هذا الاكتشاف في تزايد حمى "الإيجيبتومانيا" (الولع أو الهوس بمصر) في جميع أنحاء العالم خصوصًا فرنسا، بل وفى تعلق الغرب بالشرق وسحره على اعتباره الملهم وصاحب العديد من الرؤى السحرية التي يفتقدها الغرب العقلاني في الغالب.
وفي الرابع من شهر نوفمبر عام 1922، كان الإنجليزي هوارد كارتر على موعد الرمال المصرية لتمّن عليه وتكشف له عن واحد من أهم أسرارها الدفينة ليحقق حلم حياته بعد طول عناء وتعب بالكشف عن مقبرة الفرعون الذهبي الملك توت عنخ آمون؛ ذلك الأثر الفريد من نوعه الذي أذهل العالم منذ وقت اكتشافه إلى هذه اللحظة، والذي طغى على كل الاكتشافات الأثرية الأخرى في العالم أجمع، وأصبح أهم اكتشاف أثري في القرن العشرين دون أدنى مبالغة.
وانطلقت أسطورة الملك الشاب توت تغزو أرجاء العالم كله، وأصبح الفرعون الشاب الذي لم يجلس على العرش أكثر من تسع سنوات، بين عشية وضحاها، أشهر ملك في تاريخ الإنسانية وكتب لاسمه الخلود. وثبت من دراسة مقتنيات مقبرة الملك توت التي أبهرت العالم أجمع.
وتعتبر مقبرة الملك توت عنخ آمون هي المقبرة الملكية الوحيدة التي وصلت إلى أيدينا كاملة إلى الآن؛ فبعد وفاة الملك توت بمائتي عام، قام عمال بناء مقبرة الملك رمسيس السادس، من ملوك الأسرة العشرين، دون قصد، برمي الأحجار والرمال المستخرجة من حفر مقبرته فوق مدخل مقبرة توت عنخ آمون، بل وشيدوا أكواخ عملهم فوق هذا الرديم. ولولا هذه المصادفة العجيبة لما نجت مقبرة الفرعون الشاب من أيدي لصوص المقابر من كل زمان، ولما وجدها كارتر في صبيحة الرابع من نوفمبر عام 1922 بعد بحث مضنٍ دام خمس سنوات طوال.
ولم يكن يعلم كارتر أن صباح الرابع من نوفمبر هو يوم مجده الحقيقي. يقول كارتر في كتابه عن مقبرة الملك توت عنخ آمون في معرض حديثه عن ظروف الاكتشاف: "هذا هو بالتقريب الموسم الأخير لنا في هذا الوادي بعد تنقيب دام ست مواسم كاملة. وقف الحفارون في الموسم الماضي عند الركن الشمالي الشرقي من مقبرة الملك رمسيس السادس. وبدأت هذا الموسم بالحفر في هذا الجزء متجهًا نحو الجنوب. وكان في هذه المساحة عدد من الأكواخ البسيطة التي استعملها كمساكن العمال الذين كانوا يعملون في مقبرة الملك رمسيس السادس. واستمر الحفر حتى اكتشف أحد العمال درجة منقورة في الصخر تحت أحد الأكواخ. وبعد فترة بسيطة من العمل، وصلنا إلى مدخل منحوت في الصخر بعد 13 قدمًا أسفل مهبط المقبرة. وكانت الشكوك وراءنا بالمرصاد من كثرة المحاولات الفاشلة، فربما كانت مقبرة لم تتم بعد، أو أنها لم تُستخدم، وإن اُستخدمت فربما نُهبت في الأزمان الغابرة، أو يُحتمل أنها مقبرة لم تُمس أو تُنهب بعد. كان ذلك في يوم 4 نوفمبر 1922".
2022.. افتتاح المتحف المصري الكبير أعظم مشروع ثقافي وحضاري
يعتبر المتحف المصرى الكبير أعظم مشروع ثقافي وأثري وفني ومتحفي في العالم أجمع. والحقيقة إن المتحف المصري الكبير هو مشروع مصر القومي في القرن الحادي والعشرين، كما كان هرم الملك خوفو في مصر الفرعونية، وكما كانت قناة السويس في عهد الخديو إسماعيل، وكما كان السد العالي في عهد الزعيم الخالد جمال عبد الناصر. وهو، في الوقت نفسه، أيضًا، هدية مصر للعالم كله في القرن الحادى والعشرين. ويؤكد على مكانة مصر كدولة عظمى ثقافيًا وأثريًا وحضاريًا، وأنها ما تزال قادرة على العطاء الحضاري بكثافة وإدهاش للجميع، وأنها تقدم للعالم الثقافة والإبداع والإبهار من خلال مشروعاتها الثقافية العملاقة. وهو بحق وصدق ليس مشروعًا مصريًا فحسب، بل هو مشروع عالمي؛ لأن العالم كله يتطلع إلى يوم افتتاحه؛ لأنه سوف يضم تراث مصر، خصوصا تراث مصر القديمة، الذي هو تراث عالمي يخص البشرية جمعاء وليس مصر وحدها. وسوف يكون هذا المتحف العظيم صرحًا ثقافيًا ومركزًا عالميًا لتواصل الحضارات والثقافات عبر العالم كله.
الدكتور حسين عبد البصير
وسوف يضم المتحف كنوزًا فنية فريدة وروائع الآثار المصرية القديمة منذ عصور ما قبل التاريخ إلى العصرين اليوناني والروماني. ويصل عدد القطع الأثرية به حوالي مائة ألف قطعة أثرية، خمسين ألف قطعة للعرض، وخمسين ألف قطعة للدراسة، وذلك من خلال عرض متحفي مبهر على أحدث التقنيات العالمية في مجال إقامة المتاحف والعرض المتحفي على مستوى العالم ليكون متحفًا بالمفهوم الحديث للمتاحف. وتبلغ مساحة مشروع المتحف مائة وسبعة عشرة فدانًا. وقاربت تكلفته على المليار دولار أمريكي.
وسوف يحتوي المتحف على عدد من المتاحف النوعية منها متحف للأطفال وذوي الاحتياجات الخاصة لتربية النشء على حب الآثار والحفاظ على كنوز مصر والعالم أجمع. كما سيضم المتحف منطقة ترفيهية على مساحة كبيرة تشمل حدائق ومطاعم وخدمات وأماكن ترفيه ومرافق عامة، فضلاً عن ربط المتحف الكبير بمنطقة أهرام الجيزة عبر الممشى الأسطوري الكبير بطول حوالي كيلومترين ونصف الكيلو.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة