ملحمة كفاح صنعتها طفلة، هنا فى مدينة الجمالية بمحافظة الدقهلية، فبعد معاناة طويلة شديدة الظلمة عاشها الأب الكفيف منذ طفولته، يقاسى فى الحياة وحده فى سبيل توفير حياة كريمة لأطفاله، حتى ارتسم على وجهه ملامح الشقاء والتعب، وبعد مرور سنوات طويلة، انقضى الليل وأشرقت شمس فؤاده، ابنته الصغيرة صاحبة الـ12 عاما التى أجبرتها الظروف على الشقاء مبكرا، ودفعتها شجاعتها وحبها لوالدها أن تضحى بطفولتها وتتحمل معه أعباء الحياء وتكون هى نوره وسنده فى الحياة.
لم تمنعها طفولتها من الوصول إلى ما عجز الكبار عن بلوغه فى سبيل الكفاح والعمل والبحث عن الرزق، فقد نجحت فاطمة محمد، المقيدة بالصف السادس الابتدائى، فى أن تقنع والدها بعمل مشروع لبيع الفشار على تروسيكل تقوده بأناملها الصغيرة فى قريتهم، بجانب تعليمها؛ لتتحمل مع والدها ظروفهم المعيشية الصعبة وتحقق حلمها فى الالتحاق بكلية الطب، فى خطوة جريئة دفعت الكثيرين من أبناء قريتها للاعتزاز والتفاخر بها، كونها أصبحت بقرارها أيقونة النضال والتحدى والأمل.
“أنا بحب بابا أكتر من أى حاجة فى الدنيا".. بهذه الكلمات بدأت الطفلة فاطمة محمد حديثها لـ"اليوم السابع"، فقالت إنها قررت العمل فى بيع الفشار؛ لتساند أسرتها على المعيشة، وتخفف أعباء الحياة على والدها، وتتمكن من توفير مصاريف دروسها وتعليمها، حيث اهتدت لتنفيذ الفكرة منذ عامين، بعد أن وجدت زملائها فى الفصل يتحدثون عن رغبتهم فى شراء الفشار، فعرضت الفكرة على والدها الذى رفض الفكرة فى البداية؛ كونها لا تزال طفلة فى الصف الرابع الابتدائى، مشيرة إلى أن بعد إلحاحها وإصرارها عليه، وافق على تنفيذ المشروع وحقق لها رغبتها بالعمل سويا دون أن يؤثر ذلك على دراستها.
وأشارت إلى أنهم بدأوا العمل بالمشروع معتمدين على شعلة نار على عربة صغيرة تسحب باليد يقفون بها أمام مدرستها، ومن ثم قاموا بشراء تروسيكل يساعدهم على حمل ماكينة تحضير الفشار، وبعض ألعاب الأطفال، والتنقل بها من منزلهم لإحدى قاعات المناسبات فى قريتهم والتى سمحت لهم بالوقوف أمامها لبيع الفشار فى المناسبات المختلفة.
وأوضحت أنها من تقوم بقيادة التروسيكل، حيث نجحت فى قيادته من المحاولة الأولى بمساعدة أحد أصدقاء والدها، حيث يجلس والدها بجوارها وأخيها فى صندوق التروسيكل بجانب ماكينة تحضير الفشار حاملا ألعاب الأطفال استعدادا لبيعها للأطفال، وينطلقوا سويا بعد الساعة الخامسة مساء متجهين لقاعة الأفراح المخصص لهم بالوقوف أمامها.
وقالت إنها تقود التروسيكل فى أيام العمل بكل ثقة وقوة، سعيدة بمن يشجعها من أبناء قريتها، دون أن تلتفت لنظرات المحبطين حولها، وغير مبالية بالخطر الذى قد تتعرض له وأسرتها، كونها تقود التروسيكل على طريق زراعى سريع فى مواجهة السيارات المتنوعة من نقل ثقيل وخفيف وميكروباصات، وتعرض حياتها وحياة والدها وأخيها يوميا للخطر؛ بحثا عن رزق يوم بيوم.
وأشارت إلى أنها تحرص على التوفيق بين دراستها وعملها، حيث تواظب على حضور حصصها اليومية فى المدرسة ودروسها لتحقق حلمها فى التفوق العلمى والالتحاق بكلية الطب، وعند عودتها عصرا تخرج مع والدها لبيع الفشار بثلاث جنيهات حتى منتصف الليل؛ بحثا الرزق، ولمساعدة والدها فى سداد أقساط التروسيكل.
“بنتى هى نور عينى وسندى فى الحياة".. بهذه الكلمات بدأ محمد العشرى صاحب الـ39 عاما حديثه لـ"اليوم السابع"، فقال أن ابنته هى من اقترحت عليه فكرة بيع الفشار واعتماده كمصدر رزق لهم منذ أن كانت فى العاشرة من عمرها، مشيرا إلى أن ذلك المشروع كان أول عمل اه فى حياته فطل طوال حياته بعيدا عن العمل معتمدا على معاشه وابنته من دفعته لعمل المشروع، فبدأوا سويا ببيع الفشار أمام مدرستها بيومية 20 جنيها، معتمدين على شعلة نار، مشيرا إلى أن ابنته "فاطمة"، كانت تبدأ بالعمل بمجرد إنتهاء دوامها الدراسى، فتقوم بإيقاد الشعلة وتعد الفشار وتبيعه لأصدقائها فى المدرسة، وعند انتهائها تعود مسرعة للمنزل لتجهز نفسها لدروسها.
وأضاف أن بعد مرور فترة قررا شراء تروسيكل بالقسط، يسهل عليهم العمل، ويمكنهم من التنقل فى أرجاء قريتهم للوصول لأكبر عدد ممكن من الناس، ولأن ظروفهم المعيشية صعبة ولا يملكون المال الكافى لشراء تروسيكل جديد، قاموا بشراء تروسيكل قديم من الخردة، وقام هو بتجهيزه وتزويده بجهاز إعداد الفشار، واشترى بضاعة من ألعاب الأطفال لبيعها بجانب الفشار.
واستطرد أنه رفض فكرة المشروع فى بدايتها؛ خوفا على ابنته التى لا يتخطى عمرها الـ10 سنوات، فبالرغم من إعجابه الشديد للفكرة، إلا أنها شكلت له مصدر خوف وقلق على ابنته وتعليمها، مضيفا أنها استطاعت بإصرارها أن تقنعه بالفكرة، وقررا العمل سويا أمام قاعات الأفراح برفقة ابنه الصغير الذى أقدم على مساعدهم ببيع البالونات وألعاب الأطفال.
وأشار إلى أنه يحلم بسداد أقساط التروسيكل، وتوفير مشروع ثابت له، يعينه على الكفاح والعمل؛ ليوفر حياة كريمة لأبنائه.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة