وأضاف جمعة، أن الشأن العام هو ما يتجاوز شواغل الفرد واهتماماته الشخصية إلى شواغل المجتمع واهتماماته وقضاياه العامة، سواء أكانت سياسية أو اقتصادية، أو ثقافية، أو أخلاقية وقيمية، أو اجتماعية، أو رياضية، مما يتصل بقضايا الوطن الكبرى أو الأمة.
وتابع وزير الأوقاف: "الشأن العام الإسلامى يعنى القضايا ذات الاهتمام المشترك بين جملة المسلمين أو عمومهم أو غالبيتهم أو شريحة واسعة منهم، وكلما زاد الوعى بينهم بقيمة الشأن العام وخطورته زاد التعاون والتكاتف والترابط بينهم من أجل الحفاظ على أوطانهم وثوابت دينهم، فتتحققُ لهم قوة البنيان الواحد، وشعور الجسد الواحد الذى حثنا عليه نبينا الكريم (صلى الله عليه وسلم)، حيث قال : "المؤمن لِلْمؤْمن كالبُنْيان يَشُدُّ بَعْضُه بَعْضا، وشَبّك بين أَصابعه"( )، وقال (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : "مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِى تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى"( )، على أن من يتصدى للحديث فى الشأن العام عالمًا كان، أو مفتيًا، أو سياسيًّا، أو اقتصاديًّا، أو إعلاميًّا، لا بد أن يكون واسع الأفق ثقافيًّا ومعرفيًّا فيما يتعرض له أو يتحدث عنه، وأن أى إجراء فقهى أو إفتائى أو فكرى أو دعوى أو إعلامى لا بد أن يضع فى اعتباره كل الملابسات المجتمعية والوطنية والإقليمية والدولية المتصلة بالأمر الذى يتحدث فيه أو عنه، حتى لا تصدرَ بعض الآراء الفردية المتسرعة فى الشأن العام دون دراسة وافية، أو دون دراسة أصلًا، بما يصادم الواقع أو يتصادم مع القوانين والمعاهدات والاتفاقيات الدولية، مما قد يسبب ضررًا بالغًا لوطنه ودولته وربما صورة دينه وأمته، سواء أكان ذلك عن قصد وسوء طوية أم عن تسرع وقِصَر نظر.
وإذا كان أهل العلم والفقه على أن العالم الفقيه المجتهد أهلَ الاجتهاد والنظر المعتبر شرعًا أن اجتهد فأخطأ فله أجر وإذا اجتهد فأصاب فله أجران، فإن مفهوم المخالفة يقتضى أن من اجتهد أو أفتى من غير أهل العلم والاختصاص فيما لا علم ولا دراية له به فأصاب فعليه وزر لجرأته على الفتوى أو إقحام نفسه فيما ليس له بأهل، فإن اجتهد فأخطأ فعليه وزران، وزر لخطئه ووزر لجرأته على ما أقدم عليه أو قام به بغير علم، كالطبيب المختص الذى يمارس الطب ويجتهد فيه فإن أخطأ خطأ مهنيًّا لا عن قصد ولا إهمال بما يقدره أهل الاختصاص فى الطب فلا حرج عليه لا شرعًا ولا قانونًا، أما لو مارس غير المتخصص فى الطب عملية التطبيب فهو معاقب قانونًا حتى لو نجح مصادفة فيما قام به، وذلك لحرص الإسلام على احترام الاختصاص، حيث يقول الحق سبحانه وتعالى : "فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ أن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ"( )، كما أن القوانين المنظمة لشئون الناس والحياة مبنية على ذلك .
وأكد وزير الأوقاف، أن الحديث فى الشأن العام دون وعى وإدراك تامّين يمكن أن يعرض أمن الوطن أو الأمة الفكرى أو العام للخطر، سواء أكان ذلك عن تعمد وقصد أم عن غفلة أم جهالة أم سبق لسان، لمن لا يملكون أنفسهم ولا ألسنتهم ولا سيما أمام الكاميرات وتحت الأضواء المبهرة،وهناك أمران فى غاية الخطورة أضرا بالخطاب الثقافى بصفة عامة والدينى بصفة خاصة، هما : الجهل والمغالطة، أما الأول فداء يجب مداواته بالعلم، وأما الثانى فداء خطير يحتاج إلى تعرية أصحابه، وكشف ما وراء مغالطتهم من عمالة، أو متاجرة بالدين.
واختتم وزير الأوقاف قائلا:"ولا شك أن الحديث فى الشأن العام الدينى يتطلب بالضرورة إدراك المتحدث لمفهوم المصلحة العامة وتقدّمها على المصلحة الخاصة، بل تقدُّم المصلحة الأعم نفعًا على الأخص، وإدراك الموازنة والترجيح بين دفع المفاسد وجلب المصالح، وأن دفع المفسدة العامة مقدم على جلب المصلحة العامة، وأنه قد تُحتَمل المفسدة الأخف تحققًا للمصلحة الأهم والأعم، ونحو ذلك مما لا يدركه سوى أهل الخبرة والاختصاص فى كل علم وفن ومؤسسة ممن تتوافر لهم كامل المعلومات المعينة على اتخاذ القرار الصحيح فى الوقت المناسب".