ويؤكد: التنافس على مناطق النفوذ سيظل السائد بالعالم..

اللواء محمد إبراهيم: الصراع الدولى بين الولايات المتحدة وروسيا لن ينتهى

السبت، 19 فبراير 2022 04:58 م
اللواء محمد إبراهيم: الصراع الدولى بين الولايات المتحدة وروسيا لن ينتهى اللواء محمد إبراهيم
أ ش أ

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

أكد اللواء محمد إبراهيم الدويرى نائب المدير العام للمركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية أن الصراع الدولى بين الولايات المتحدة وروسيا لن ينتهى، نظرًا لأن المصالح الدولية والتنافس على كسب مناطق النفوذ سوف تظل اللغة السائدة فى هذا العالم.

وقال اللواء محمد إبراهيم - فى مقال بعنوان " الأزمة الروسية الأوكرانية.. قراءة هادئة" نشره المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية - "إنه قد يبدو من قبيل التناقض الظاهرى المحاولة بالقيام بعملية قراءة هادئة للأزمة الروسية الأوكرانية بينما لا تزال طبول الحرب - الحقيقية أو غير ذلك - تقرع، كما لا زالت مخاطر الغزو الروسى لأوكرانيا قائمة فى أى وقت أو هكذا تحاول الولايات المتحدة أن تؤكد عليه وتسعى لإقناع المجتمع الدولى به، وذلك فى مواجهة موقف روسى يرفض هذه التوجهات الأمريكية ويشير إلى أن مسألة غزو أوكرانيا بالمعنى الذى تركز عليه واشنطن يعد أمرًا غير مطروح".

وأشار إلى أن الأزمة الحالية بين الولايات المتحدة وروسيا ليست هى المرة الأولى التى تحدث فيها مثل هذه الأزمات ( أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962 – محاولة روسيا غزو جورجيا عام 2008 – ضم روسيا لشبه جزيرة القرم عام 2014 ) ومن المؤكد أن الأزمة الأوكرانية لن تكون الأخيرة مهما كانت التعهدات ومهما تم التوصل إلى تفاهمات سياسية أو أمنية نظرًا لأن الصراع الأمريكى -الروسى لن ينتهى على الأقل فى المدى المنظور ومن ثم يجب أن يهيئ العالم نفسه إلى التعامل مع أزمات مشابهة سوف تحدث على فترات متقاربة.

ولفت إلى أن الأزمة الراهنة تميزت بأنها شهدت منذ اللحظة الأولى تصعيدًا واضحًا بين واشنطن وموسكو حيث اتجهت إدارة الرئيس جو بايدن إلى حشد أكبر قدر من التأييد لموقفها ضد روسيا من خلال التأكيد على اعتزام روسيا غزو أوكرانيا بل وصل الأمر إلى تحديد موعد هذا الغزو، فى الوقت الذى نجحت فيه روسيا فى أن تكسب نقاطًا على أرض الواقع من خلال الحشود العسكرية الضخمة على حدودها مع أوكرانيا بالإضافة إلى المناورات العسكرية التى أجرتها فى شبه جزيرة القرم ومع بيلاروسيا، وهو ما يشير إلى أن روسيا تواجه الموقف الأمريكى بانتهاج سياسة حافة الهاوية قناعة منها بأنها سوف تؤتى ثمارها فى النهاية.
ورأى أن هذه الأزمة كانت بمثابة ظاهرة كاشفة للعديد من المحددات، وأهمها أن القطبية الثنائية التى تمثلها كل من الولايات المتحدة وروسيا لا تزال قائمة وبصورة قوية حيث أن هذه الأزمة أكدت بما لا يدع مجالًا للشك أن الحرب العالمية الثالثة إذا وقعت - مع استبعادى التام لهذا الاحتمال- فإنها لن تخرج عن أى من هذين القطبين الذين يمتلكان أقوى الجيوش والمعدات العسكرية على مستوى العالم، ولا يمكن أن نتصور أن هناك قوة أخرى على وجه الأرض تمتلك مثل هذه الترسانات المسلحة أو تكون قادرة على استخدامها أو حتى حشد قواتها مثلما فعلت روسيا فى هذه الأزمة.
وقال أن هناك خطوطًا حمراء لا يمكن لأى من هذين القطبين أن يتعداها تحت أى ظروف، مضيفا أن "المواجهة العسكرية المباشرة بين واشنطن وموسكو ليست واردة فى قاموس أى منهما، ومن ثم فإن المواجهة بينهما سوف تكون فى ميادين أخرى خارجية سواء فى أوكرانيا كما هو الوضع حاليًا أو فى مناطق أخرى مثل منطقة الشرق الأوسط".
وأشار إلى أن روسيا التى فرضت الولايات المتحدة عليها العديد من العقوبات طوال سنوات سابقة ولا زالت تعانى من آثارها الاقتصادية لن تقبل بأى حال من الأحوال المساس بأمنها القومى وهى قادرة على استخدام القوة العسكرية للحفاظ على أمنها أو على الأقل التهديد باستخدامها مهما كانت النتائج باعتبارها قوة عظمى يترأسها أحد أهم الزعماء على المستوى الدولى، وهذه هى الرسالة الجادة التى حرصت موسكو على أن تصل واضحة وحاسمة إلى واشنطن وإلى كل الدول الغربية.
وشدد على أن الولايات المتحدة سوف تظل تضع روسيا ذات القوة العسكرية والنووية على رأس أولويات مهددات أمنها القومى وتأتى أية دولة أخرى بعدها حتى لو كانت الصين، وسوف تواصل واشنطن محاولة تحجيم تمدد النفوذ الروسى فى كافة المناطق التى تحاول موسكو أن تتواجد فيها لاسيما إذا كان هذا التواجد أمنيًا أو عسكريًا أو اقتصاديًا، ومن الواضح أن هذا الموقف الأمريكى يمثل أيضًا رسالة واضحة إلى الصين بأن واشنطن سوف تتحرك بنفس القوة لتحجيم النفوذ الصينى الذى بدأ يتوسع فى العالم.
ونوه إلى أن أن مسألة استخدام الولايات المتحدة للقوة العسكرية فى حالة الغزو الروسى لأوكرانيا هى مسألة مستبعدة تمامًا وأن الرد الأمريكى سوف يقتصر على تكثيف العقوبات الاقتصادية الأمريكية والأوروبية على روسيا، ولاشك أن هذا الموقف الأمريكى يشجع روسيا على التمسك بمواقفها بل ويمكن لها إتمام عملية غزو أوكرانيا إذا كانت قد قررت اللجوء إلى هذا الخيار من أجل حماية أمنها القومى، أما مسألة العقوبات فهى ليست جديدة عليها ويمكن لها أن تواجهها ولو حتى جزئيًا رغم أن الغزو الروسى لأوكرانيا سوف يترتب عليه تكلفة اقتصادية أكبر من ذى قبل، وإن كانت موسكو تراهن على أن الخسائر الاقتصادية المترتبة على غزو أوكرانيا سوف تشمل العديد من دول العالم وليس هى فقط.
وأشار إبراهيم إلى أن الموقف الأمريكى لايزال، حتى الآن، يتحرك على مسارين رئيسيين قد يبدو أنهما متناقضين؛ أولهما الدفع فى اتجاه أن الغزو الروسى لأوكرانيا يعد مسألة وقت فقط رغم اتجاه روسيا إلى خفض حدة التصعيد نسبيًا، أما المسار الآخر فهو منح الخيار السياسى والدبلوماسى كل الدعم والوقت الممكن لحل الأزمة إلى حد أن الرئيس "بايدن" اتصل بالرئيس "بوتين" فى أوج الأزمة، كما أنه من المقرر أن يلتقى وزيرا الخارجية الأمريكى والروسى خلال أيام بالإضافة إلى تواصل وزيرى دفاع الدولتين، ولاشك أن هذا الموقف يؤكد أن هذه الأزمة الخطيرة التى تهدد السلام العالمى قابلة للاحتواء ويمكن أن تصل إلى بر الأمان.
وأوضح أن الموقف الأوروبى يبدو متوائمًا مع الموقف الأمريكى تجاه هذه الأزمة وذلك فى ظل التزامات حلف الناتو، إلا أن الدول الأوروبية التى ترتبط بعلاقات اقتصادية قوية للغاية مع روسيا التى تمد أوروبا بحوالى 40% من الطاقة لا ترغب فى أن تسلم تمامًا بالموقف الأمريكى حتى النهاية ومن ثم تحاول أن تتحرك من أجل حل هذه الأزمة دبلوماسيًا وهو الأمر الذى وضح من خلال إسراع كل من قادة فرنسا وألمانيا وبريطانيا بالتحرك من أجل نزع فتيل الأزمة، ولاشك أن روسيا تحاول استثمار هذا الموقف الأوروبى من أجل أن تمارس أوروبا ضغوطًا على الولايات المتحدة لتليين مواقفها.
وتابع أن الرئيس الروسى “بوتين” يرنو إلى إعادة إحياء إمبراطورية الاتحاد السوفيتى السابقة التى انهارت وتفككت فى بداية التسعينيات من القرن الماضى، وهو حلم يبدو من وجهة نظره مشروعًا ولكنه على قناعة بأنه أصبح بعيد المنال خاصة وأن العديد من الدول السوفيتية انضمت إلى الاتحاد الأوروبى وإلى حلف الناتو ومن ثم فإن عودتها مرة أخرى داخل إطار الإمبراطورية الروسية يعد من المستحيلات، ومن هنا فإن الرئيس الروسى سوف يتعامل بواقعية مع هذا الوضع بحيث إذا لم يتحقق هذا الحلم فعلى الأقل يمنع ما تبقى من الدول السوفيتية السابقة من أن تنضم إلى الناتو وألا تكون مصدر تهديد للأمن القومى الروسى وهو الأمر الذى ينطبق على أوكرانيا التى تمتد حدودها البرية مع روسيا أكثر من 2000 كم وحدود بحرية حوالى 500 كم.
وأضاف أن "بوتين" يمتلك ثلاثة كروت ضغط تمثل فى مجملها عوامل ضاغطة على الموقف الأمريكى وسوف يستمر بوتين فى التلويح بهذه الكروت؛ وأولها بالطبع القوة العسكرية التى يمكن لها أن تحسم مسألة غزو أوكرانيا إذا قرر انتهاج هذا الطريق، وثانيها قدرته على دعم الحركات الانفصالية فى شرق أوكرانيا وإمكانية أن تقوم هذه الحركات بمناوشات عسكرية ضد أوكرانيا أو تتحول هذه المناطق إلى دول مستقلة معترف بها تنفصل تمامًا عن أوكرانيا ( دونيتسك – لوغانسك “منطقة دونباس”)، أما ثالث هذه الكروت فهو العلاقات الاقتصادية التى تربط الدول الأوروبية مع روسيا وخاصة فى مجال الطاقة حيث أن روسيا تمد أوروبا بحوالى 40% من احتياجاتهم من الغاز وبالتالى فإن الأوربيين من المفترض أن يكونوا أكثر حرصًا من جانبهم على استمرار هذه العلاقات مع روسيا.
ونوه إلى أن الفترة القريبة القادمة سوف تشهد استمرارًا للجهود الدبلوماسية ليس فقط من جانب الدول الغربية ولكن أيضًا من جانب طرفى النزاع، وأقصد واشنطن وموسكو، من أجل احتواء الأزمة وهو أمر لابد من التوقف عنده حيث أن الوساطة فى هذه الأزمة لم تقتصر فقط على أطراف خارجية بل شملت اتصالات مباشرة بين واشنطن وموسكو رغبة منهما فى التوصل إلى حل سياسي؛ حيث أن الحسابات المنطقية لكل من الرئيسين (بايدن وبوتين) لابد أن تقودهما إلى تفضيل هذا الحل، إلا أنه فى الوقت نفسه سوف تحرص روسيا على ألا تسقط الخيار العسكرى من حساباتها ولن تسحب قواتها دون مقابل وسوف تزيد من المناورات العسكرية التى تجريها حتى تظل واشنطن على قناعة بجدية الموقف الروسي.
وأوضح أن روسيا ستحاول من خلال جهود الوساطة أن تصل إلى اتفاق بشأن الضمانات الأمنية التى يمكن أن تقبلها سواء عدم انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو أو على الأقل تأجيل هذا الأمر لفترة طويلة ولكن المهم لموسكو فى النهاية أن يتم أخذ المخاوف الأمنية الروسية فى الاعتبار حتى لا يتعرض الأمن الأوروبى بصفة عامة إلى تهديدات ومخاطر سوف تكون لها تداعيات عسكرية واقتصادية.
وقال إبراهيم: "إننا أمام سيناريو واضح تمامًا ومعلن لطبيعة التطورات المقبلة للأزمة وهو سيناريو يشتمل على خطوات محددة ومتدرجة لن تكون خافية على أحد حيث أن غزو روسيا لأوكرانيا – فى حالة حدوثه ولا يزال احتماله واردًا حتى بنسبة أقل – سوف يكلفها فرض عقوبات اقتصادية غير مسبوقة عليها وتكون روسيا بذلك قد حققت هدفها فى منع أوكرانيا من الانضمام إلى الناتو، أما فى حالة تراجع روسيا عن مسألة الغزو فإن ذلك سوف يفتح المجال أمام إنهاء هذه الأزمة بشرط رئيسى للروس وهو التوافق على طبيعة الضمانات الأمنية التى ترضى جميع الأطراف".
ورأى "أننا أمام مرحلة يمكن أن أسميها بالحرب الدافئة القابلة أن تكون ساخنة نسبيًا فى بعض الأحيان ولكن دون أن تصل إلى مرحلة الانفجار الكامل الذى يهدد السلم العالمى وهى مرحلة سوف تستمر معنا لفترة طويلة حيث أن الصراع الدولى بين الولايات المتحدة وروسيا لن ينتهى فلابد أن يكون هناك مثل هذا الصراع نظرًا لأن المصالح الدولية والتنافس على كسب مناطق النفوذ سوف تظل اللغة السائدة فى هذا العالم.
واختتم إبراهيم مقاله بقوله: "وفى ضوء ما سبق فإن مثل هذه الأزمات التى لن تنتهى تتطلب من الدول العربية أن تدرس كافة البدائل والخيارات المتاحة أمامها للتعامل معها وخاصة أنه من المؤكد أن هناك تداعيات سياسية واقتصادية سوف تترتب على هذه الأزمات – إذا انفجرت – على المنطقة العربية ولاسيما فى ظل العلاقات الجيدة التى تربط الجانب العربى مع كل من الولايات المتحدة وروسيا وقد يصل الأمر إلى مطالبة واشنطن الدول العربية بتوضيح موقفها بشكل محدد وليس مجرد مواقف عامة أو محايدة، بالإضافة إلى ضرورة دراسة تأثير تفاقم هذه الأزمات على الأوضاع الاقتصادية ومن بينها مصير واردات السلع الغذائية من أوكرانيا وروسيا وكذا تأثير حدة مثل هذا التصعيد على أمن المنطقة وعلى الملاحة فى الممرات المائية وخاصة على قناة السويس".

 









الموضوعات المتعلقة


مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة