ربما لم يكن التركيز الكبير من قبل القيادة المصرية، منذ انطلاق "جمهوريتها الجديدة"، على عقد التحالفات الدولية، مجرد مسعى تقليدى، لتوطيد علاقتها بالعالم الخارجي، خاصة وأن التحالفات المصرية سارت في حقيقة الأمر على مسارين رئيسيين أولهما، يقوم على صورة التحالف التقليدية، في إطار ثنائي أو ثلاثى، على غرار التحالفات مع اليونان وقبرص تارة، والعراق والأردن تارة أخرى، ناهيك عن الشراكات القوية التي صنعتها مع دول عربية وإفريقية، وقوى إقليمية بشكل ثنائى في الآونة الأخيرة، وعلى رأسها الجزائر وتونس وجيبوتى وتنزانيا وكوريا الجنوبية، وغيرها، من جانب، بينما تحركت على المسار الثانى نحو خلق معسكرات كبيرة، سواء بتحويل هذه التحالفات "ضيقة النطاق" إلى "منتديات" أوسع، أو تدشين منتديات جديدة، تضم عدد أكبر من الدول، في إطار التوافق بينهم حول قضايا متفرقة، سواء لتحقيق التنمية الاقتصادية، أو الاستقرار في الشرق الأوسط، أو مجابهة الوباء والمناخ، وهى القضايا التي باتت الشغل الشاغل للمجتمع الدولي في السنوات الأخيرة من جانب أخر.
ولعل تدشين منتدى غاز شرق المتوسط، مثالا بارزا، في هذا الإطار، فالتحالف الثلاثى مع كلا من اليونان وقبرص تحول إلى منتدى دولى للغاز يضم العديد من الدول حول العالم، بينما يبقى المركز فى مصر، وكذلك محاولات لم الشمل العربي، عبر تحقيق توافقات صغيرة، حول قضايا بعينها مع القوى الرئيسية في المنطقة، من شأنها أن تكون بداية لمشتركات أكبر، في المستقبل القريب، في إطار مبدأ "الشراكة" الذى اعتمدته مصر في إطار علاقاتها الدولية في السنوات الأخيرة، بينما اتجهت مباشرة نحو توسيع دوائر "منتدياتها"، عبر خلق نقاط جديدة، من شأنها تحقيق توافق أكبر في إطار رقعة أوسع من الجغرافيا.
ويعد "منتدى شباب العالم" نموذجا أخر لـ"التحالفات" الجماعية التي سعت إلى تدشينها الدولة المصرية، في إطار صورة جديدة، للعلاقات القائمة على الشراكة، عبر الاستثمار في الشباب، لتكون أرض الكنانة "قبلة" شباب العالم من كل حد وصوب، بما يساهم في تبادل الخبرات، وتقديم الحلول للأزمات التي يواجهها العالم، ناهيك عن تقديم صورة صحيحة لمصر، تقوض المغالطات التي طالما سعت الدوائر الرسمية هنا أو هناك لترويجها، سواء عبر المنصات الإعلامية، أو بيانات سياسية أو بمعنى أدق "مسيسة"، لا تهدف إلا لإثارة الفوضى داخل المجتمع، ولتوقيف المسيرة التي انطلقت مع العهد الجديد الذى دشنه المصريين في 30 يونيو، نحو التنمية والتقدم، لتحقيق مستقبل أفضل، سواء في الداخل أو الخارج.
النجاحات المصرية ربما كانت دافعا مهما، لاختيارها لتكون أحد أهم "رؤوس الحربة" في مسيرة الدفاع عن العالم أمام تهديدات كبيرة، قد تأكل الأخضر واليابس، على غرار قضية التغير المناخي، عبر قمة المناخ المقبلة، والمقرر إقامتها في "أرض الكنانة"، في شهر نوفمبر المقبل، وهو ما يعكس أهمية الدور الذى تقوم به الدولة، سواء في الداخل، عبر الاعتماد على الطاقة النظيفة، في إطار خطة شاملة، لا تكتفى في حقيقة الأمر بتحقيق النمو الاقتصادي، وإنما تسعى إلى تحقيق التنمية المستدامة، أو في الخارج عبر مسارين، أولهما التحرك نحو تعميم التجربة المصرية في محيطها الإقليمى والجغرافى، بينما يبقى الثانى قائما على اعتمادها كوسيط مهم بين المعسكرين النامى والمتقدم، فيما يتعلق بالخلافات القائمة منذ سنوات حول تخفيض الانبعاثات الكربونية.
الأمر نفسه يمتد إلى مسألة الوباء، والمحاولات الدولية الكبيرة لاحتوائه، حيث يبقى اختيار مصر ضمن دول القارة الأفريقية التي ستتلقى الدعم للحصول على تكنولوجيا mRNA المستخدمة في تصنيع اللقاحات وغيرها من العقاقير الطبية المهمة لمواجهة الكثير من الأمراض المستعصية، يمثل انعكاسا على قدرة القاهرة لتوفير اللقاحات، سواء المرتبطة بكورونا، أو ما سوف يستجد من أوبئة، ليس فقط لشعبها وإنما أيضا على المستوى القارى، وهو ما يمثل نقطة انطلاق جديدة، لـ"منتدى" جديد، يرتبط بتوفير اللقاحات لمجابهة الأمراض، خاصة مع حالة العجز التي انتابت أعتى الدول المتقدمة فى مجابهة تجربة "كورونا" المريرة، وفى الوقت نفسه يبقى اعترافا ضمنيا بكفاءة البنية التكنولوجية في مصر وقدرتها على استيعاب مثل هذه التكنولوجيا الجديدة.
وهنا يمكننا القول بأن دبلوماسية "المنتديات" تبقى أحد الأذرع التي استحدثتها الدولة المصرية، في إطار توسيع دوائرها التقليدية، لتصبح قادرة على التعامل بكفاءة كبيرة مع العديد من القضايا، ليس فقط على المستوى الإقليمى والقارى، وإنما أيضا على المستوى الدولي، لتصبح القاهرة في المرحلة الراهنة، أحد القوى التي يمكن الاعتماد عليها، في إطار نظام دولي جديد، لن يقوم بأى حال من الأحوال على الهيمنة المنفردة لقوى بعينها، وإنما سيعتمد نهجا قياديا جماعيا، لمواجهة الأزمات الجديدة التي يشهدها العالم، بأبعادها غير التقليدية، متجاوزة حدود الزمن والجغرافيا.