قال مرصد الأزهر في تقرير له أن مسألة المقاتلين الأجانب الذين انضموا لتنظيم داعش الإرهابي في سوريا والعراق بعد إعلان دولته المزعومة عام 2014 م أمرًا مُحيِّرًا يتطلَّب إجراء العديد من الدراسات، ويوجد عشرات التقارير حول أسباب انضمام هؤلاء لهذا التنظيم الإرهابي، وطرق تجنيدهم، وأسلوب حياتهم خلال المدة التي سيطر فيها التنظيم على تلك المناطق، ومدى تشربهم للأفكار المتطرفة.
وتابع المرصد أن من أبرز النقاط التي حيَّرت الباحثين والمتابعين مسألة الاختفاء المفاجئ لهؤلاء المقاتلين بعد إعلان رئيس وزراء العراق حيدر العبادي القضاء على داعش أواخر عام 2017م. وقد أجريت العديد من الدراسات خلال الأعوام التالية لتحليل وجهات مقاتلي "داعش" بعد فقد سيطرته على مناطق نفوذه في العراق وسوريا، توصلت بعضها إلى أنهم يستهدفون السيطرة على مناطق أخرى تكون أحوالها وظروفها مهيأة لهم من الناحية الجيوسياسية والعرقية. إلا أن الأخبار طالعتنا مؤخرًا أن عددًا لا بأس به من هؤلاء المقاتلين كان قد عقد العزم على التسلل مرة أخرى إلى المجتمعات الآمنة؛ وذلك عبر طريقة مبتكرة تحول دون تعقبهم والتعرف عليهم، تتمثل هذه الحيلة في استخدام جوازات سفر مزورة تُمكِّنهم من دخول الدول الأوروبية والولايات المتحدة، فقد كشفت صحيفة "الجارديان" في 31 يناير 2022م عن رواج صناعة عبر الإنترنت تتخصص في توفير جوازات سفر مزيفة بها تأشيرات وأختام سفر رسمية، تتيح للأشخاص الذين تربطهم علاقة بتنظيم داعش الإرهابي فرصة السفر إلى المملكة المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وكندا، والولايات المتحدة. ووفقًا للتحقيق الصحفي الذي أجرته "الجارديان"، فإن بائعي هذه الجوازات المزيفة يزعمون أن الاتحاد الأوروبي هو الوجهة الأكثر شيوعًا، مؤكدين تمكُّن بعض الأشخاص من السفر إلى المكسيك بجوازات سفر روسية مزورة، ثم عبور الحدود بشكل غير قانوني إلى الولايات المتحدة، كما أفادوا أن النيجر وموريتانيا وأوكرانيا وأفغانستان هي أيضًا وجهات شائعة لهؤلاء الأشخاص. وربما يكون هذا الأمر ليس بمستغرب أو غير متوقع تمامًا، حيث حذَّر مسؤولون أمنيون غربيون في عام 2015م من أن تنظيم داعش نجح في الحصول على معدات مهمة مثل دفاتر جوازات السفر الفارغة وطابعات لتصنيع جوازات سفر سورية وعراقية، والتي استخدمها لإخفاء عناصر تابعين له بين أكثر من مليون شخص فروا من جحيم الحرب في العراق وسوريا وتوجهوا إلى أوروبا خلال ذروة أزمة اللاجئين.
ويدلل على هذا أيضًا تبني تنظيم داعش الإرهابي العديد من الهجمات الإرهابية في أنحاء قارة أوروبا بعد مدة وجيزة من هذا التاريخ، بما في ذلك هجمات باريس التي وقعت خلال شهر نوفمبر 2015م، وكان أشدها تأثيرًا الهجوم على مسرح باتاكلان في باريس الذي راح ضحيته نحو 130 شخصًا، وأصيب أكثر من 400 شخص، وكذلك تفجير مانشستر في عام 2017م، وغيرهما من الهجمات الإرهابية. وكان من بين الأمور التي ساهمت في نشاط "داعش"، بعد تلقيه العديد من الضربات والهزائم التي أفقدته السيطرة والكثير من الموارد، تبنيه إستراتيجية جديدة هي "الذئاب المنفردة"، حيث تقوم تلك العناصر المتطرفة التي تسللت إلى أوروبا بشن هجمات بصورة منفردة دون التنسيق مع قادة التنظيم، مستفيدة من الكتيبات التي يتيحها لهم التنظيم، والتي تشرح كيفية تصنيع المتفجرات بأنواعها، مع اهتمام خاص بصناعة الأحزمة الناسفة، أو حقائب الظهر ذات الأثر المدمر، إلى جانب كيفية تصنيع متفجرات تعمل بأجهزة تحكم عن بعد، وقنابل يدوية وزجاجات حارقة، مع شرح كيفية الاختباء من الكاميرات الحرارية وطائرات التجسس العادية.
وفي الختام، أكد المرصد أنه يجب التأكيد على أن قضية تزوير جوازات السفر، هي مسألة محورية وحيوية للغاية، متعلقة بدول العالم أجمع، حيث تُيسر لعناصر هذه التنظيمات الإرهابية التسلل إلى البلدان والمجتمعات الآمنة، وإحداث فوضى ودمار، وهو ما يتطلب تعاونًا وثيقًا بين جميع دول العالم على جميع المستويات، الأمنية والسياسية والقانونية وغيرها، من أجل الحد من هذا التهديد الخطير، ومحاولة المساهمة في تحقيق مستوى أعلى من السلم والاستقرار على مستوى العالم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة