"وراء كل امرأة عظيمة نفسها".. قوتها.. إصرارها.. وصغارها.. بهذه المقولة يمكن أن نلخص قصة كفاح أم عظيمة من مدينة المنصورة، ضربت أروع الأمثلة فى الكفاح والعزيمة والتحدي، إذ ضحت بشبابها، وعاشت قوية وشامخة، تناضل كالفرسان، حاملة في قلبها قنديل الرضا؛ من أجل صغارها بعد وفاة زوجها، واقتحمت مهن الرجال وعملت "سايس" منذ أكثر من 10 سنوات، وتولت مسؤولية "جراج"؛ بحثا عن الرزق الحلال وتوفير متطلبات الحياة لأطفالها الأربعة.
في إحدى جراجات شارع بورسعيد بمدينة المنصورة، تقف السيدة الأربعينية سمر مسعد، مرتدية عباءة سوداء، ترتسم ملامح وجهها بالقوة والصرامة والحزم، تحاول التقاط أنفاسها لتقاوم أشعة الشمس، تحمل بين يداها التي ملأت تجاعيدها الشقاء، كيسا مليئا بالمفاتيح، تطلق تعليماتها يمينا ويسارا لتنظم اصطفاف السيارات.
"بشتغل في مهنة صعبة عشان أوفر عيشة كريمة لعيالي".. بهذه الكلمات بدأت جميلة الروح سمر مسعد صاحبة الـ45 عاما حديثها لـ"اليوم السابع"، فقالت إنها عملت "سايس"، مع زوجها منذ أكثر من 10 سنوات، ليوفرا سويا حياة كريمة لأبنائهم، مشيرة إلى أن زوجها عمل "سايس" بجانب عمله الأساسي في تصنيع الزجاج، فبالرغم من عمله في مهنتين لم يكن قادرا على توفير متطلبات واحتياجات أطفاله اليومية، مما دفعها لتحمل المسؤولية والوقوف بجانبه والعمل كسايس في الجراج المسؤول عن تنظيم وقوف السيارات فيه؛ لتساند زوجها على المعيشة، وتوفر لأطفالها الأربعة حياة كريمة، وتكون خير معين لزوجها على أعباء الحياة.
الشغل مش عيب.. العيب إني أقعد في البيت وأمد إيدي للناس".. هكذا عبرت سمر، عن عملها كسايس، فأشارت إلى أن ظروف الحياة اشتدت عليها بعد وفاة زوجها، فوجدت نفسها تصارع الحياة وحدها ومعها أربعة أطفال، أصبحت بالنسبة لهم الأم والأب معا، فتحملت المسؤولية، وقررت أن تكمل فى عملها كسايس فى أحد جراجات شارع بورسعيد بمدينة المنصورة؛ لتنفق على أطفالها وتوفر لهم دخلا ثابتا.
وأوضحت أنها تعمل بكل صبر وعزم فى مهنة صعبة وشاقة، تنطلق يوميا من الساعة السادسة صباحا للجراج المسؤولة عن تنظيمه، متحملة صفعات البرد شتاءا وحرارة الطقس صيفا، ومضايقات ونظرات البعض لها، وتظل حتى الساعة التاسعة مساءا تحرس السيارات لحين عودة ملاكها؛ فى سبيل حماية ومراقبة أطفالها الأربعة، الذين يعملون فى حرف مختلفة فى نطاق الشارع الذى تعمل فيه، حيث عملت منذ اليوم الأول لوفاة زوجها على تعليم أبنائها حرف مختلفة بجانب استكمال دراستهم؛ لتعلمهم تحمل المسؤولية منذ طفولتهم حتى يتمكنوا من صناعة مستقبل لهم، فيتعلم ابنها الأكبر مهنة الحدادة، والابن الثاني يعمل في صناعة الزجاج، والآخر توجه لتعلم ميكانيكا السيارات، وطفلتها الرابعة تقف برفقتها في الجراج.
وقالت إن مهنة السايس كأي مهنة لها أصولها وقواعدها التي تحكمها، مشيرة إلى أن الأمانة واحترام الناس سر نجاحها في المهنة، فضلا عن حفاظها على السيارات وحمايتها، وعدم التعدي على أرزاق غيرها من "السياس" حولها، حيث أن لكل "سايس" منطقة عمل خاصة به، لا يمكن لغيره بالوقوف فيها والتعدي على عمله، قائلة: "ربنا بيكرمني عشان مش باخد رزق غيري.. واللي الزبون بيدهوني باخده وأنا مبسوطة وراضية".
وأشارت إلى أنها تنسى كل ما تعاني منه من تعب وألم ولا تبالي بما قد تواجهه من صعوبات وتحديات ومضايقات كونها تعمل في مهنة غريبة لا تتناسب مع طبيعتها كامرأة، طالما تكافح بعرق جبينها وعزيمة وإرادة، مؤكدة أنها وبرغم الشقاء ستظل تكافح لآخر نفس؛ لتؤمن لأبنائها مستقبلهم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة