بالرغم من انتهاء الحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتى والغرب قبل ثلاثين عاما، وبعد هدنة قصيرة عادت أجواء التوتر لتطل على أوروبا وتمتد للعالم من جديد، وتعيد أجواء التوتر وتذكر العالم بأحداث مثل أزمة صواريخ خليج الخنازير فى كوبا، والتى وضعت العالم على شفا حرب نووية، ولم يفق العالم من تأثيرات جائحة كورونا، حتى وجد نفسه فى مواجهة تعيد أجواء الحرب.
لم يتوقف التوتر بين روسيا والغرب بسبب أوكرانيا، وضم روسيا للقرم، لكن إعادة الحديث عن دخول أوكرانيا الى حلف الناتو أشعل التوتر، وبعد أسابيع من الشد والجذب والتهديدات المتبادلة بين روسيا والغرب قرر الرئيس الروسى فلاديمير بوتين الاعتراف باستقلال جمهوريتى دونيتسك ولوجانسك الواقعتين شرق أوكرانيا، وإبرام اتفاقيات صداقة مع حكومتى الجمهوريتين، يمكنه بموجبها دخول الشرق الأوكرانى ليتم إطلاق عملية عسكرية، فى تصعيد قابلته الولايات المتحدة والغرب بحزمة عقوبات.
والاختلاف أن هذا الصراع يدور على الهواء وسط استقطاب عالمى، روسيا تراهن على أن الولايات المتحدة وأوروبا ربما لا تكونان مستعدتين للدخول فى مواجهة عسكرية واسعة، مع ما أنتجته التحولات فى بنية الاتحاد الأوروبى، فضلا عن مصالح الغاز والنفط، وقال الرئيس الروسى، فلاديمير بوتين، قبل يوم واحد من التحرك العسكرى إن بلاده منفتحة على الحوار مع الغرب لكن مصالح وأمن روسيا «غير قابلة للتفاوض»، فى تأكيد لعدم التراجع عن إلغاء أى تفكير لانضمام أوكرانيا إلى حلف الأطلنطى، وأضاف: «فى الوقت نفسه، فإن دعوات روسيا لبناء نظام من الأمن المتكافئ وغير القابل للتجزئة من شأنه أن يحمى جميع البلدان بشكل موثوق لا تزال دون استجابة».
لكن فى أعقاب التحرك الروسى قال ينس ستولتنبرج، أمين عام حلف «الناتو»، إن موسكو تريد تمزيق القواعد التى حفظت السلام لعقود وإعادة رسم خرائط النفوذ والحرية والديمقراطية، مؤكدا عدم إرسال قوات إلى أوكرانيا، قائلا: «قدمنا لأوكرانيا أنظمة دفاعية لكن ليست لدينا خطط لإرسال قوات إلى أوكرانيا»، وكشف ستولتنبرج، خلال مؤتمر صحفى، عن وضع أكثر من مائة مقاتلة و120 سفينة وقوات تدخل فى حالة تأهب قصوى، بعد الهجوم العسكرى الروسى على أوكرانيا، داعيا دول الحلف إلى «وقفة رجل واحد» لحماية مصالح الناتو الأمنية، مشيرا إلى أن الحلف ساهم فى بناء جيش أوكرانى أقوى مما كان فى 2014.
هذه المواجهة تبدو مثيرة للقلق، والخوف، خاصة أن بدء الحرب ربما يكون اختيارا، لكن إنهاء هذه الحرب مرهون بعناصر أخرى، خاصة مع استعادة أجواء وتداعيات الحرب العالمية الثانية أو الحرب الباردة.
هذا الصراع على حدود أوروبا، لكنه يؤثر على كل العالم، خاصة أن له انعكاسات وتهديدا مباشرا لإمدادات الطاقة للقارة الأوروبية، كما أن تأثيراته تمتد إلى دول العالم ومن بينها الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهى تداعيات سياسية واقتصادية، ومع الطاقة، هناك القمح والذى يتدفق إلى جزء كبير من روسيا وأوكرانيا، وعلى هذه الدول أن تؤمن احتياجاتها، خاصة مع اختلالات مناخية أثرت بالطبع على الغذاء، فضلا عما يعانيه العالم من تضخم ناتج عن تحولات ما بعد كورونا، ولهذا حذرت صحيفة وول ستريت جورنال على لسان خبراء من سيناريوهات صادمة على صعيد الأمن الغذائى عالميا حال احتدام النزاع حول أوكرانيا التى تصدر 10% من القمح فى العالم.
ومن القمح إلى الغاز، ضمن معادلة معقدة، لأن روسيا هى المصدر الرئيسى للغاز فى أوروبا الغربية، وبالتالى فإن العقوبات على قطاع الطاقة فى روسيا يعنى اختلال وارتفاع فى الأسعار، وهو ما بدأت بوادره فى الظهور مؤخرا فى زيادة أسعار النفط والغاز، ما ينتج ارتفاعات أخرى فى باقى المنتجات والسلع، فى وقت لم يتعاف فيه العالم من جائحة كورونا، ثم إن العقوبات التى تدعمها إدارة الرئيس الأمريكى بايدن، لا تضر الاقتصاد الروسى فقط، لكنها تنعكس على أوروبا والعالم، وسط حرب عالمية باردة ساخنة، لكنها تدور بلا أيديولوجيا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة