تولى القيادة السياسية اهتماما كبيرا بذوى الهمم، حيث وجه الرئيس عبد الفتاح السيسى، جميع الهيئات بتوفير ومساعدة ذوى القدرات الخاصة، بالإضافة إلى إطلاق العديد من المبادرات مثل " قادرون باختلاف"، وفى هذا التقرير نستعرض عناية الإسلام بذوى القدرات الخاصة ، وكيف اعتنى وتعامل معهم الرسول .
عناية الإسلام بذوي الحقوق الخاصة
وكشفت نشرة جسور الصادرة من الامانة العامة لدور وهيئات الإفتاء بالعالم، أن الإسلام اعتنى بذوى الهمم، كما أوضحت كيف كان يعاملهم الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله لا ينظر إِلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إِلى قلوبكم وأعمالكم" أخرجه مسلم في صحيحه (ح2564).
وجاء بالنشرة أن المولى جل شأنه نهى عن السخرية والإيذاء بهم قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الأِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الحجرات: 11].
ووفق النشرة" هذا نهي صريح أن تُتَّخذ العيوب الخِلْقية سبباً للتندر أو التقليل من شأن أصحابها أو السخرية منهم؛ قال ابن عطية في تفسيره (5/149): "يَسْخَر معناه: يستهزىء، والهزء إنما يترتب متى ضعف امرؤ إما لصغر وإما لعلة حادثة، أو لرزية أو لنقيصة يأتيها، فنهي المؤمنون عن الاستهزاء في هذه الأمور وغيرها نهيا عاما، فقد يكون ذلك المستهزأ به خيرا من الساخر"، وقد كان سيدنا عبد الله بن مسعود دقيق الساقين، فصعد مرة على شجرة أَرَاكٍ يجتني لهم منها فهبت الريح وكشفت عن ساقيه فضحكوا؛ فقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم: مِمَّ تضحكون؟ قالوا: يا نبي الله، من دقّة ساقَيْه فقال: "والذي نفسي بيده لهما أثقل في الميزان من أُحُدٍ" أخرجه أحمد في مسنده (ح3991).
هدي النبي - صلى الله عليه وسلم- مع ذوي الحقوق الخاصة
كان النبي – صلى الله عليه وسلم- أرحم الناس بهم، وكان يقضي حاجاتهم، ويلاطفهم ويؤاكلهم، ويتكلم بما يصبرهم على أقدار الله تعالى فعَن أَنسٍ -رضي الله عنه-: (أَن امرأَةً كان في عقلها شيءٌ، فقالت: يا رسول الله إِن لي إِليك حاجة، فقال: يا أُمَّ فُلان انظُري أَيَّ السِّكَكِ شِئتِ، حتى أَقضي لك حاجتك، فخلا معها في بعض الطرق، حتى فرغت من حاجتها). أخرجه مسلم في صحيحه (ح 2326)
قال النووي في شرحه (15/82): بروزه صلى الله عليه وسلم للناس وقربِهِ منهم، ليصل أَهل الحقوق إِلى حقوقهم، ويرشد مسترشدهم ليشاهدوا أَفعاله، وحركاته فيقتدى بها، وهكذا ينبغي لولاة الأُمور، وفيها صبره -صلى الله عليه وسلم- على المشقة في نفسه لمصلحة المسلمين، وإِجابته مَنْ سأَله حاجةً، وبيان تواضُعِه بوقوفه مع المرأَة الضعيفة.
وقوله:"خَلَا معها في بَعضِ الطرق" أَي وقف معها في طريق مسلوك ليقضي حاجتها، ويفتيها في الخلوة، ولم يكن ذلك مِنَ الخَلوةِ بالأَجنبيّة فإِن هذا كان في ممر الناس ومشاهدتهم إِياه وإِياها، لكن لا يسمعون كلامها لأَن مسأَلتها مما لا يظهره واللهُ أَعلم".
وجاء الصحابي عتبان بن مالك رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- وكان ضريراً ، فقال وددت يا رسول الله أنك تأتيني فتصلي في بيتي فأتخذه مصلى، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: سأفعل إن شاء الله ، قال عتبان فغدا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر حين ارتفع النهار فاستأذن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأذنت له، فلم يجلس حتى دخل البيت ثم قال : أين تحب أن أصلي من بيتك ، قال فأشرتُ إلى ناحية من البيت فقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فكبر فقمنا فصفَّنا فصلى ركعتين ثم سلم" أخرجه البخاري في صحيحه (ح 263).
وقد "أتت النبي -صلى الله عليه وسلم- امرأة تُصرع فقالت: إني أصرع وإني أتكشف فادع الله لي ، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- : إن شئتِ صبرتِ ولك الجنة وإن شئتِ دعوتُ الله أن يعافيك، فقالت أصبر، ثم قالت إني أتكشف فادع الله لي أن لا أتكشف فدعا لها" أخرجه البخاري (ح5652)، ومسلم (ح2576).
وكان من هديه –صلى الله عليه وسلم- إتاحة الفرصة لهم بما يناسب إمكانتهم اللائقة وخاصة إذا كانوا من ذوي الكفايات فيتيح الفرصة لهم ليقوموا بدورهم في نشاطات الحياة كباقي الأمة، ومن ذلك استخلافه –صلى الله عليه وسلم- ابن أم مكتوم -رضي الله عنه- على المدينة، فقد استخلفه مرتين يصلي بهم وهو أعمى، واختار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- معاذاً بن جبل وهو أعرج في إحدى قدميه فأرسله قاضياً وأميراً على اليمن، فلم تمنعه إعاقته عن تولي ذلك المنصب.
وكان الصحابي الجليل عمرو بن الجموح أعرجاً شديد العرج، وكان له أربعة بنون شباب يغزون مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا غزا، فلما أراد -صلى الله عليه وسلم- أن يتوجه إلى أحد قال له بنوه: إن الله عز وجل قد جعل لك رخصة فلو قعدت فنحن نكفيك فقد وضع الله عنك الجهاد؛ فأتى عمرو بن الجموح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله إن بنيَّ هؤلاء يمنعوني أن أخرج معك، والله إني لأرجو أن أستشهد فأطأ بعرجتي هذه في الجنة، فقال له -صلى الله عليه وسلم-: "أما أنت فقد وضع الله عنك الجهاد، وقال لبنيه: وما عليكم أن تدَعوه لعل الله يرزقه الشهادة، فخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقتل يوم أحد شهيداً" أخرجه البيهقي (ح17821)
تحذير النبي -صلى الله عليه وسلم- من إيذاء ذوي الحقوق الخاصة
وحذر النبى "ص" من إيذاء ذوى الحقوق الخاصة، فعن جابر قال: لما رجعت مهاجرة الحبشة إِلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال: "أَلا تحدثوني بأَعجب ما رأَيتُم بأَرض الحبشة؟" قال فِتية منهُم: بلى يا رسول الله، بينما نحن جلوس مرت علينا عجوز مِنْ عجائزِهم، تحملُ على رأسها قُلَّةٌ مِنْ ماء، فمرت بفتى منهم، فجعل إِحدى يديه بَين كتِفَيها، ثمّ دفعها على ركبتيها، فانكسرت قلّتها، فلَما ارتفعت التفتت إِليه، ثمّ قالت: ستعلم يا غُدَرْ إِذا وضع الله الكرسي، وجمع الأَولين والآخرِين، وتكلمت الأَيدي والأَرجلُ بما كانوا يَكسبون، فسوف تَعلمُ أَمري وأَمركَ عِندهُ غدا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: صدَقَتْ، ثُم صدقَتْ، كَيف يُقدس اللهُ قَوما لا يؤخذ لضعيفهم من شديدهم" أخرجه ابن حبان في صحيحه (ح 5058)
ومن ذلك النهي عن تضليل الكفيف عن طريقه عبثاً وسخرية به فقال –صلى الله عليه وسلم-: "ملعون من كَمَّهَ أعمىً عن طريق" رواه أحمد (ح1875)
و"كَمَّه" بفتح الكاف وتشديد الميم أي: ضلل وعمّى عليه الطريق فلم يرشده الى الطريق الذي يقصده.
حرص الخلفاء الراشدين على رعايتهم
وقالت النشرة إن الخلفاء الراشدين حرصوا على رعايته، وكان الصحابة -رضوان الله عليهم- من أحرص الناس على التمسك بهدي النبي -صلى الله عليه وسلم- فما إن رأوا سلوكا له إلا واقتفوه، وكان من أحرصهم على ذلك الخلفاء الراشدون المهديون ففي صفة الصفوة (1/281): "أن عمر بن الخطاب خرج في سواد الليل فرآه طلحة فذهب عمر فدخل بيتا ثم دخل بيتا آخر فلما أصبح طلحة ذهب إلى البيت ذلك فإذا بعجوز عمياء مقعدة فقال لها: ما بال هذا الرجل يأتيك؟ قالت: إنه يتعاهدني منذ كذا وكذا يأتيني بما يصلحني ويخرج عني الأذى، قال طلحة: ثكلتك أمك طلحة أعثرات عمر تتبع".
وقد أثر عن عمر ابن الخطاب -رضي الله عنه- أنه فرض لذوي العاهات راتباً في بيت المال حمايةً لهم من ذُلِّ السؤال.
وكان علي بن أبي طالب –رضي الله عنه- يكتب لعماله برعاية المرضى والزمنى فمن ذلك رسالته إلى عامله على مصر يقول فيها: "ثم الله الله في الطبقة السفلى من الذين لا حيلة لهم من المساكين والمحتاجين، وأهل البؤس والزمنى؛ فإن في هذه الطبقة قانعا ومعترا، واحفظ الله ما استحفظك من حقه فيهم، واجعل لهم قسما من بيت مالك وقسما من غلات صوافي الإسلام في كل بلد فإن للأقصى منهم مثل الذي للأدنى وكل قد استرعيت حقه، ولا يشغلنك عنهم بطر...ولا تصعر خدك لهم، وتفقد أمور من لا يصل إليك منهم، ممن تقتحمه العيون وتحقره الرجال، ففرغ لأولئك ثقتك من أهل الخشية والتواضع، فليرفع إليك أمورهم ثم اعمل فيهم بالإعذار إلى الله سبحانه يوم تلقاه، فإن هؤلاء من بين الرعية أحوج إلى الإنصاف من غيرهم، وكل فاعذر إلى الله في تأدية حقه" [نهج البلاغة (2/104)].
وكذلك كان خامس الخلفاء الراشدين عمر بن عبد العزيز يفرض للزمنى من بيت مال المسلمين فريضة الصحيح لكفاية حاجته، ولما بدا لبعض عماله في دمشق ألا يكون لهؤلاء فريضة كامله وقال: الزمن ينبغي أن يحسن إليه، فأما أن يأخذ فريضة رجل صحيح فلا! فشكوه هؤلاء إلى عمر بن عبد العزيز، فقالوا: إنه يتعنتنا ويشق علينا، ويعسرنا! فكتب إليه عمر: "إذا أتاك كتابي هذا فلا تعنت الناس، ولا تعسرهم ولا تشق عليهم؛ فإني لا أحب ذلك" [الطبقات الكبرى لابن سعد (5/380)]
وقد أمر عمر بن عبد العزيز بإحصـائهم وتخصيص قائد مرافق لكل كفيف، وخادم لكل مقعد لا يقوى على أداء الصلاة وقوفاً.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة