يروى أحمد لطفى السيد، أول رئيس للجامعة المصرية، 11 مارس 1925، التى أصبحت جامعة فؤاد الأول فى 23 مايو 1940، ثم جامعة القاهرة فى 28 سبتمبر 1953، أنه فى أول سنة لافتتاح الجامعة طلب منه بعض عمداء الكليات قبول البنات الحائزات على البكالوريا (الثانوية العامة) فيها، فقال لهم إن هذه المسألة شائكة، وأشك فى رضى الحكومة عنها، وفقا لمذكراته «قصة حياتى»، مضيفا: «قررنا فيما بيننا أن نقبل البنات الحائزات على البكالوريا، من غير أن تثار هذه المسألة فى الصحف أوفى الخطب حتى نضع الرأى العام والحكومة أمام الأمر الواقع، ونجحنا فى ذلك، لكن بعد السير على هذا النهج عشر سنوات حدث ما كنا نتوقعه، قامت ضجة تنكر علينا هذا الاختلاط ، فلم نأبه لها، لأننا على يقين من أن التطور الاجتماعى معنا، وأن التطور لاغالب له».
يتتبع الدكتور رءوف عباس، فى كتاب «تاريخ جامعة القاهرة» هذه القضية من بداياتها، مشيرا إلى أن لطفى السيد، تعاون على إنجاح المشروع بإبقائه طى الكتمان، واعتمد على أن القانون الأساسى للجامعة يبيح التحاق «المصريين بها»، وهو لفظ الجمع الذى يشمل البنين والبنات، وفى 1929 التحق 17 طالبة منهن ثمانى طالبات بكلية العلوم، وأربعة بالآداب والطب، وطالبة واحدة بكلية الحقوق.
تزايدت أعداد الطالبات عاما بعد عام، لكن كان هناك من يترصدها، وحسب «عباس»: «قدم النائب عبدالحميد سعيد (مؤسس جمعية شبان المسلمين) استجوابا بمجلس النواب لوزير المعارف فى فبراير 1932، لنشر جريدة الأهرام صورة للدكتور طه حسين وحوله لفيف من الطلبة والطالبات، معبرا عن دهشته لهذه الصورة، بعد أن صرح الوزير بأنه «لا يسمح بالاختلاط الجنسى فى معاهد التعليم»، وعدَ النائب نشر الصورة دليل على «عدم احترام الشعور الدينى والآداب القومية»، ورد الوزير على الاستجواب، بأن الصورة فى اجتماع بنادى طلبة الجامعة، وأن الجامعة نبهت على الطالبات بعدم دخول هذا النادى، وعلى ذلك فلن يتكرر ما حدث».
يؤكد عباس، أن الموضوع أثير مرة أخرى عام 1937 مع انتشار حركة الإخوان بين طلاب الجامعة، ويعتبره «جزءا من الصراع السياسى بين الوفد والقصر عندئذ»، ويذكر: «أثار بعض الأزهريين قضية الاختلاط، كما انضم إليهم بعض شباب الإخوان داخل الجامعة، فتقدم بعض طلبة الحقوق بمذكرة إلى مدير الجامعة، وعمداء الكليات وأعضاء هيئة التدريس يطالبون فيها بتخصيص جانب من المناهج الثقافية الدينية فى جميع الكليات، وبتوحيد زى الطلبة وتمييز كل كلية بشارة خاصة يحملها الطلاب وتوحيد زى الطالبات وفصلهن عن الطلبة، وتخصيص دراسة خاصة بهن، وتقدم بعض طلبة كلية الطب وكلية التجارة بمذكرتين بنفس المعنى إلى إدارة الجامعة»، يضيف «عباس»، أن الأزهر رمى بالقفاز فى وجه الجامعة فنشر الأهرام حديثا لشيخ الأزهر عبر فيه عن سروره بالمذكرة التى قدمها الطلاب، وكان لهذا الحديث أثره فى إثارة طلبة الأزهر فقاموا بمظاهرات تأييد للمطالبين بعدم الاختلاط بتشجيع من شيوخ كليات الأزهر.
يذكر «عباس» أن طه حسين عميد كلية الآداب تصدى لهذه الدعوة فى حديث له بجريدة «المصرى»، 13 مارس، مثل هذا اليوم،1937، قال فيه «إنه لا يعرف فى القرآن ولا فى السنة نصا يحرم على الفتيات والفتيان أن يجتمعوا فى حلقة من حلقات الدرس حول أستاذ يعلمهم العلم والأدب والفن، وأن الجامعة لم تحدث حدثا، ولم تخرج على نص من نصوص الدين، وأبدى تعجبه لأن الفتيان والفتيات كانوا يجتمعون فى دروسهم الجامعية فى عهد الحكومات السابقة، فهل كان المطالبون بهذا نائمين فى العهد الماضى ثم استيقظوا فى هذه الأيام».
وشن طه حسين، هجوما ضد الدكتور منصور فهمى، عميد كلية الآداب السابق، لكتابته مقالا ضد الاختلاط، لأن الاختلاط كان موجودا أثناء وجوده فى عمادة «الآداب» فلم يبد اعتراضا، كما هاجم الأزهريين الذين لم يعارضوا فى مسألة الاختلاط فى عهود صدقى باشا، وعبدالفتاح يحيى باشا، وتوفيق نسيم باشا، وعلى ماهر باشا، ما يعنى أن الهدف من الحملة سياسى محض، وقال إن الدستور لا يبيح للحكومة أن تحرم التعليم العالى على الفتيات بأية حال من الأحوال، والظروف المالية لا تبيح للحكومة أن تنشئ جامعة خاصة للبنات، وأعلن أن الجامعيين لا يتلقون أمرا من معهد آخر مهما كان شأنه، وليحترم الأزهر استقلال الجامعة كما تحترم الجامعة استقلال الأزهر، وطالب الأزهريين بأن يتركوا مسألة الدين للطلبة أنفسهم، «فليس بين طلاب الجامعة قاصر ولا عاجز عن تثقيف نفسه فى الدين، والكليات ليست مدارس ابتدائية ولا ثانوية، وإنما طلاب الكليات راشدون يستطيعون أن يتعلموا الدين إن أرادوا».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة