سواء قبل الأزمة الأوكرانية أو أثنائها، يأتى الغذاء عموما والقمح على وجه الخصوص، ضمن أهم السلع بعد النفط والغاز، والتى تتأثر بالتضخم العالمى، وارتفاعات الأسعار، وبجانب كورونا التى أثرت على أسعار النقل وسلاسل الإمداد فقد ضاعفت الأزمة الروسية الأوكرانية الضغوط التضخمية الناشئة عن اضطراب سلاسل الإمداد لتنتج أزمة عالمية تفوق تأثيرات الأزمة المالية العالمية عام 2008، ولأن مصر والعالم العربى جزء من العالم فإن هذه التأثيرات تمتد وتؤثر ضمن اقتصاد عالمى يترابط وتتحكم فيه عناصر واحدة، تفرض إجراءات لدى كل دولة تكون قادرة على التعامل مع هذه الأزمات، وهذه النقاط مهمة لفهم ما يجرى، والتأثيرات الخارجية العالمية، أو التى تتعلق بالداخل، حيث يمكن النظر إلى السياسات الزراعية التى تم اتخاذها للتعامل مع ملف الزراعة، والحبوب، على مدى السنوات الأخيرة.
ومن النقاط المهمة فى سياق الأزمة ما حدث من تأثير واضح على إنتاج وحركة نقل القمح باعتباره واحدا من أهم السلع الاستراتيجية، ومعه الزيوت النباتية التى ترتبط هى الأخرى بالزراعة وتطوير الإنتاج الزراعى فى كل دولة، وفى مصر على مدى عقود كانت استراتيجية التعامل مع القمح تقوم على الاستيراد، وخلال السنوات الأخيرة ساهم الإصلاح الاقتصادى فى منح الاقتصاد قدرة على امتصاص الكثير من التأثيرات مع جائحة كورونا، فضلا عن تعديل استراتيجية الزراعة، حتى يمكن مضاعفة الرقعة الزراعية، مع التوسع فى إنتاج الحبوب وخاصة القمح بالشكل الذى ساهم فى تخفيض نسبة من الاستيراد.
وتسير الدولة فى اتجاهين، الأول تعظيم مساحات الأرض القابلة للزراعة، وتطوير بنية الرى والزراعة استنادا للأبحاث، بالشكل الذى يضاعف الإنتاج، والجانب الآخر الحوافز التى تقوى الإقبال على زراعة محاصيل تحقق عائدا للمزارع، ومن هنا يمكن النظر إلى توجيه الرئيس عبدالفتاح السيسى، للحكومة، بمنح حافز توريد إضافى لسعر إردب القمح المحلى للموسم الزراعى الحالى، وذلك لتشجيع المزارعين على توريد أكبر كمية ممكنة، وذلك فى اجتماع الرئيس مع رئيس الوزراء مصطفى مدبولى، ووزيرى الرى والزراعة، ومسؤولى المشروع القومى للإنتاج الزراعى «مستقبل مصر»، لمتابعة مشروعات قطاع الأمن الغذائى والزراعة، وسير العمل فى البنية الأساسية للمشروعات الزراعية خاصة فى محافظتى بنى سويف والمنيا، والتى تمثل قيمة مضافة لسوق الغذاء.
الاجتماع تضمن أيضا استعراض موقف مشروع «مستقبل مصر» وما تم إنجازه من مساحات منزرعة وموقف إمدادات المياه والطاقة الكهربائية وما يتعلق بالبنية الأساسية للمشروع، وبالرغم من الزيادة السكانية المستمرة سنويا، فإن حجم ما تستورده مصر من القمح تراجع، طبقا لتصريحات وزير التموين على المصيلحى، فى ديسمبر الماضى، حيث توقع انخفاض حجم واردات القمح فى عام 2022، بعد زيادة الإنتاج محليا، خاصة مع رفع سعر التوريد ومنح حوافز إضافية للفلاحين.
وحسب الدكتور محمد القرش، المتحدث باسم وزارة الزراعة، فقد ساهمت عملية تحديث المنظومة الزراعية فى زيادة إنتاجية الفدان ومضاعفته من 10 إردبات قبل 10 سنوات إلى 20 إردبا للفدان، وهو ما يحقق عائدا إضافيا للفلاح، مع الزيادات الأخيرة، فى ضوء زيادة المساحة المنزرعة هذا العام إلى 3.6 مليون فدان تقريبا مقارنة بخمس سنوات مضت بزيادة نحو 800 ألف فدان، والمشروع الزراعى الضخم «الدلتا الجديدة»، ضمن استراتيجية الدولة لزيادة نسبة الأراضى الزراعية.
وبناء عليه، فإن حجم الإنتاج القادم من القمح خلال موسم الربيع، يؤمن احتياجات مصر من القمح، مع زيادة عوائده للفلاح، بما يساعد فى مضاعفة الإنتاج خلال السنوات المقبلة، مع ما توفره المشروعات القومية من الحبوب، فى ظل أزمة عالمية قد تطول لفترات غير معلومة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة